on
لوفيغارو: ماذا يقول الأرشيف السري لوزارة الخارجية الفرنسية عن تركيا وأفغانستان واتفاقية أوسلو؟
كيف عاش سفراء فرنسا وحللوا الأحداث الرئيسية التي هزت النصف الثاني من القرن العشرين؟
تم نشر برقيات دبلوماسية، تحت إدارة المؤرخ موريس فايس، تتحدث عن التاريخ القريب وعن الصراعات التي تعصف بالعالم بحسب وزارة الخارجية الفرنسية. والجدير بالذكر أن هذه الوثيقة تعتبر مثيرة للغاية، وقد نجحت لوفيغارو في نشر مقاطع منها.
لا يعتبر كل الدبلوماسيين “كتّاباً عظماء” على غرار بول موران أو بول كلوديل، ولكن جلهم جعلوا من ممارسة الكتابة عملاً يومياً، فهم يحتفظون لبلدهم فرنسا بدفتر سجلوا فيه الأحداث التي جدت داخل الدولة التي أقاموا فيها. وندعوكم للقراءة في أرشيف وزارة الخارجية، للفترة بين 8 أيار/مايو 1945 – 11 أيلول/سبتمبر 2001، الذي نسوق منه أجمل الصفحات، إذ دُهشنا من وضوح التحليلات، وتطابق المعلومات، بالإضافة إلى مرونة الأسلوب. فخلال تلك السنوات، اهتزت صورة فرنسا في العالم. وعلى الرغم من أن الجنرال ديغول دعا سابقاً إلى ضرورة اتخاذ فرنسا جملةً من التدابير لتسترجع نفوذها المتراجع والمتدهور “كقوة كبرى”.
في الواقع، إن ما تعرض له الكوكب خلال القرون السابقة أشبه بالحمى، ولم يبق لفرنسا من نفوذ سوى لقب أكبر مجال بحري في العالم، وثالث أكبر شبكة دبلوماسية لتعزز من نفوذها، طبعاً بعد الصين والولايات المتحدة، مع العلم أنه لم يتم تجاوز باريس من قبل بكين سوى سنة 2016. وقد جعل ذلك منها وسيطاً من الطراز الأول في المفاوضات الدولية التي لا حصر لها.
وعلى الرغم من تراجعها الاقتصادي والعسكري، فإن قلة فقط من الدول نجحت في البروز على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى أن هناك نقاشاً مستمراً بشأن تكلفة وفائدة الممثلين الدبلوماسيين الرسميين في 163 سفارة، حيث لا يمثل المملكة المتحدة سوى 148 سفارة موزعة في جميع أنحاء العالم.
أما بالنسبة للبرقيات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية المسجلة بين سنتي 1945 و2001، فهي تعد غنية بالتدوينات والرموز التي تضفي سرعة في نبض الأحداث، وفقاً لوجهة نظر مبعوثي باريس.
غالباً ما يتعرض الدبلوماسيون إلى السخرية، أو يتم وصفهم بأنهم مفتونون بسلطات الدولة المبعوثين إليها، كما يراهم البعض مجرد هواة. وفعلاً لا يمكن أن تكون هذه الادعاءات دائماً مبالغاً فيها، فرغم كل شيء قام الدبلوماسيون الفرنسيون، في أغلب الحالات، بأعمالهم على أكمل وجه، كما أتقنوا أداء أدوارهم المتمثلة أساساً في المراقبة، والاضطلاع بدور الكشافة، وأحياناً الصحفيين، والخبراء الاستراتيجيين أو حتى حاجب الملك.
في الحقيقة لا تكشف جل البرقيات الدبلوماسية والرسائل المشفرة التي يرسلها السفير بصفة منتظمة إلى مقر وزارة الخارجية الفرنسية، عن السياسة التي يتم إقرارها في قصر الإليزيه. علاوة على ذلك تمتلك الأجهزة السرية، التي تتركز غالباً في السفارات، مجسات وقنوات إرسال خاصة. والجدير بالذكر أن هذه البرقيات الدبلوماسية قدمت مناخاً سياسياً جديداً من خلال تحديد المشهد الذي سيعلن من خلاله الوزراء والرؤساء عن خياراتهم.
