‘الغارديان: أنا كتالونية، وإسبانية وأوروبية، لكن ماريانو راخوي غيَّر كلّ ذلك’
5 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
لقد حوّل رئيس الوزراء ما كان ينبغي أن يكون استطلاعًا غير رسمي آخر، وغير ملحوظ، إلى صراع أثار ذكريات الحرب الأهلية
“لا أريد أن تمثلني حكومة تستخدم الأساليب العسكرية للتعامل مع منطقة مستاءة” صورة: مانو فرنانديز/ أسوشيتد برس
في يوم الأحد، الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، شاهدتُ أناسًا أبرياء يتعرضون للضرب، ويُجرّون من شعرهم، ويُركَلون، لمجرد محاولتهم التعبير عن رأيهم في الاقتراع. هؤلاء الناس الذين سيعودون إلى ديارهم في كتالونيا، كان من السهل أن يكونوا جيرانًا أو أصدقاء في المدرسة. تسمّرتُ جالسةً في غرفتي في لندن أمام الشاشة مدة 12 ساعة، والدموع في عيني.
لكوني كتالونية تعيش في المملكة المتحدة، حيث جرى استفتاء حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بعد أنْ رأيتُ الوعود الكاذبة التي قُدّمت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم أتمكن من تأييد فكرة الاستقلال. احترمتُ فكرة إجراء الاستفتاء -نحن نعيش في دولةٍ ديمقراطية، ويجب أنْ يكون للشعب الحق في أنْ يُقرر، وفهمت إحباط العديد من الكتالونيين- ولكنني لم أكنْ أرى أنَّ الاستقلال هو الحل. كان ذلك قبل يوم الأحد، ولكن بعد أنْ رأيتُ تلك الطريقة المقيتة، حين قررّت الحكومة الإسبانية استخدام القوة لمواجهة إرادة المواطنين السلميين؛ تساءلت: إلى أين سيأخذني ذلك؟
بعد ست سنواتٍ في المملكة المتحدة، خبرتُ الشعور بأنْ تُرفض من المكان الذي أدعوه الآن المنزل، وعلمتُ أنَّ الانفصال، والحدود، والأعلام نادرًا ما تكون هي الحل. وفي الوقت الذي أحاول فيه التفاهم مع مواطني الاتحاد الأوروبي مثلي في البلد المقسم الذي أعيش فيه الآن، هناك شعورٌ بالانقسام ينمو أيضًا في الوطن.
مع أنَّ الانقسام يأتي من كلا الجانبين، لا تريد إسبانيا أنْ ترى كَتالونيا تنفصل، لكنَّها بالتأكيد تحاول منعها بطريقةٍ خاطئة. ظهرت أشرطة فيديو، في وقتٍ مبكر من الأسبوع الماضي، لمئاتٍ من الناس في جنوب إسبانيا يودعون سيارات الشرطة الذاهبة إلى كتالونيا لمساعدة الحكومة المركزية، يصرخون وهم يلوحون بالأعلام الإسبانية: “عليكم بهم.. عليكم بهم”! عبرّتْ هذه الكلمات عن كلِّ شيء؛ شعرتُ كما لو أننا عدنا إلى الحرب الأهلية الإسبانية. وفي إحدى مقاهي مدريد، يوم الاستفتاء، سمع أخي مجموعةً من النساء يقلن: “هذا الشعب الكتالوني يحتاج فقط إلى صفعتين، ليتعلم أنّ عليه البقاء”.
كما قال الصحفي الكتالوني (جوردي إيفولي): “لقد تخلى العديد من الكتالونيين عن إسبانيا عقليًا. لم يحصل راخوي (رئيس الوزراء الإسباني الحالي) على ما يريد.
يوم أمس، شعر الكثير من المواطنين المناهضين للاستقلال باشمئزازٍ كبير مما رأوه”. وأنا من ضمنهم. وما زلت أعتقد أنّ الاستقلال ليس الحلَّ، ولكني لا أريدُ أنْ تمثلني حكومةٌ، تستخدم الأساليب العسكرية للتعامل مع منطقةٍ مستاءة.
كما أنَّ العديد من البريطانيين لا يشعرون بأن (تيريزا ماي) تمثلهم؛ فإن (ماريانو راخوي) لا يمثل جميع الإسبان. يشعر كثيرون بالخجل من أعمال حكومتهم ضد جيرانهم، حيث نزل الكثيرون إلى الشوارع في مدريد لإظهار التضامن.
ما الذي يدور بعقل (راخوي)؟ ترى أهي عدم كفاءة كليّة، حيث أُخذ بزخمٍ لم يتوقعه حتى رئيس كتالونيا (كارليس بويديمونت)؟ أم أن (راخوي) قام بالحسابات السياسية، وقرّر -فعليًّا- أنَّ تلك النساء اللواتي يعتقدن أنّ الكتالونيين يستحقون صفعةً لإعادة تربيتهم، يمثلّون ما يكفي من الناخبين؟
بغض النظر عن ذلك، فقد حوّل راخوي ما كان ينبغي أنْ يكون مجرّد استطلاعٍ غير رسمي آخر، وغير ملحوظٍ خارج البلاد، إلى استفتاء حول إجراء استفتاء، بحيث صدم العالم. فكان الجواب مدويًا: نعم.
