on
ما لا يحق للأكراد
تخلل الاحتفالات الكردية الشهر المنصرم رفع أعلام إسرائيلية التقطتها عيون عروبية وجعلتها جزءاً من الطموح الكردي بالاستقلال. إنها «الدولة الكردية المصطنعة والموازية لدولة إسرائيل»، وذهب أصحاب الوجدان العروبي الجريح إلى أكثر من ذلك، فالدولة العتيدة ليست صنيعة إسرائيل وحسب، إنما شريكة تل أبيب في صناعة «داعش»، والتي تأمل بعودة مئتي ألف كردي يهودي من إسرائيل. وهي، أي الدولة العتيدة، جزء من المشروع الصهيوني لتفتيت المنطقة إلى كيانات قومية ومذهبية، والعبارة الأخيرة، أي «الكيانات المذهبية»، تبرّع بها لخطاب الهلع العربي من الدولة الكردية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ذاك أنه شديد الحساسية حيال الدول والمذهبية والمشاريع المذهبية.
يمكن للمرء أن يقول الكثير عن خطوة الاستفتاء على الاستقلال. مسعود بارزاني أقدم عليها في لحظة شعوره بأنه محاصر بفشل التجربة منذ عام 1991. والأكراد منقسمون بين أربيل والسليمانية على كل المستويات، والفساد يملأ الأرض والسماء هناك. سطت الحكومة على ودائع الناس في المصارف، وأقدمت على خطوات حمقاء من نوع منع رئيس البرلمان من دخول مدينة أربيل في لحظة غضب البارزانيين عليه. وهذا كله غيض من فيض، وهو قد يفضي بالمرء إلى قناعة مفادها أن الاستفتاء كان خطوة في الفراغ، وهو رتب على الأكراد أكلافاً كانوا في غنى عنها.
لكن للاستفتاء الذي حصل فضيلة أيضاً، فهو استدرج عرباً إلى تفريغ قدر هائل من طاقة هذيانية مكبوتة منذ زمن بعيد. كشف أن البعث بفرعيه العراقي والسوري ليس عارضاً طارئاً على الوجدان العروبي، بل هو في صلبه. و»داعش» هي ابنة خالته التي رضعت من الحليب نفسه، وأن الهزيمة العربية طوال مرحلة الصراع مع إسرائيل هي ثمرة انزياح الأنظار عن الحقيقة، فالقائل إن الأكراد بصدد إعادة مئتي ألف كردي يهودي من إسرائيل إلى كردستان لم ينتبه إلى أنهم بفعلتهم المتوهمة هذه يكونون قد أعادوا الأمور إلى نصابها وأسدوا خدمة لفلسطين، بأن صححوا خطأ كانت عروبة رشيد عالي الكيلاني وأقرانه القومجيين قد تسببت بها عندما انقضّت على يهود بغداد وأرسلتهم بمساعدة الوكالة اليهودية إلى إسرائيل.
ومثلما يُغفر للعروبة خذلانها فلسطين، لا يغفر لأكراد رفعهم علماً إسرائيلياً في لحظة هذيان قومي موازٍ. إنهم أكراد ولا يحق لهم أن يغضبوا وأن يخطئوا، تماماً كما لا يحق لهم أن يحلموا بدولة حرموا منها منذ أكثر من قرن. وهم إن أخطأوا سيخرج لهم السيد نصرالله ليذكرهم بأنه سيقف بوجه أي مشروع مذهبي يقسّم الأمة التي يبدو أن السيد بصدد توحيدها تحت راية الولي الفقيه غير المذهبي. سيخرج لهم أحفاد رشيد عالي الكيلاني والحاج أمين الحسيني ليذكروهم بأنهم وقفوا إلى جانب هتلر وخسروا فلسطين، وها هم أحفادهم يستجيبون لنداء الوجدان نفسه فيحيلون على الأكراد فشل أجدادهم.
أما «داعش» الذي باع أرضاً في بلاد الرافدين لإسرائيل عبر وسطاء أكراد، بحسب رواية الأحفاد، فوجد لنفسه مكاناً في الرواية المضادة للدولة الكردية. «داعش» ليس عربياً ولا بعثياً، إنه كردي وإسرائيلي. في حوزة أحفاد رشيد عالي الكيلاني وثائق تثبت ذلك، وهم أرسلوها للسيد نصرالله وسيكشفها في خطابه المقبل.
بارزاني عالق اليوم بنتائج الاستفتاء. عاجز عن الذهاب خطوة أبعد، وفي الوقت نفسه عاجز عن العودة إلى ما قبل حصوله. لعل الإنجاز الوحيد الذي يمكن أن يُسجل له، هو كشفه عن القابلية العدوانية للثقافة المضادة للدولة الكردية.
القوى الشيعية العراقية، وهي حليفة الأكراد في عراق ما بعد صدام حسين، عادت والتأمت في حلف مذهبي لا مكان فيه للطموحات الكردية، وها هي تذكر الأكراد بعروبة كركوك، في وقت تخلت هي فيه عن عروبة النجف وكربلاء، وحوّلت الموصل بعد تحريرها من «داعش» إلى حاضرة إيرانية.
هذا كله لا يضير أحفاد رشيد عالي الكيلاني، طالما أنه صادر عن طاغية قوي.
أما الضعفاء أمثال الأكراد، فلا يحق لهم بأن يحلموا بدولة.
(*) كاتب لبناني
المصدر
الحياة