في الوقت الحاضر، فلنعد إلى شهر أيار/مايو من سنة 1945، لنقرأ معاً التقرير الذي أعده سفير فرنسا في “برن”، وقد جاء في التقرير أن السفير الفرنسي قد حذر من “فرار المسؤولين النازيين” نحو بحيرة كونستانس. كما ذكر أيضاً أنهم يعملون على الطيران من البحيرة باستخدام طائرات مائية تحمل علامات “إسبانية خاصة”.
ولكن يتمثل الأمر المثير للاهتمام في البرقية الوافدة من السفير الفرنسي في موسكو إبان أيام الحداد على وفاة ستالين. وقد تحدثت هذه البرقية عن أنه “منذ أيام، تم تداول إشاعات حول خطاب ألقاه نيكيتا خروتشوف”. كما يمكن قراءة الادعاءات التي وجهها الرئيس الجديد للاتحاد السوفيتي ضد ستالين.
بعد مضي تسع سنوات، جاء الدور هذه المرة على السفير الفرنسي في كوبا، الذي نبه وزارة الخارجية إلى أن هناك “قرابة 4000 شاب، يبدو أنهم ينحدرون من أصول سلافية، قد وصلوا في قوارب روسية… فضلاً عن 2000 صيني و2000 جزائري”. وقد تم تحويل هذه المعلومات إلى واشنطن، قبل أن تساهم في التنبيه من محاولة روسيا تركيز صواريخ في كوبا.
وخلال سنة 1975، تلقت وزارة الخارجية برقية من سفير فرنسا في بانكوك بعد اقتحام ” بنوم بنه”، حيث تحدث في البرقية عن عملية إبادة في طور الإنجاز.
من جهة أخرى، تعتبر سنوات 1954-1956 سنوات مؤلمة بالنسبة للفرنسيين. فخلال سنة 1954، وصل تقرير سري يتحدث عن أسباب نكسة ” ديان بيان فو” في فيتنام، إذ إن مسؤولين من وزارة الدفاع الفرنسية، بالإضافة إلى وزير الدولة المكلف بالحرب ورؤساء أركان الجيش، قد تجولوا مع بعضهم البعض لفحص تموقع الجيش الفرنسي على مشارف مدينة ” ديان بيان فو” في وقت سابق. وقد جاء في التقرير أنهم “لم يعبروا عن أية حالة استنكار…” بخصوص المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذا التمركز العسكري.
بعد مضي سنتين، لم يتمكن السفير الفرنسي في القاهرة من إخفاء تفاجئه وغضبه بعد “الصفعة القوية التي وجهها عبد الناصر”، عندما أقدم على تأميم القناة التي تديرها فرنسا وإنجلترا، حيث طالب “برد فعل قوي” “وحصار فوري” كي لا يبقى “الدكتاتور المصري” دون عقاب، ونحن نعلم بعد ذلك أن باريس حاولت أن تفعل أكثر من ذلك.
هناك أيضاً خيبات أمل؛ حيث لا ينفك دور فرنسا في تسوية الأزمات الكبرى عن التضاؤل، سواء كان ذلك في يوغوسلافيا السابقة أو في الشرق الأوسط، فدورها كوسيط تم تهميشه بشكل منهجي من قبل القوة الأمريكية الجديدة. وقد أثبت ذلك تقرير منبثق عن السفير الفرنسي سنة 1993، الذي تزامن مع توقيع اتفاقات أوسلو. ولكن عمليات 2001 التي هزت نيويورك فتحت حقبة جديدة. وقد تساءل سفير فرنسا في واشنطن عمَّا “إذا كانت هذه حرباً بالفعل، وإذا كانت حرباً فكيف يمكن أن نديرها، وكيف نحصد نتائجها؟”، وبعد مرور 16 سنة لا تزال هذه الأسئلة مطروحة ودون إجابة.
الاستفاقة الإسلامية في تركيا
يوجد ما يسمى بالهدنة وما يسمى بالثورات، وكلما تزايدت أعداد الموتى زاد عدد الاتفاقيات الجديدة. بعد ذلك يوجد ما يسمى بعملية تحويل الشعب، من خلال التوجهات العميقة للرأي العام. وهذا ما أشار إليه سفير باريس في أنقرة، أرنو ويبلير، خلال برقية دبلوماسية أرسلها يوم 26 كانون الثاني/ يناير سنة 1971، مع العلم أنه شغل هذا المنصب وقتها لسنة واحدة.