بينما أُصيب ما يقرب من 900 كتالوني بجراحٍ نتيجة لعدوان الشرطة، لا تزال الحكومة الكتالونية تتفاوض حول ما سيحدث في الساعات المقبلة، وملك إسبانيا لم يُشاهد بعد.
يبدو أن نائب زعيم الحزب الشعبي الحاكم السيدة (سورايا سانيز دي سانتاماريا) كانت تشاهد قناةً تلفزيونية مختلفة عن القناة التي كنت أشاهدها، عندما قالت: “إنّ رجال الشرطة لم يفعلوا سوى أوامر العدالة، متصرفين بمهنيةٍ وتوازن. لم يكن هدف إجراءاتهم الشعب، بل القضية الانتخابية”.
تصوير: إيفان باتيريف/ تاس
لا يمكن المبالغة بعدم كفاءة (راخوي)، ولكن (بويديمونت) لا يمكن أن يُعفى من المسؤولية. كلاهما يلعب (الروليت الروسية) (1) مع دولةٍ شابّة تكافح من أجل قضايا هيكلية عميقة. إنَّ المجازفة أمرٌ شائع في السياسة، وقد أصبح أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة، ولكنه وضع المواطنين بمواجهة بعضهم؛ ما يجبرهم على تقرير أيّ عَلمٍ يُعلَق على شرفتهم، يأخذ السياسة المتهوّرة إلى مستوى جديدٍ ومرعب.
أخشى أنَّ اندفاع (بويديمونت) إلى إعلان الاستقلال سيؤدي إلى دخول الدبابات الإسبانية إلى “لا دياغونال” في برشلونة، تمامًا كما حدث قبل 78 عامًا، وهو ما شهده جيلٌ لم يكنْ يأمل أنْ يحدث هذا مرةً أخرى في حياتهم. لقد ظلَّ قمع الكتالونيين الذين عاشوا خلال ديكتاتورية (فرانكو) في قلوب الناس، وقد تم نقله إلى جيلي. لقد نشأتُ أنا وأصدقائي، من مواليد التسعينيات، على أنَّ الثقافة والتاريخ الكتالونيين جزءٌ من هويتنا. فنحن لم نرقص الفلامنكو، ولم نؤيدْ مصارعة الثيران، وكان لدينا تقاليدنا الخاصة.
أنا -الكتالونية- أشعرُ بكتالونيا، وتلقيت تعليمي بالكتالونية. أنا أيضًا إسبانية وأوروبية. حتى وقتٍ قريب، كان من السهل أن توفق بين الجوانب. يبدو وكأنَّ شيئًا قد تغيَّر. لم تكن غريزتي الأولية هي التصويت، والسماح للناس الذين لديهم ما يقولونه بأنْ يقولوه.
ولكن في الأسبوع الذي أدى إلى يوم الاستفتاء، غيَّرت ردّة فعل الحكومة الإسبانية رأيي. وكأن الأمر لم يعدْ يتعلق بالقومية، بل بالديمقراطية وحرية التعبير. لو كنتُ في المنزل خلال عطلة نهاية الأسبوع، ربما كنت قد نزلت إلى الشوارع لدعم زملائي الكتالونيين، وصوّتُّ بورقةٍ بيضاء كما فعل عمدة برشلونة آدا كولاو.
اتحد هؤلاء الكتالونيون الذين يريدون التصويت لصالح الاستقلال، من خلال الرغبة في تقرير المصير، بغض النظر عن العمر، والطبقة الاجتماعية، أو الأيديولوجية السياسية. والآن لن أكونَ مندهشةً لرؤية هذه المجموعة تنمو، متحدين وراء رسالة الحقوق الديمقراطية.
وأيًّا كان المقبل لحركة الاستقلال، هناك شيءٌ واحد مؤكّد. سيظل هناك إلى الأبد، قبل، وبعد، الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، في كلَّ من التاريخ الإسباني، والكتالوني.
……………………………………………………………….
(1) – الروليت الروسي: هي لعبة حظ مميتة، تعبيرًا منهم عن الشجاعة أو التهوّر، حيث يضع المشارك رصاصة في مسدسه الذي تتسع أسطوانته لست رصاصات، ويقوم بتدوير الأسطوانة، وما إن تقف، يضع المسدس في رأسه ويطلق، فإن كانت الرصاصة في مكان الإطلاق، قُتل وهكذا، بينما يأخذ الشريك الآخر كلّ ثروته.
اسم المقالة الأصلي
I was Catalan, Spanish and European. But Mariano Rajoy has changed all that
الكاتب
إيريني باكويه، Irene Baque
مكان النشر وتاريخه
الغارديان، The guardian، 3/10
رابط المقالة
https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/oct/03/catalan-spanish-european-mariano-rajoy-memories-civil-war
عدد الكلمات
937
ترجمة
أحمد عيشة
أحمد عيشة