on
«فورين بوليسي»: بعد انفصال كتالونيا المحتمل.. هل تخوض إسبانيا حربًا أهلية جديدة؟
تعقد حكومة كتالونيا المحلية استفتاءً جديدًا للاستقلال عن إسبانيا، اليوم الأحد، رغم اعتراض حكومة مدريد ومحاولتها عرقلة الاستفتاء. أجواء مشحونة تنبئ بأزمة جديدة في تاريخ العداء الطويل بين مدريد – عاصمة إسبانيا – وبرشلونة، عاصمة إقليم كتالونيا. في إطار الاهتمام العالمي بهذا الاستفتاء، نشرت «فورين بوليسي» تقريرًا تشرح فيه الأزمة وتتساءل ما إذا كانت مدريد ستحل خلافها مع برشلونة على طاولة المفاوضات أم يتقابلان في أرض المعركة؟
يشير التقرير في بدايته إلى لعبة «من يجبن أولًا» التي لعبها الطرفان حول الاستفتاء طوال السنوات الخمس الأخيرة. لا يبدو أن أحدًا منهم سيتوقف قبل لحظة الاصطدام، وهو ما يتضح يومًا بعد الآخر.
تخطط حكومة كتالونيا لإقامة استفتاء يقرر الاستقلال اليوم، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، وسيكون نهائيًا بحسب الحكومة. ويضيف التقرير أن القانون الذي مرره البرلمان لإجراء الاستفتاء ينص على إعلان الاستقلال خلال يومين من التصويت بنعم؛ متجاهلًا بذلك قرار المحكمة الدستورية الإسبانية بنقض الأساس القانوني لهذا الاستفتاء. وتعرض الحكومة الكتالونية إعلانًا تلفزيونيًا عن الاستفتاء يناسب الموقف، يظهر فيه قطار يتجه نحو مفترق طرق.
تهديدات متبادلة بين الطرفين
ترفض الحكومة الإسبانية الحوار مع الزعماء السياسيين أنصار الاستقلال في كتالونيا منذ 2012، ويبدو أنها الآن تحاول استعراض عضلاتها كما يقول التقرير، حيث تعمل السلطات القانونية والشرطة في إسبانيا على منع عقد الاستفتاء من الأساس. شهد 20 سبتمبر (أيلول) الماضي تصعيدًا مفاجئًا في جهود التحقيق بالقبض على 14 شخصًا خلال المداهمات الأمنية لمباني الحكومة الكتالونية، وكانت قد اقتصرت في السابق على مصادرة الملصقات الدعائية وبطاقات التصويت والبحث عن صناديق الاقتراع المخفية والتي تدعي الحكومة الكتالونية أنها اشترتها.
ما لم يتضح بعد هو مدى جدية الحكومة الإسبانية في تنفيذ مرادها بالقوة، خاصة وأنها تملك قوة قانونية واسعة في حوزتها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستخدم الحكومة مادة في الدستور توقف الحكم الذاتي لمنطقة إن كانت في حالة عصيان، وتسيطر بموجبها على الحكومة الكتالونية. لكن فرض الحصار على الحكومة الكتالونية – بقيادة كارلس بودجمون – يستدعي وجود قوة عسكرية على الأرض.
يقول التقرير إن السياسيين الإسبان لم يخجلوا من إرسال عدد أكبر من قوات الشرطة لكتالونيا قبل الاستفتاء، لكنهم يمتنعون عادة عن استخدام القوة العسكرية في المواقف المماثلة. إذ يحاكي هذا التصرف أفعال ديكتاتورية فرانكو التي حكمت البلاد طوال أغلب سنين القرن السابق، ويُضعف هذا أكثر من تأييد الحكومة الإسبانية، حتى في خارج كتالونيا.