وأوضح السفير طويلاً في برقيته مختلف جوانب إعادة إضفاء اللمسة الإسلامية على المجتمع التركي، قبل فترة طويلة من انطلاق الثورة الإيرانية سنة 1979، وحتى قبل التحليلات الأكاديمية الأولى التي تحدثت في ثمانينيات القرن الماضي عن ظهور قوة سياسية إسلامية جديدة، على غرار كتاب “النبي والفرعون”، الذي أصدره جيل كيبيل سنة 1984 في خصوص مصر والإخوان المسلمين.
كما شدد السفير في برقيته الدبلوماسية على هشاشة حركة التحديث القسري، التي عمل مصطفى كمال أتاتورك على ترسيخها في البلاد بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. وأكد أيضاً أن النخبة التركية العلمانية عاتبت الأوروبيين لعدم تسريع انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي. ولكن وثيقة وزارة الخارجية تظهر أن عملية “إعادة إحياء الإسلام” في تركيا قد أتت من بعيد جداً.
في الحقيقة، لا تعترف البرجوازية الصغيرة الأناضولية والطبقة الريفية بفكر كمال أتاتورك، أو بالأحرى بالنموذج الأوروبي العلماني. فبعد أسابيع قليلة من تلقي برقية أرنو ويبلير، أعاد الجيش التركي، وهو معقل الفكر الكمالي، بسط سيطرته من جديد، وأرغم رئيس الوزراء سليمان ديميريل على الاستقالة، معتبراً أن سياسة “العودة إلى الإسلام” استفزازية للغاية. وبعد مضي 32 سنة، أصبح رجب طيب أردوغان رئيساً للوزراء سنة 2003.
رصد كلاوس باربي في بوليفيا سنة 1970
جدّت كثير من الأحداث في بوليفيا خلال سنوات الستينيات والسبعينيات. ففي سنة 1967 أعلن السفير الفرنسي لدى هذا البلد عن القبض على شخص مثير للفتن يُدعى ريجيس دبراي، ثم تلا ذلك خبر وفاة تشي غيفارا. أما سنة 1970 فظهر ملف آخر ينقل معلوماتٍ حول وجود كلاوس باربي (مجرم الحرب الذي أثار العديد من الاضطرابات في فرنسا)، واستعماله لهوية مزيفة في بوليفيا. لم تدفع هذه البرقية آنذاك السلطات إلى تقديم أي طلب فوري لتسليم هذا المجرم، وإنما ظلت المعلومات سرية للغاية. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن الدوائر الدبلوماسية تتابع الملف عن كثب، ذلك أنها كانت تشك في وجود باربي في لاباز منذ سنة 1963.
لن يتم الكشف عن أن هذا النازي الفار قد تحصل على الجنسية البوليفية سنة 1957 إلا في وقت لاحق، بعد أن تم توظيفه من قبل أجهزة مكافحة التجسس الألمانية والأمريكية بين سنتي 1947 و1951، ثم إعادة تسفيره إلى الأرجنتين وبوليفيا تحت اسم كلاوس ألتمان. على إثر ذلك، تم تعيينه ملازماً أول في الخدمة السرية البوليفية، ومديراً لشركة الشحن التي تُسهل تهريب العملة المزيفة والأسلحة والمخدرات. وفي سنة 1971 هاجر إلى بيرو، حيث “وجد دعم فريدريش سكويند، أحد الأعضاء السابقين في وحدات “إس إس” ورجل وكالة المخابرات المركزية في هذا البلد”، وفقاً لما ذكرته المؤرخة دومينيك ميسيكا.
