المجتمع الإدلبي وضوابط “الحُسبَة”: أكثر من مجرّد لِباس




رغم الأهمية الاستثنائية للعديد من القضايا التي أفرزتها الثورة السورية كالحرية والعدالة الاجتماعية وبقية العناوين الرئيسة التي انطلقت من أجلها، فإن موضوع المرأة والتغيرات التي طرأت على واقعها بقي عنواناً مرافقاً لما سبق، ومقياساً لدى الكثير من الجهات رغم الجدل المثار حول هذا الأمر.

وفي إدلب وعقب سيطرة “هيئة تحرير الشام” على معظم المحافظة، عاد السؤال ليتردد مجدداً وإن بشكل مختلف: كيف آلت حياة النساء هنا؟

تحت الرقابة

تقول الناشطة في إدلب، أم العامر (اسم مستعار لأسباب أمنية) لـ “صدى الشام”، “الحياة في إدلب وخاصة للنساء صعبة للغاية، فالمرأة هنا تحت المراقبة الدائمة، وخاصة في قضيتين شكليتين هما اللباس والاختلاط، فالجهات المتشددة العسكرية والمدنية منها دائمة التدخل والاعتداء على حرية المرأة الشخصية، وكل ذلك بحجة فرض الشريعة”.

وأوضحت أن هناك تدقيقاً على مسألة الاختلاط بين الجنسين، فهو من المحظورات، إذ أنهم يدقّقون على نشاط منظمات المجتمع المدني، سواء أكان ضمن الدورات التدريبية أم ورش العمل، حيث يدخلون إلى مقراتها للتأكد من عدم جمع النساء والرجال في قاعة واحدة أو حتى على طاولة واحدة، وكذلك الأمر في أماكن العمل فتجد غرف خاصة بالنساء وأخرى بالرجال.

وأضافت “هذه التوجهات تطبق قسراً في المدارس والجامعات، حيث يمنع الاختلاط في المدارس بعد الصف الرابع الابتدائي، فهناك مدارس للإناث وأخرى للذكور، أو يقسم الدوام المدرسي إلى فترة للإناث وأخرى للذكور، وكذلك الأمر في الجامعات هناك أيام للإناث وأخرى للذكور”.

تهمة

“الخوف اليوم أن تترك تلك الأفكار أثرها في سلوك المجتمع، وخاصة أن هناك اليوم تراجعاً ملحوظاً في الاهتمام بتعليم المرأة، وارتفاع في نسب الزواج بين القاصرات، فتجد أن هناك اهتماماً بتعليم الذكور في العائلة على حساب الإناث”.

تحاول الناشطة، لفتَ النظر إلى هاجس أساسيٍّ له تشعباته، “فالتعليم لا يترك أثراً واضحاً في رفع سوية الثقافة، حيث تُفاجَأ بأن ذكوراً متعلمين يدافعون عن فكرة زواج القاصرات وعدم عمل النساء، وإن خالفتهم في الرأي فتهمة العلمانية جاهزة، والتي تساوي عندهم تهمة الكفر”.

وتضيف “هذا التعدّي على الحريات الشخصيّة يطال النساء في الشارع بعض الأحيان، سواء كان عبر توجيه الانتقادات اللاذعة، أو اقتياد النساء إلى مكاتب الدعوة لتحجز بطاقة الهوية الخاصة بالمرأة ويستدعى زوجها أو ولي أمرها، وتحجز هويته إلى أن يقوم بشراء اللباس الشرعي للمرأة وجلبه إلى مكتب الدعوة، إضافة إلى إجباره على كتابة تعهد بعدم تكرار تلك المخالفة برأيهم”.

أقل ممّا سبق

من جانبه يعتبر صحفي في إدلب (فضّل عدم ذكر اسمه) أن “مظاهر التدخل بحياة الناس تعتبر أقل مما سبق، فبعد تغير السيطرة الأخيرة، تحاول القوى المسيطرة عدم الاصطدام مع الناس، حيث لم نعد نرى دوريات الحسبة تجوب الشوارع”، ويستدرك: “طبعاً ما يزال هناك تدقيق على مسألة لباس النساء ومسألة الاختلاط ، فمثلاً في الأماكن العامة كمنتدى الشبيبة هناك عنصران أمنيان للتدقيق على الداخلين حيث يتم فصل الشباب عن العائلات، ولكن الأهالي يحاولون دائماً عدم الالتزام بتلك التعليمات، وخلال الشهر الماضي تم اعتقال مراسل إحدى القنوات التلفزيونية لمجرد أنه جالس مع فتاتين لبحث عمل ما، وأجبروا على كتابة تعهد لعدم تكرار ذلك”.

ومن المظاهر التي يشير إليها الصحفي أن: “هناك نسبة ليست كبيرة من النساء تمارس بعض الأعمال، في المدارس والمشافي إضافة إلى بعض الأعمال الخاصة”.

ويلفت إلى أن “الفصائل المتشددة ليس من أولوياتها التدخل في حياة الناس اليوم، لكن التدخل يتم من قبل عناصرها، والذين يكون بعضهم بالأصل سيئي السلوك، واليوم سمعوا بشيء يدعى تطبيق الشريعة، ولأسباب كامنة بداخله يقوم أحدهم بممارسات ليلفت الانتباه ويشعر بسلطته، إضافة إلى دوافع شخصية كعداوات سابقة”، حسب تعبيره.

بين الريف والمدينة

في مقابل حصر التعديات بشخص أفراد معيّنين، لا يجد الصحفي مشكلة في القول إن “المشكلة في الأصل بالمجتمع” ويوضح أن “هناك من يغير من طباعة وقناعاته بحسب القوى المسيطرة، وبما أنه “يوجد اليوم قوى متشددة، فإن هؤلاء يصبحون أكثر تشدداً من تلك الجماعات، في نوع من المزايدة”.

ويرى أن “تأثير تلك الجماعات في الريف كان أقل عما هو في المدينة، وذلك بحسب طبيعة أهله، وعليه فقد حدث صدام بين تلك الجماعات وأهلها منذ سنوات، كمدينة سلقين التي حافظت على تفاصيل حياتها، كما هو الحال بالنسبة للباس النساء إذ يعتبرون ارتداء النساء البنطلون وقميص طويل كافٍ دون أن ترتدي “المانطو”، وأصبح الالتزام باللباس المفروض من تلك الجماعات أمراً شخصياً”.

ويُرجع ذلك إلى أن “معظم الثوار في الريف هم من أهاليه، أما المدينة وضعها مختلف فمعظم أهلها يتعاملون مع الأمر على أنه فرض الواقع”.




المصدر