‘واشنطن بوست: على الإنتربول وقف مساعدة الدكتاتوريين’
4 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
يوضح أحد موظفي شركة (هواوي) حل السلامة العامة للشركة، في معرض خلال انعقاد الجمعية العامة للإنتربول، في مركز بكين الوطني للمؤتمرات، يوم 27 أيلول/ سبتمبر (جاسون لي/ رويترز)
اختتم الإنتربول -وهو منظمة الشرطة الدولية- للتو اجتماعه السنوي في بكين. وعلى مدى عقود، أكدَّ دستور الإنتربول على احترام حقوق الإنسان، ومبدأ الحياد السياسي في أعماله ضد الإرهابيين المشتبه فيهم، والمجرمين والهاربين. غير أنَّ القرارات المسيّسة في السنوات الأخيرة أضرّتْ بصدقيته كثيرًا.
يتمثل القلق الرئيس في إساءة استخدام نظام “الإشعار الأحمر” الذي صُمّم، لتسهيل القبض على الأهداف المشروعة من خلال تطبيق القانون. وبناءً على طلب من أيّ دولة، يُصدِر الإنتربول إشعاراتٍ حمراء، وهي أساسًا أوامر اعتقال دولية. وفي حين يمكن لكلّ بلدٍ أنْ يمارس سلطته التقديرية عند البت بشأن صدقية تلك الإشعارات؛ يقوم الكثيرون -تلقائيًا- باعتقال الأشخاص المذكورين في الإشعارات الحمراء، ويشرعون فورًا في تسليمهم إلى الدولة الطالبة.
في السنوات الأخيرة، احتضن الدكتاتوريون الدهاة الإنتربول، باعتباره أداةً قمعية، وذلك باستخدامه لاعتقال المعارضين خارج حدود الوطن. وعلى نحو ما وثقته منظمة (محاكمات عادلة)، أدى إصدار هذه النشرات الحمراء المشوهة سياسيًا إلى الاحتجاز غير المشروع للعديد من الضحايا الأبرياء. وفقد آخرون وظائفهم، أو تجمّدت حساباتهم المصرفية، أو أُغلقت. ومع أنَّ المادة 3 من دستور الإنتربول تنص على أنّه: “ممنوع تمامًا أنْ تقوم المنظمة بأيّ تدخلٍ أو أنشطةٍ ذات طابع سياسيّ أو عسكريّ أو دينيّ أو عنصريّ”.
في قضيةٍ بارزة، أصدرت روسيا إشعارًا أحمر ضد زعيم المعارضة الكازاخستانية (مختار أبليازوف)؛ ما أدى إلى اعتقاله في فرنسا. (الإفصاح: أبليازوف هو عميل سابق لي)، في حين أنّ معاهدات تسليم المجرمين عادةً ما تستثني الطلبات ذات الدوافع السياسية، لكن عمليًا، تميل المحاكم بقوة لصالح التسليم. وفي هذه القضية، رفضت المحاكم الفرنسية في البداية النظر في طلب تسليم روسيا على أنَّه طلبٌ بدوافع سياسية، على الرغم من أنَّ القاضي الروسي الذي أمرَ بالقبض، كان مدرَجًا على قائمة العقوبات الأميركية كونه متواطئًا في وفاة المحامي الروسي (سيرغي ماغنيتسكي). ونتيجة ذلك، اعتُقل (أبليازوف) أكثر من ثلاث سنواتٍ، قبل أنْ تلغي المحكمة الإدارية العليا في فرنسا طلبَ التسليم الروسي.
غضَّ (الإنتربول) الطرفَ عن إساءة استخدام نظامه، من قبل دولٍ قمعية بشكلٍ مفضوح. وفي عام 2011، نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين نتائج تحقيقٍ، يبيّن أنَّه من بين 6222 إشعارٍ أحمر في عام 2010، “كان ربعها من بلدانٍ تفرض قيودًا شديدة على الحقوق السياسية، والحريات المدنية، ونصفهم تقريبًا من دولٍ مصنفة، كدول فاسدة من قبل مراقبي منظمة الشفافية الدوليين”.
الأسوأ من ذلك أنَّ تحديّ الإشعار الأحمر للإنتربول ينطوي على مواجهة لائحة مراجعةٍ غامضة داخل المنظمة لا تُفسر قراراتها، ولا تملك حتى القدرة على إلغاء هذا الإشعار. وبالنسبة إلى هؤلاء الذين ينجحون في شطب أسمائهم، لا يوجد تعويضٌ عن الأضرار.