بحسب التقرير، يظن أغلب الإسبان في أنحاء البلاد أن عناد – رئيس الوزراء المحافظ – ماريو روخانو هو سبب الانقسام السياسي المتزايد. تظاهر عشرات الآلاف – الأربعاء الماضي – حول مباني الحكومة الكتالونية بعد تفتيش شرطة الحكومة المركزية لها بحثًا عن تدابير الاستفتاء، وهو تصرف ينبئ بتأجج مشاعر الناس بشكل خطير. يقول أحد المتحدثين باسم الحكومة الكتالونية: «إن كان الحل النهائي بالنسبة للدولة الإسبانية هو الدبابة، فقد انتصرنا بالفعل».
يصر راخوي على أن الاستفتاء لن يحدث، متحججًا بعدم قانونيته. لكن التقرير يشير لامتناع مدريد عن تحريك قوات الأمن لغلق مقار التصويت وهو ما يوحي بأن الاستفتاء سيتم، مثلما حدث في استفتاء استقلال كتالونيا عام 2014 والذي صوت فيه 2.3 مليون كتالوني رغم أن القضاء الإسباني حكم ببطلانه قبل عقده.
كما أن حزب «ترشيح الوحدة الشعبية» اليساري، وهو حزب صغير العدد لكنه مؤثر في الأغلبية المؤيدة للاستقلال في البرلمان، يَعد بتنظيم عصيان مدني واسع إن حاولت قوات الأمن إحباط الاستفتاء بحصار مقار التصويت أو ما شابه ذلك. ويعد هذا تهديدًا حقيقيًا للنظام العام إن أخذنا في الاعتبار المظاهرت الضخمة في شوارع مدينة برشلونة طوال السنوات الخمس الأخيرة والتي تطالب بالاستقلال، وتكون مليونية في أغلب الأحيان وما زالت سلمية حتى الآن.
كان آرتور ماس – الرئيس السابق للحكومة الكتالونية – قد منع من تولي أي منصب حكومي لمخالفته قرار المحاكم الإسبانية بعقده استفتاء 2014 والذي يعد غير قانوني. وبحسب التقرير فإن نفس الشيء سيحدث على الأرجح لبودجمون وحكومته، الذين احتفلوا بتوقيعهم قرار الاستفتاء الجديد. ويقول المسؤولون في برشلونة إنهم سيتجاهلون أي حكم مشابه لأن قرارهم يأتي وفقًا لإرادة الكتالونيين وبرلمان كتالونيا.
ماذا سيحدث بعد الاستفتاء؟
كيف ستكون إسبانيا يوم الاثنين، الثاني من أكتوبر (تشرين الأول)؟ يتساءل التقرير. من المحتمل أن تمضي الحكومة الكتالونية قدمًا وتقيم الاستفتاء بطريقة ما، وستكون النتيجة لصالح الاستقلال خاصة بعد قرار مقاطعة الاستفتاء الذي اتخذه الوحدويون في الإقليم. سيحتفل القوميون غالبًا، رغم أن حماسهم قد يطفأ إن لم يتجاوز الحضور الانتخابي 50%. وإن لم ينجح التصويت في تحقيق الحد الأدني من النجاح غير الرسمي، قد يختار بودجمون عقد انتخابات إقليمية مفاجئة كونها التصويت القانوني الوحيد الممكن لإظهار قوة – أو ضعف – قضية الاستقلال.
أما إن كانت النتيجة حاسمة لصالح استقلال كتالونيا، فعلى الحكومة الإقليمية أن تقرر إلى أي مدى ستحارب من أجل القضية. إن التصويت بنعم يجعل كتالونيا – على الورق وبموجب قانون يتخطى القانون الإسباني – دولة شرعية ديمقراطية اشتراكية، تحوز سلطة جمع الضرائب وتأميم ممتلكات ومؤسسات الحكومة الإسبانية بينما يُكتب دستور جديد للتصويت عليه في استفتاء يتم بعد عام. من الناحية الأخرى، يقول التقرير إن القضاء الإسباني سيستمر في إلغاء هذه الإجراءات بدعوى عدم قانونيتها طبقًا للقانون الإسباني، لكن زعماء كتالونيا الحاليين يدعون حقهم – حال الفوز في الاستفتاء – في وضع إرادة برلمانهم فوق إرادة أي من أدوات الدولة الإسبانية المركزية.
