هل تنجح المصالحة الفلسطينية بحسن النيّات؟



تتناوب الوفود المتجهة من معبر رفح نحو قطاع غزة، وبالعكس نحو القاهرة، على ضوء ما أعلنت عنه حركة (حماس) مؤخرًا بالاتفاق مع القاهرة؛ لترتيب الأوضاع الفلسطينية، في خطوة بدأتها بالإعلان عن حلّ اللجنة الإدارية والقبول بتسليمها معظم الوزارات والإدارات المحلية للسلطة الفلسطينية، وترتيب استقبال أعضاء حكومة السيد رامي الحمد الله في غزة، لاستلام الوزارات وإدارتها. وقد عُدّت هذه الخطوة مفتاحًا لإجراء “مصالحة تاريخية”، بين حركتي (فتح) و(حماس)، على اعتبار أنهما صاحبتا الانقسام.

خبر المصالحة مفرح وجيد، من حيث تخفيف الأعباء عن كاهل الغزيين، وجيّد إن أبعدنا سوء النيّات وما تحمله الأسئلة الكثيرة للأثمان المتفق عليها بين حركة (حماس) ومخابرات عبد الفتاح السيسي التي يزور وفدها غزة اليوم. وما رشح من أخبار تتعلق باستعداد الطرفين في غزة والقاهرة، لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني يبعث على إثارة كثير من الأسئلة من الأبعاد السياسية للدور الذي تقوم به القاهرة، وتنصاع له (حماس)، إلى إدراج صفقة دحلان مع القاهرة و(حماس)، على أنها مقدمة لوضع الأمور في قلب تطور “طبيعي”، لاجتياز الانقسام الفلسطيني.

هذه الأسئلة وغيرها، مما يُثار عن دور القاهرة في ملف المصالحة، يمكن إرجاعها إلى أربعة منطلقات أساسية، إجرائية، وأمنية، سياسية، وتاريخية، وكل واحدة من هذه الإحاطات لا يمكن فهمها بدقة وشمول، إن لم ترتبط مع بعضها البعض ربطًا محكمًا، فهي موضوع واحد وقضية كلية كاملة، والموضوع الذي نحن بصدد بحثه ليس رياضة عقلية أو ممّا يقع في بواطن الجدل، لكنه يتصل بجذور مأساة وملهاة المصالحة الفلسطينية المرتبطة أصلًا بمسار القضية الفلسطينية برمتها.

وراء الأحداث والحقائق المتصلة بملف المصالحة ودور القاهرة، يكمن شيطان التفاصيل الذي يدور بين القاهرة وتل أبيب والإمارات وغزة ورام الله، وكمثال على أهمية وجود شيطان التفاصيل، تدور المصالحة الفلسطينية تحت سقف البند الأمني السياسي. هي بنود تعرض تفاصيل الانتهازية السياسية لقبول ضغوط من وكلاء للاحتلال في عواصم عربية، تعيد دورًا سياسيًا انقلبت على سلوكه وممارساته التي كانت سببًا رئيسًا في إحداث الانقسام، حسب روايتها وأدلتها ووثائقها التي عرضتها لشعبها.

كما قلنا، إن أبعدنا سوء النية، وابتهجنا بالمصالحة وحسب؛ فستكثر المنغصات التي تُجبرنا على التفكير مجددًا ومناقشة الأسئلة المثارة، فبند المصالحة في حقيقته كان يجب أن يكون مطويًا منذ زمن بعيد، وأن تكون الأمور في نصابها الطبيعي، لكن هضم الدور المصري، المنفتحة أساريره مع نتنياهو، وفولاذه القوي يخنق غزة، لا يمكن فهمه بغير منطق أصحابه المؤكدين على مصالح (إسرائيل) وأمنها أولًا، الذي شكّل مطلبًا رسميًا من السلطة الفلسطينية وتل أبيب للقاهرة بتشديد حصار غزة وعقابها.

على كل حال، الدوافع مختلفة، لكل طرف حساباته ومصالحه، من الإعلان عن المصالحة إلى بحث بنودها وتثبيت التطمينات الأمنية التي تنقلها القاهرة إلى تلّ أبيب، ولا يمكن بأي حال الحساب خارج سقف البند الأمني الذي تعمل وفقه حسابات الأطراف المعنية بالمصالحة الفلسطينية، الظروف والوقائع السياسية لم تتغير حتى تجعلنا نفكر خارج إطار آخر، إلا في اتجاه يخص تبادل الدور الذي تلعبه القاهرة نيابة عن تل أبيب وبعض العواصم العربية، لتلبية الشروط الإسرائيلية في ملف المصالحة، لكن الدهشة تسقط الأسئلة عن الأثمان التي دفعها طرفا الانقسام الفلسطيني، وعند إرجاع الحسابات الفئوية والانتهازية السياسية، إلى حسابات لا علاقة لها، بمشاريع وعناوين كبرى لحركة تحرر وطني أو حركة مقاومة.

المصالحة الفلسطينية تُفهم في إطارها الطبيعي من دون أن تكون قائمة على أوهام ومساومات سياسية أو استجابة لضغوط تُلبّي حاجة الأعداء لا حاجة الشعب، من خلال تقديم الحجم والرؤية الطبيعية، بعيدًا عن الحسابات الإقليمية والفئوية والحزبية، وهو ما تحتاج إليه قضية شعب محتل أكثر من أي وقت مضى، وسيبقى الرهان على حسن النية مصدرًا لقلق مشروع ومستمر، وخصوصًا عندما تقود المصالحة أنظمةٌ وحكومات غير متصالحة أصلًا مع مجتمعاتها، وتقود مجازر بحق شعبها، وتتحالف مع عدوك؛ فمن أين يمكن أن نستمد حسن النية!




المصدر
نزار السهلي