علاوة على ذلك، كان هذا الرجل جلاداً فخوراً بجرائمه، التي استفاد في تنفيذها من الحصانة التي حظي بها من ديكتاتوريات أمريكا الجنوبية سنة 1970. وبعد أن كشفه الكلارسفيلد، غادر باربي منطقة بيرو وعاد إلى بوليفيا للهروب من مطالب التسليم التي قدمتها فرنسا إلى الحكومة البيروفية. كما قام كل من بيت وسيرج كلارسفيلد بإذاعة قضية باربي في الوسط الإعلامي ومضاعفة الضغوط، إلى درجة تشجيعهما على محاولة اختطافه في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 1972. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا لم تتسلم هذا النازي إلا سنة 1983، بعد سقوط الدكتاتورية البوليفية. وأخيراً، تقرر إجراء محاكمة كلاوس باربي في ليون سنة 1987.
شهادة نادرة عن جنون الخمير الحمر
تُعد هذه الوثيقة الأكثر إثارة للانتباه ضمن هذا الأرشيف السري. في 23 يونيو/حزيران من سنة 1975، أرسل السفير الفرنسي لدى بانكوك، جان لويس توفين، برقية إلى باريس، لخّص فيها اللقاءات التي أجراها مع العميد سور- بون، وهو جنرال سابق في القوات المسلحة الوطنية الخميرية. وعلى إثر سيطرة الخمير الحمر على منطقة بنوم بنه يوم 17 نيسان/أبريل من سنة 1975، هرب هذا الجنرال السابق باستعمال هوية مزورة. ويشيد توفين بهذا الرجل الذي يثق في شهادته كثيراً، فقد كتب أن” سور- بون رجل متوازن ويولي اهتماماً كبيراً لذكر ما شاهده فقط، وتجنب الاستنتاجات الخاصة والتعميم”.
وفي سياق متصل، يشير السفير الفرنسي في بانكوك إلى بطولة هذا الجنرال بعد أن مشى 39 يوماً في بلد دمره التعصب الشيطاني لرجال البول بوت. ويُفيد المصدر ذاته بأن سبب ذلك يعود إلى تنقل هذا الهارب داخل البلاد، وشهادته على مشاهد لا تُحصى ولا تُعد من المجازر وأعمال العنف. لهذا السبب حصلت وزارة الخارجية الفرنسية على معلومات مفصلة وفورية عن ترحيل سكان العاصمة، ومذبحة الضباط، والأشغال العقابية، فضلاً عن السلطة الشكلية لنورودوم سيهانوك. وقد ارتكب هذا الشخص خطأ فادحاً بتحالفه مع هؤلاء الثوار الذين يحشدون جنودهم من بين أكثر السكان فقراً وجهلاً وأصغرهم سناً.
ومن المثير للدهشة أن وزارة الخارجية الفرنسية لم تكن ترغب في الإسراع بنشر هذه المعلومات الثمينة؛ نظراً لشدة صعوبة الحصول، في وقت لاحق، على شهادات تصف ما حدث حقاً في البلاد. علاوة على ذلك تُعد هذه المعلومات قيّمة جداً، خاصة أن الكثير من المثقفين والصحفيين سوف يستغرقون وقتاً طويلاً جداً للاقتناع بأن ما وقع في البلاد لم يكن حرباً مناهضة للإمبريالية، بل أكثر من ذلك بكثير. فحقيقة ما حصل كانت إبادة جماعية، حرّكتها العقيدة الماوية المرتبطة بالثورة الثقافية والكراهية الطبقية. وتمثلت حصيلة هذه الإبادة في سقوط 1.7 مليون شخص.
أفغانستان.. آخر غزو سوفيتي
كانت “البقعة الحمراء” داخل الكرة الأرضية الموضوع الرئيسي لوزارة الخارجية الفرنسية في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد اهتمت “بالموت المزدوج لستالين” سنة 1953، ودخول الدبابات السوفيتية إلى بودابست سنة 1956، وبناء جدار برلين سنة 1961 الذي تلته الأزمة الكوبية بعد سنة، وفشل الاشتراكية الإنسانية في براغ (عاصمة جمهورية التشيك)، والثورة الثقافية الصينية سنة 1966، فضلاً عن سقوط سايغون (كبرى مدن فيتنام) سنة 1975 … ثم الانقسامات الروسية التي أخرجت أفغانستان من غفلة جمهوريات آسيا الوسطى، في الليلة الفاصلة بين يومي 24 و25 كانون الأول/ديسمبر من سنة 1979.
