on
حكاية السلطان عمريط والفلاح…الليلة الخامسة من ليالي شهرزاد
قالت شهرزاد:
بلغني، أيها الملك السعيد، أن السلطان عمريط قال لوزيره:
– هيّا يا هامان نتفقّد أحوال الرعية، وما آلت إليه أمورهم، بعد الفرمانات التي أصدرناها، وحوّلنا بها أملاكَ الذين تركوا السلطنة إلى أملاك سلطانية.
تنكّر السلطان عمريط ووزيره هامان كلاهما، ولبسا لباسَ الدراويش، ونزلا يتجولان في أسواق المدينة، وكانا كلما شاهدا رجلًا أو امرأة وقفا يسألان عن أحول الرعية. وكان سؤالهما واحدًا لا يتغير: كيف ترون وقع الفرمانات السلطانية الأخيرة على الناس، وهل كان السلطان عادلًا في تحويل أملاك الناس الذين تركوا السلطنة إلى أملاك سلطانية؟ وكان الجواب الذي يتلقيانه واحدًا لا يتغير: إن في ذلك ظلمًا ما بعده ظلم، فالذين تركوا السلطنة فرّوا من جور السلطان وظلمه، وتحويل أملاكهم إلى أملاك سلطانية ظلم آخر. وكانوا يشفعون ردودهم بدعاء لله أن يريحهم من السلطان، اليوم قبل الغد.
وفي أثناء سير السلطان عمريط ووزيره هامان، ساقتهما أقدامهم إلى خارج المدينة، فأتيا فلاحًا في حقله، يتقاوى على نفسه، ويعالج شجرة أشرفت على اليباس، فيقلّم أغصانها اليابسة، ويرويها بالمياه كي يتفادى موتها علّها تسترد عافيتها. وحين توجها إليه ترك معوله ومقراضه، وهمّ باستقبالهما؛ فسألاه:
ما أنت فاعلٌ بهذه الشجرة اليابسة؟ وهل تظن أنك ستعيد لها الحياة؟ ألا قلعتها ووضعت شجرة جديدة مكانها؟ فقال الفلاح:
– إنما أنا صاحبها، ومسؤولية رعايتها ومعالجتها تقع على عاتقي دون غيري. فقال له السلطان:
– ولمَ لا تتخلص منها وتضع مكانها شجرة جديدة، ما دامت لم تعد نافعة؟ فضحك الفلاح، وقال للسلطان:
– عند ذلك أكون قد فعلت مثلما يفعل مولانا السلطان. فقال له السلطان عمريط:
– وما يفعل مولانا السلطان؟ قال:
– يقتلع السكان أصحاب الأرض الذين يعرفون كيف يحافظون عليها ويحمونها، كي يستبدل بهم آخرين غرباء عن أرضه لا يربطهم بها رابط؛ فيقع في سوء أعماله، ويصيبه ما أصاب ذلك الساحر. قال السلطان عمريط:
– وماذا أصاب الساحر؟ قال الفلاح:
– يُحكى أنه كان في أحد البلدان رجلٌ تعلّم السحر على يد أحد السحرة، ثم أحبّ أن يمارس المهنة، بعد اعتقاده أنه قد أتقنها تمام الإتقان؛ فلجأ إلى ذئب اصطاده، وقرأ عليه من تعاويذه التي تعلّمها، يريد أن يحوّله بسحره إلى كلب يحرس قطيعه، وأيقن أن سحره قد وقع على الذئب، وتحوّل إلى كلبٍ كما أراد. غير أن الذئب كان قد أدرك مقصد الساحر؛ فتكالب في محاولة منه لإقناع الساحر أن السحر قد وقع عليه. عندئذٍ أوكل الساحر إلى الذئب مهمة حراسة قطيعه. ولمّا نهض الساحر في الصباح؛ وجد أن الذئب قد أجهز على قطيعه كاملًا، بعد أن عاد إلى طبيعته الذئبية؛ وهكذا انقلب السحر على الساحر.
بعد أن انتهى الفلاح من سرد حكايته؛ نظر السلطان عمريط إلى وزيره هامان، وأخذا يتهامسان، ثم وضعا إشارة على حقل الفلاح. وفي صبيحة اليوم التالي وجد الفلاح نفسه محاطًا برجال السلطان، حيث اقتادوه إلى مكان مجهول، وسط عويل نسائه وأطفاله. وتحوّل حقله إلى أملاك سلطانية.
وحين أدرك شهرزاد الصباح، سكتت عن الكلام المباح.
المصدر
فوزات رزق