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اعتمد الإنتربول مجموعةً من الإصلاحات، لمعالجة هذه المشاغل. وتمكِّنُ القواعد الجديدة الأفرادَ المستهدفين من الوصول إلى بياناتهم، واتخاذ قرارات شطبٍ ملزمة للمنظمة. ومع ذلك لم يتم حتى الآن القيامُ بأيّ شيءٍ، لوقف المشكلة الجذرية للطلبات التعسفية.
وقد برزت إحدى الخطوات المثيرة للجدل، خلال اجتماع بكين قضايا إلى المقدمة؛ حيث أصدرت المنظمة تدبيرًا، تخلت فيه فعليًا عن مبدأ الحياد الخاص بها، من خلال الموافقة على عضوية “دولة فلسطين” بأغلبية 75-24 صوتًا (وامتناع 34 عضوًا عن التصويت). ومن المستحيل أنْ ننظر إلى هذا الإجراء إلا بوصفه قرارًا سياسيًا منحازًا إلى طرفٍ في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. من الآن فصاعدًا، سيكون قرار المحكمة الفلسطينية كافيًا للسماح للرئيس محمود عباس، بطلب إشعاراتٍ حمراء ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، ومجموعةٍ واسعة من القادة الإسرائيليين الآخرين. وليس هناك ما يدعو إلى توقع أنْ يرفض الإنتربول طلبات السلطة الفلسطينية. وإذا حدث ذلك؛ فإنّ (إسرائيل) سترد بلا شكٍ بالطريقة نفسها.
ينبغي على الرئيس ترامب أنْ يعمل على إنقاذ الإنتربول من نفسه، باتخاذ خطوات عدة: أولًا، يجب أنْ يطالب بإصلاحٍ لمنع إصدار إشعاراتٍ حمراء ذات دوافع سياسية. وينبغي أنْ يطلب من الدول الطالبة أنْ تقدم معلوماتٍ مفصلة إلى الإنتربول، وليس مجرّدَ أمر وطني بإلقاء القبض، قبل إصدار إشعارٍ أحمر. كما ينبغي أن يبدأ الإنتربول أيضًا في الحصول على قائمةٍ بالمعارضين، حسب البلد الذي يستحق مزيدًا من التدقيق إذا طلب التسليم.
ثانيًا، يجب على ترامب أنْ يدفع على إدخال مزيدٍ من التحسينات العملية داخل الإنتربول، للاستماع إلى التحديّات التي تواجه النشرات الحمراء. وينبغي ألا تستغرق هذه العملية أكثر من 60 يومًا، وتتطلب إصدار رأيّ قانوني مكتوب. وينبغي أيضًا إنشاء عمليةٍ جديدة للاستئناف الخارجي المستقل، وينبغي تقديم تعويضٍ مالي لمنْ أدرِجوا في قائمةٍ غير صحيحة.
وأخيرًا، يجب على الرئيس الأميركي أنْ يوضح للإنتربول أنَّه لن يتمَّ التسامح مع انتهاكات دستور الإنتربول. الولايات المتحدة هي المموّلُ الأساسي للمنظمة، حيث تساهم بنحو 15 مليون دولار هذا العام (حوالي 19.5 في المئة من الميزانية العادية للإنتربول). لذلك يجب أنْ يوجهَ ترامب إشعارًا إلى الإنتربول، بأنَّ عليه أنْ يصلح عمله. وينبغي أنْ يشمل ذلك حثَّ الإنتربول على توضيح أنّه لنْ يصدرَ إشعاراتٍ حمراء ذات دوافعَ سياسية، ضد القادة الفلسطينيين أو الإسرائيليين.
الإنتربول ليس معزولًا عن سياسات الحكومات، كما عن المؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى. وطوال 100 عام، وفرَّ الإنتربول الأمنَ لعالمنا، ولكن إذا لم يتمكن من الحفاظ على حياده من أجل التعاون في مجال إنفاذ القانون؛ فإن على الولايات المتحدة، والديمقراطيات الأخرى أن تسحب دعمها له، وأنْ تبني منظمةً جديدة.
اسم المقالة الأصلي
Interpol needs to stop helping dictators
الكاتب
جاريد جينسر، Jared Genser
مكان النشر وتاريخه
واشنطن بوست، The Washington Post، 2/10
عدد الكلمات
810
ترجمة
أحمد عيشة
أحمد عيشة