شرح السفيران الفرنسيان لدى كل من موسكو وكابول الإشارات الصادرة عن العاصمة الشيوعية بشكل دقيق. وحذر هذان المسؤولان من إمكانية التدخل المباشر لدعم النظام الأفغاني الموالي للاتحاد السوفيتي، الذي تولى السلطة مع مطلع السنة، والذي يُواجه صعوبات في مواجهة المعارضة الإسلامية المتزايدة في البلاد. في البداية لاحظ السفير الفرنسي في كابول أن هذا التدخل “سيُكدر مناخ الاسترخاء” الذي يبدو أنه يهيمن على العلاقات بين الشرق والغرب.
وفي هذا الإطار كتب جورج بيروش، الذي اقترح اعتماد لهجة حادة دون التخلي عن مبدأ الانفتاح على الآخر، أنه “من الواضح أن الاتحاد السوفيتي يواصل دفع بيادقه في كل مكان خارج أوروبا”. كما يرفض بيروش إقرار “عقوبات” لن “يتم تطبيقها”.
علاوة على ذلك، تناول هذا السفير الفرنسي لدى كابول احتمال “الانسحاب من دورة الألعاب الأولمبية الصيفية” التي ستحتضنها موسكو سنة 1980. في الواقع هذا ما ستفعله الولايات المتحدة، خلافاً لفرنسا. وفي الختام، تساءل بيروش إن كانت أفغانستان ستُصبح، كما يعتقد البعض، فيتنام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. سيحدث ذلك حقاً، وسيُحقق الهلال الإسلامي أول انتصار ضد المنجل الشيوعي.
فرنسا حاضرة في اتفاقات أوسلو
خلال فترة التسعينيات حاول الدبلوماسيون الفرنسيون البروز لمواجهة القوة الأمريكية المفرطة الصاعدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتعكس البرقية التي بعث بها السفير الفرنسي لدى واشنطن، جاك أندرياني، في اليوم التالي لتوقيع اتفاقات أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر 1993 في البيت الأبيض، هذا الأمر بوضوح. فقد رحّب الرئيس بيل كلينتون بإسحاق رابين وياسر عرفات للاحتفال “بباكس أمريكانا” (السلام الأمريكي)، وسط تغطية إعلامية واسعة وتحت السماء الزرقاء لعاصمة العالم.
وعلى غرار بعض الدول الأخرى، عملت فرنسا بجد على إنجاح هذه المفاوضات التاريخية. ولكن لم يكن أندرياني يومها سوى ضيف واحد من جملة ثلاثة آلاف مدعو آخرين. ووفقاً لتصريح الدبلوماسي السابق جان بيير فيليو بخصوص برقية السفير، فإن “استياء عرفات، بعد كل المخاطر التي اتخذتها باريس للحفاظ على سلامته، بدا جلياً”.
وبعيداً عن هذا المشهد، اغتنم جاك أندرياني الفرصة لمراقبة بعض الأمور الأخرى. فقد ذكر بعض التفاصيل الرمزية التي تكشف الكثير عن أجواء توقيع هذه الاتفاقيات. كما تحدث أيضاً، على سبيل المثال، عن الفرح المشع الذي يظهر على “عرفات وهو يُلقي خطاباً تميز برصانة واضحة”.
على النقيض من ذلك، بدا رابين منفعلاً، ويحرك “قدميه الواحدة تلو الأخرى…وألقى هذا الرجل الخشن كلمات فاضت عاطفتها، إلا أن تعابير وجهه وارتجاف صوته قد خاناه وعكسا فشله”. وفي الوقت الذي اعتبر فيه هذا الاعتراف انتصاراً سياسياً في حد ذاته لعرفات، شكّل بالنسبة لرابين خسارة واضحة أدت إلى فقدانه حياته بعد سنتين من ذلك على يد إسرائيلي؛ لمعاقبته على تجرؤه على هذا الاتفاق.
الصحيفة: لوفيغارو 29/09/2017
الكاتب: شارل جيغو
Share this:Click to share on Twitter (Opens in new window)Click to share on Facebook (Opens in new window)Click to share on Google+ (Opens in new window)المصدر