on
منظمات إنسانيّة تغادر إدلب.. وأصابع الاتهام تتّجه نحو “تحرير الشام”
“معبر مغلق بلا بضائع ولا تجارة، ومنظمات انسانية بدأت تغلق مشاريعها وتغادر إدلب تاركة النازحين بلا دعم. أسعار ارتفعت، وموظفون خسروا وظائفهم مع قلة المشاريع التنموية ” بهذه الكلمات يصف الناشط في المجال الإغاثي عمار جازة، الواقع الاقتصادي في محافظة ادلب حالياً، مفسّراً أسباب تراجع الوضع المعيشي بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين.
هذا الواقع الاقتصادي المترّدي للأهالي كما يؤكد جازة، يترافق أيضاً مع تراجع ملحوظ في المساعدات الإنسانية والإغاثية التي كان يعتمد عليها عشرات آلاف السوريين لتأمين معيشتهم، سواء في مخيمات النزوح، أو في قراهم.
ووفق تأكيد الناشط فقد علّقت العديد من المنظمات الانسانية برامجها في مناطق الشمال السوري مؤخراً بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على محافظة إدلب، فيما ينتظر بعضها الآخر انتهاء مشاريعه القائمة لوقف العمل.
ضغوط وشروط
تعتبر مشاريع هذه المنظمات مصدراً أساسيّاً لقطاعات خدمية هامة في إدلب، مثل الصحة، والتربية والتعليم، والتأهيل المهني، والمياه، وتقديم الإغاثة الضرورية للمخيمات. كما توفر فرص عمل كبيرة للسكان المحليين، وتؤمن لعائلات كثيرة منهم رواتب جيدة.
ويعزو جازة، الذي عمل في العديد من المنظمات الانسانية السابقة مثل “غول” و”ميديكال”، توقف هذه المشاريع إلى أسباب عديدة بعضها متعلق بسياسة هذه المنظمات في رفض التعامل مع ما تسميها جهات “إرهابية” تسيطر على الأرض، أو إلى مضايقات تتعرض لها بين الحين والآخر من قبل بعض الفصائل للاستفادة المادية من مشاريعها، أو إخضاعها لسياستها.
وقبل أيام قليلة أعلن المجلس المحلي في مدينة سرمين بريف إدلب الشرقي رفع سعر ربطة الخبز من 125 إلى 150 ليرة بعد انتهاء عقد الدعم المقدّم للأفران من قبل منظمة “إحسان” وعدم تجديده.
كما بقي العديد من مخيمات ريف اللاذقية وريف إدلب الغربي الحدودية بلا سلل إغاثية، بعد تعليق المنظمات الداعمة لها برامجها.
وفي السياق ذاته تحدث مسؤول إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في ريف إدلب مفضلاً عدم ذكر اسمه عن تأثير الصراع الأخير بين “المجالس المحلية” المنتخبة من قبل السكان من جهة، وبين “إدارة الخدمات” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” من جهة ثانية على سير بعض المشاريع.
وأوضح المسؤول أنّ “سيطرة الهيئة مؤخراً على مديرية المياه، وتجميدها لنشاطات موظفي مجلس مدينة إدلب أدى إلى تعليق المشاريع المتعلقة بهذا المجلس، بما فيها مدّ شبكات جديدة وحفر آبار وغيره”.
وأشار المتحدث إلى أنّ “المنظمات أصبحت تشترط أن يكون أي مشروع بعيد عن أي تدخل أو وجود للهيئة فيه ليتم تنفيذه، فيما واقع الحال يؤشر إلى ضغوط إضافية تمارسها المؤسسات التابعة للهيئة للسيطرة على الواقع المدني في المحافظة، خاصة فيما يتعلق بعمل المجالس المحلية”.
الموافقة المطلوبة
رغم إصدار “هيئة تحرير الشام” بياناً في 31 تموز الفائت عقب سيطرتها على معظم المحافظة وتأكيدها التعامل “بحيادية” مع المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب بغية توفير احتياجات الأهالي، إلا أنّ واقع الحال لم يكن كذلك حسبما يرى الناشط وائل عليّان.
ويقول الناشط الذي أشرف سابقاً على تنفيذ العديد من المشاريع التدريبية في إدلب، إنّ أي منظمة “لا تستطيع العمل على الأرض حالياً دون موافقة من الهيئة التي تشترط أي يكون لها حصة من هذه المشاريع”.
ويؤكد عليّان لـ “صدى الشام” أنّ بعض المشاريع أُغلقت في ريف إدلب من قبل عناصر الهيئة لأسباب “مزاجية وشخصية دون تقديم أي مبررات مقنعة، كما أغلقت الهيئة عدداً آخر من هذه المنظمات بشكل مباشر عبر مهاجمة مستودعاتها واعتقال موظفيها وهو ما حدث مثلاً مع منظمة IRC”.
ويرى عليّان أن آثار هذه السياسة ستنعكس بشكل أساسي على واقع المدنيين الذين حرموا من الخدمات والإغاثة والعمل، وتساءل في الوقت ذاته عن الخطط البديلة التي أعدّتها “إدارة الخدمات” التابعة للهيئة لمعالجة نقص الموارد مثل المشافي، والأفران، والمدارس.
فرص تتلاشى
خلال السنوات السابقة وفّر عمل المنظمات الدولية في مناطق الشمال السوري فرص عمل جيدة لآلاف الشبان لاسيما الأكاديميين منهم، والذين وجدوا في هذه المنظمات بديلاً لغياب وظائف تناسب اختصاصاتهم.
ويرى المهندس أيهم ديبان، العامل سابقا في منظمة “Save the Children” أنّ من ميّزات هذه المنظمات توفيرها لفرص عمل مختلفة في كافة المجالات، وبأجور تعتبر عالية، بالمقارنة مع متوسط الدخل في المنطقة.
ويطرح ديبان مثالاً عن الدور الاقتصادي الهام الذي تلعبه هذه المنظمات في توفير فرص عمل لشرائح مختلفة حيث يحتاج أي مشروع وفق تأكيده إلى عمال وسيارات وبضائع من السوق، وموظفين إداريين وأكاديمين، ما يعني تشغيل عدد كبير من القوى العاملة بأجور جيدة.
ويتراوح دخل العاملين في قطاع المنظمات بين 200 إلى 1000 دولار ويختلف بحسب طبيعة المشروع ومكان التنفيذ.
وفي سؤال حول تأثير ايقاف بعض المنظمات لمشاريعها على قطاع العمل أكدّ ديبان لـ “صدى الشام “أنّ الفترة الأخيرة شهدت بالفعل تسريح العديد من الموظفين وإنهاء عقودهم، بعد توقف المشاريع التي يعملون بها، وهو ما أدى لمزيد من الضغوط على سوق العمل الضعيف أصلاً وعلى معدّل الدخل الذي يتلقونه، مضيفاً أن :” أحدهم عاد للعمل في مخبز تديره الهيئة، وراتبه الآن 35000 فيما كان سابقاً 150000 ليرة”.
ويبلغ عدد المنظمات الكبيرة التي تنفق في الشمال السوري (إدلب وريف حلب) أموالاً بين 200 و 400 ألف دولار شهرياً، نحو 10 منظمات، تبعاً لتقديرات فؤاد سيد عيسى، نائب مدير منظمة بنفسج. أما المنظمات التي تنفق نحو 100 ألف دولار شهرياً فيقدّر بين 100 و 200 منظمة، فيما يتجاوز عدد المنظمات التي تنفق مبالغ مالية بحدود 10 آلاف دولار شهرياً نحو 300 منظمة.
المصدر