الحرب في سورية تقلّص نسب الشفاء من السرطان



يدفع مرضى السرطان في سورية حاليًا ضريبةَ الانهيار الذي لحق بالقطاع الصحي، بسبب الحرب الدائرة في البلاد، وقد كان لهذا المرض، في أوقات السلم، خصوصيته لدى السوريين الذين درجوا على تسميته بـ (هداك المرض)، أما الآن، ومع هذا التردّي الذي تشهده المنظومة الصحية في سورية، فإنّ المرضى يعانون الأمرّين في سبيل الحصول على العلاج.

على الرغم من عدم توفر إحصاءات حديثة بعدد المرضى، سواء من دوائر النظام أو المنظمات الدولية، إلا أن عددًا من الأطباء الذين ما زالوا في سورية، رجّحوا زيادة انتشاره في ظل الحرب، لأسباب متعددة، شرحها الدكتور حازم إبراهيم، من مشفى حلب الجامعي في حديثه لـ (جيرون): “من الأسباب التي ترفع معدلات الإصابة بمرض السرطان، خلال الحروب، سوء التغذية الذي يُضعف مناعة الجسم، وبالتالي؛ تزداد احتمالات الإصابة بهذا المرض، إضافةً إلى تناول الأطعمة المليئة بالمنكهات والمواد المغشوشة التي انتشرت خلال سنوات الحرب، ولا سيما الألبان ومشتقاتها والزيوت والمعلبات، ففي كل يوم يتشكل في جسم كل إنسان خلايا سرطانية، لكن قوة الجهاز المناعي هي من يفسر إصابة شخص دون آخر”.

وأضاف: “أسهم التأخر في اكتشاف المرض في رفع نسب الوفيات به، وذلك بسبب انعدام وسائل التشخيص، في كثير من المناطق السورية، وبخاصة المحاصرة منها. في حلب مثلًا، لا يوجد حاليًا علاجات شعاعية، بسبب تعرّضِ (مشفى الكندي) الذي كان يملك جهاز المعالج الشعاعي، للتخريب منذ عام 2013، وحتى الآن لم يتم إحضار جهاز بديل، أما بالنسبة للجرعات الكيماوية فهي متوافرة، في مشفى الجامعة ومشفى زاهي أزرق، بكميات محدودة”.

الدكتور كريم المصري ذهب أبعد من ذلك، وتحدث عن ظهور حالات جديدة من السرطان بعد 10 سنوات، بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية أكثر من مرة في عدة مناطق سورية، وقال لـ (جيرون) مبيّنًا: “إن العوامل السرطانية، لدى الأشخاص الذين تأثروا بالأسلحة الكيماوية التي استخدمها النظام، تحتاج من 5 إلى 10 سنوات، كي تغيّر في الخلايا وتشكّل الورم”، وتابع: “غالبًا ما تنشأ بعد الحرب سرطانات متعلقة بالدرق والدم والجلد، تظهر في الجيل القادم، نتيجة استخدام المواد الكيماوية التي تسبب السرطان”.

انخفض مستوى الرعاية الطبية لمرضى السرطان، بسبب هجرة عدد كبير من الأطباء خارج سورية، وبحسب (أطباء بلا حدود)، “هناك نحو 27 ألف طبيب سوري هاجروا من البلد، من بينهم ما يقدر بـ 376 طبيب أورام ماهر، هاجروا إلى الخارج، هذا الرقم هو أكثر من نصف العدد الكلي لأطباء الأورام السوريين، قبل اندلاع الحرب، ويعدّ سببًا آخر لانخفاض مستوى الرعاية الطبية في مراكز علاج السرطان”.

مراكز العلاج والأدوية

منذ أن فُرضت العقوبات الأوروبية على النظام السوري؛ أصبح النظام يستورد الأدوية السرطانية من الهند، وهي -كما قال إبراهيم- “أقل فاعلية من تلك التي كانت تأتي من النمسا أو سويسرا أو ألمانيا، بالتالي؛ هناك الكثير من المرضى مهددون بالموت حتى لو توفرت الأدوية، خصوصًا عندما يُكتشف المرض في مراحل متأخرة”.

تتركز علاجات الأورام السرطانية حاليًا، في مراكز قليلة في سورية، وبخاصة في العاصمة، ويعدّ مستشفى (البيروني) في دمشق أكبر المراكز المتخصّصة، ولكن مع ارتفاع عدد الإصابات بالسرطان؛ انخفضت نسبة المرضى الذين يتلقون العلاج في مشفى (البيروني) إلى نحو 70 بالمئة، وفق إحصاءات صادرة عن النظام، بسبب محاذاة المشفى للعديد من نقاط الاشتباك بين فصائل المعارضة وقوات النظام.

تمنح المشافي التي تقدّم العلاج الكيماوي (على قلّتها) كميةً قليلةً من المسكنات للمرضى، لعدم توافر الأدوية بكميات تغطي حاجة المرضى، وذلك بسبب العقوبات المفروضة على النظام، وحصر تعامله مع دول معينة، إضافة إلى توقف عدد كبير من معامل الأدوية عن العمل؛ الأمر الذي يدفع ذوي المريض إلى محاولة تأمين المسكنات من خارح المشفى، وغالبًا تكون كلفتها باهظة؛ لأن معظم الصيدليات أصبحت تعتمد على الأدوية المهرّبة من تركيا أو لبنان”.

يرى الطبيب إبراهيم أن عدد الإصابات بمرض السرطان، ونسب الوفيات بسببه، سترتفع أكثر خلال السنوات القادمة؛ وذلك “بسبب التأثير طويل الأمد للحرب، فإذا كانت نسبة الشفاء من السرطان في سورية لا تتجاوز 15 بالمئة، قبل الثورة؛ فكيف سيكون الوضع في أثناء وبعد الحرب!”.

كانت (منظمة الصحة العالمية) قد حذرت من أن انعدام الأمن في سورية، ومحدودية فرص الحصول على العلاج، يترك فرصة بنسبة 20 بالمئة فقط للمصابين بالسرطان، للبقاء على قيد الحياة.




المصدر
نسرين أنابلي