شرارة قد تشعل حرباً بين روسيا والـ«ناتو»



كان شهر سبتمبر/أيلول الذي انتهى للتوّ، شهراً متوتراً حافلاً بالاستعراض والاستعدادات العسكرية. فقد بدأت السويد مؤخراً لعبة حرب (مناورة عسكرية) مدتها ثلاثة أسابيع، هي الأضخم في هذا البلد منذ الحرب الباردة. وفي الوقت الذي فعلت فيه ذلك، اختتمت القوات الروسية والبيلاروسية، على الجانب الآخر من بحر البلطيق، تدريبات «زاباد» العسكرية، التي وصفها المسؤولون في حلف الناتو بأنها «استعدادات جادة لحرب كبيرة».
وتقود هذه المناورات الحربية الكبرى، إلى خطر نشوب صراع حقيقي. ولكن، لا الغزو الروسي الذي يتخوّف منه جيران روسيا، ولا غزو الناتو الوارد ضمناً في سيناريو تدريبات «زاباد»، حدثان محتملان. وتشير أبحاثنا حول تصعيد الصراع إلى أن الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، يجب أن تقلق بشأن احتمال حدوث طارئ أخطر بكثير: ماذا لو انبثقت أزمة منفصلة في الوقت الذي تم فيه بالفعل نشر أعداد ضخمة من القوات والمعدات في المنطقة؟
يمكن أن تنشأ أزمة بسبب ثلاثة أنواع مختلفة من الأحداث، على الأقل: هجمات لا يمكن عزْوُها إلى مصدر محدد، أعمال من جانب واحد يقوم بها حليف ملهوف، وحوادث عسكرية. ويمكن أن تفضي هذه الأوضاع الخطيرة سريعاً إلى عواقب غير مقصودة، تؤدي بدورها إلى انزلاق روسيا والغرب في مواجهة مسلحة.
ومن شأن الهجمات السيبرانية الكبرى، على غرار الهجوم الذي عطّل حكومة أستونيا عام 2007، أن يكون خطيراً بوجه خاص أثناء تدريبات عسكرية جارية. وقد أثار استخدام روسيا لما يُسمى الحرب الهجينة في أوكرانيا مخاوف حلف شمال الأطلسي من أن هجوماً عسكرياً روسياً قد يكون مسبوقاً بهجوم على نظم المعلومات، بينما يفترض المخططون العسكريون الروس الآن، أن «حروب المعلومات» ستكون جزءاً من المرحلة الأولى من كل صراع.
وقد اتفق أعضاء حلف الناتو عام 2016 على أن الهجوم السيبراني قد يؤدي إلى تفعيل المادة 5، وهي بند الدفاع المتبادل في الحلف، تماماً مثلما يمكن لهجوم عسكري تقليدي أن يفعل. ولكن عزو الهجمات السيبرانية إلى مصادرها الحقيقية، أمر شديد الصعوبة؛ لنتأمّلْ فقط هجوم تعطيل الخدمات، ذا المصدر الجماعي، الذي شُنَّ على البنك الوطني اليوناني، من قبل جماعة القرصنة الناشطة المعروفة باسم «انونيموس»، والذي لم يكن بالإمكان نسبته إلى مرتكب منفرد منظم رسمياً.
ويصعب على الحكومات أكثر، أن تقدم أدلة موثوقة تكشف المذنبين من دون المساس بمصادر وأساليب الاستخبارات. ومع ذلك، قد يشعر الحلفاء الذين يخشون نشوء واقع عسكري لا يمكن تغييره، مثل ضم شبه جزيرة القرم، بأنهم مضطرون إلى التصرف بسرعة وحسم، على الرغم من محدودية المعلومات.
ويتخذ حلف الناتو قراراته بإجماع أعضائه البالغ عددهم 29، ما يعني أنه قد يكون بطيئاً في الاستجابة. ومع ذلك، فإن حليفاً ملهوفاً -مطمئناً إلى ضمانات المادة 5 أو حتى متشجعاً بسببها- قد يتخذ إجراءات أحادية يعتبرها دفاعية بحتة.
إنّ بإمكان أي من هذه الأفعال أن يحوّل الوضع المتوتر إلى حرب ساخنة ويجرّ الحلف إلى صراع يفضِّل تجنبه. وقد بدا حدوث ذلك قاب قوسين أو أدنى عام 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة روسية عبرت مجالها الجوي من سوريا. ولكن، لحسن الحظ، تمكنت الدولتان في نهاية المطاف، من ترميم علاقتهما.
وحتى لو لم تستعمَل القوة العسكرية عمداً، فإن احتمال وقوع الحوادث يرتفع بالتناسب مع عدد القوات والمعدات العسكرية المشاركة في المناورات. وكما هي الحال في المناورات الحربية السابقة، تضمنت تدريبات «زاباد» 2017، قوات روسية وبيلاروسية لا تقوم فقط بإجراء مناورات عسكرية، بل ربما تحاكي أيضاً هجمات ضدّ دول أوروبية.
وهذه الأنواع من الحالات، تجعل نشوء وضع، تحتاج فيه النجاة إلى أعجوبة، محتملاً جدّاً.
إن بإمكان هجوم سيبراني كبير، غير قابل لنسبته إلى مصدر محدد، أو تصرفٍ خطر يُقدم عليه حليف ملهوف، أو حادث عسكري خطر، أن يفتح الطريق واسعاً أمام أزمة وصراع بين حلف الناتو وروسيا، لا يكون أي من الجانبين فيهما معتدياً واضحاً، ولكنْ يكون لدى كل منهما أسباب مقنعة لاستخدام القوة. واللاعبون في أماكنهم المحددة، وكل ما يلزم هو إطلاق رصاصة البدء، بشكل غير ملائم.




المصدر
الخليج