يطرح التقرير احتمالًا آخر لرد فعل كتالوني أكثر برجماتية، فقد تسعى الحكومة الكتالونية للاستفادة من الاستفتاء بالضغط على الحكومة الإسبانية للمشاركة في مراجعتها للطريقة التي تسيطر بها على مناطق الحكم الذاتي، وهو ما أثارته إدارة رافوي مؤخرًا فيما وراء الستار.
طريق المفاوضات مسدود
يقول التقرير إن هناك الكثير من العقبات التي تواجه وجود حل تفاوضي. سافر «ماس» رئيس الحكومة الكتالونية إلى مدريد منذ خمس سنوات ليطلب عقد صفقة خاصة مثل التي عقدت مع إقليم الباسك، والذي يتمتع بموجبه الإقليم الغني بإنفاق حكومي يعادل عائدات الضرائب من الإقليم.
رفض رافوي وقتها الاتفاق على الفور. ولم يعد الجيل الجديد من القوميين الكتالونيين يبحث عن تحسين الحكم الذاتي أو الحصول على اتفاق اقتصادي جديد من الحكومة المركزية، بل يريدون تقرير مستقبلهم بأنفسهم. يبدو أن اللحظة المناسبة لعقد اتفاق بالتفاوض قد فاتت، فقد أظهرت استطلاعات الرأي بشكل مستمر أن أغلبية الكتالونيين يريدون تصويتًا رسميًا على الاستقلال، حتى لو كان العديد منهم سيصوتون ضده.
تحدد إجابة سؤال «ماذا يريد بودجمون وحكومته؟» جزءًا كبيرًا من القضية. مثلما فعل ماس زميله في الحزب، شجع بودجمون الاعتقاد المتأصل بأن الاستقلال ممكن وفي متناول الكتالونيين، بدلًا من الطموح النظري الذي يحتاج للعمل عليه بخطوات معقولة. يبدو أن كليهما قد قدر لهما أن يكونا شهداء القانون بينما يدمر القانون الإسباني ببطء الهيكل شبه القانوني الذي تقيمه كتالونيا من أجل الاستقلال.
يضيف التقرير أن هذا الاستشهاد القانوني قد يكون هو المغزى. طبيعة الادعاء القانوني المتصلبة هي سبب آخر لاستمرار الحركة الاستقلالية على أمل أن تقنع الفاعلين في المجتمع الدولي بالضغط على إسبانيا. لم يصرح أحد الشخصيات السياسية البارزة بدعم كتالونيا حتى الآن، في حين نشرت نيويورك تايمز ولو موند افتتاحيتين مؤخرًا طالبتا فيهما إسبانيا أن تسمح بالاستفتاء، وهو ما يعزز آمال الكتالونيين.
يختتم التقرير بأن النتيجة المرجحة لهذا الاستفتاء مقلقة وهي استمرار حالة الواقع المزدوج، والتي يكمل فيها مؤيدو الاستقلال معركتهم الوهمية لإعادة تسمية المؤسسات الحالية، بينما يستمر القضاء الإسباني القوي في ملاحقتهم بإعادة الأشياء لما كانت عليه على الورق، هذا إن لم يستطع فعل ذلك في قلوب وعقول الكتالونيين.
فقد رسمت الحكومة الكتالونية خارطة طريق للاستقلال تسمح لسكان الإقليم أن يحتفظوا بالجنسية الإسبانية بجانب سعيهم للجنسية الكتالونية إن أرادوا ذلك، وهو اعتراف ضمني بأنه حتى في حالة الفوز، سيبقى الاستقلال أمرًا غير واضح في المستقبل. سيضطر الواقعان المختلفان لمواجهة أحدهما الآخر، وعلى إسبانيا أن تأمل أن يكون ذلك على طاولة مفاوضات وليس في ساحة معركة.
المصدر