بين أستانا وجنيف يحضر “شامير” السوري



لم تنفكّ تصريحات المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، تؤكّد على ابتداع جلسة مفاوضات جديدة تلي المنتهية، وتضاربت في الدعوة الأخيرة إلى جلسة في أستانا نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، والتلميح إلى عقد جولة ثامنة في جنيف، برعاية الأمم المتحدة. في جولة أستانا القادمة سيتطعّم “رعاة” المفاوضات بوفد صيني ومصري وعراقي، ولمّا كان من البديهي أن تكون القضية السورية من أبرز القضايا الساخنة، لاهتمام دعاة ورعاة المفاوضات؛ فإن السؤال التقليدي الذي يتبادر إلى الأذهان، بعد جولات أستانا وجنيف، هو: هل تمكّنت الأمم المتحدة ومبعوثها ومجلسها الدولي من القيام بدور حقيقي، يوقف موت السوريين؟

يُشارك أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين “روسيا”، في عدوانه على الشعب السوري، وفي الوقت نفسه يُقدّم الضغوط تلو الضغوط “برعايته” للمفاوضات، نيابة عن النظام السوري وبتعطيل جوهرها الأساسي، وتوفير الحماية لقاتل الشعب السوري، فالآلية السياسية التي تمضي بها عملية المفاوضات، من رأسها إلى قاعها، من خلال شل وتعطيل قدرة المجتمع الدولي وممارسة دوره الحقيقي في حماية السلم الدولي، تعني تشابه كل جولات المفاوضات، بما يذكرنا بلعبة الصهيوني “شامير”، وبنظريته في “جرجرة” الفلسطينيين، عشرات الأعوام، خلف المفاوضات، وهو ما حدث.

يستعير النظام السوري، وحليفه الروسي، نظريةَ شامير بـ “شحشطة” المفاوضين واللهاث خلف سراب التفاصيل، أين (جنيف 1) ومقرراته! وأين المرتكزات الأساسية التي يفترض أن تُشكّل ألف بائها إزاحة المجرم وتقديمه إلى العدالة؟ نعرف -ويعرف السوريون جميعًا- أي دوامة أدخلهم فيها نفاقُ المجتمع الدولي، كانت كافية منذ البداية مرواغات النظام وحلفائه، وكان يكفي أطراف المعارضة الإعلان عن عدم منح شرعية لهذه المفاوضات، في ظل الانتهاك المتواصل لكل الاتفاقات المرعية من الأطراف الدولية.

عبر محطات التفاوض الجنيفية والأستانية؛ تمكّن النظام من إحكام قبضته على كثير من المناطق، ومن إزهاق أرواح مئات الآلاف بمساعدة موسكو وطهران، واستمر في وحشيته حتى جرّد قضية المفاوضات من إزاحته إلى فرض سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي، ومقايضة إشاعة الإرهاب بوجوده. وهذا يعني أن جلسات التفاوض لم تعالج أيًا من القضايا الجوهرية المتعلقة برحيل النظام، وبناء ما ينشده المجتمع السوري في المواطنة والحرية والديمقراطية، جرى الكثير من حالة استغباء و”استهبال” المعارضة إلى الشعب السوري، في تناول تصريحات من “المهتمين” الدوليين في القضية السورية، كلّها تصبّ في مقلب النظام حتى في ضعضعة وتراخي المواقف الإقليمية والدولية.

عقلية شامير ونظريته حضرت على طاولة المفاوضات، وتجول منهجيته العنصرية والمدمرة، في كل مدن وأحياء سورية من نهب الأراضي والسطو عليها إلى التهجير والتغيير الديموغرافي، وباختصار، يُفاوض السوريون شامير “السوري”، بذرائعه وحيله وتحالفاته و”لوبياته”، وبرزت على الطاولة عقلية اللهاث خلف العبث الدولي، أيًا تكن النتائج والكوارث التي خلفتها.

من “جرجرة” شامير الصهيوني ومنهجيته وسلوكه، يُغرق شامير السوري المفاوضين بالتفاصيل وبالدم، وتحضر نظرية وزير خارجية النظام بإغراق المجتمع بما بشّر به قبل خمسة أعوام، فهنا تكمن حكاية جولات التفاوض، سواء أكانت المفاوضات في جنيف أم موسكو أم باريس أم أستانا؛ فإن النتيجة محتومة ولن تثير سوى الأسى والغضب لكل سوري مكلوم، يكفي الإنصات لصوت القذائف المنهمرة على الرقة ودير الزور والغوطة وإدلب وحماة، والإنصات أيضًا لـ “زلات اللسان” الدولية حول مستقبل النظام، لنُبعد وهج الاحتفاء بدعوات التفاوض أو الاستعداد لها.




المصدر
نزار السهلي