تعلّم وتعليم الفن في العالم العربي
5 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
تنوّعت طرائق تعليم الفن -أكاديميًا- في العالم، على الرغم من المقولة الذهبية “من المستحيل تعليم الفن، ومن الممكن تعلّمه”، لكن كيف، وأين، وفي أي وسط؟ وعلى يد مَن؟ وفي أي أجواء يمكن أن تُصقل موهبةٌ ما مملوءة بالإبداع؟
سؤال يلازم المعاهد والكليات الجامعية التي تُخرّج دارسي الفنون بأنواعها.
في التاريخ التعليمي للفنون، كان هناك معلم “ماستر” محترف مُجرّب، ومعترف به على صعيد النتاج الفني، يقوم بتعليم أتباع له، يحملون تجربته وطريقته، ويتنافسون مع أتباع معلم آخر. بقيت هذه الطريقة موجودة في “وضعها الفردي”، إلى أن انخرطت في معهد جامعي أكاديمي. وفي التاريخ، كان الفن جزءًا لا يتجزأ من الفلسفة، يتمثل بفيلسوف له تلاميذه الخاصون به، يتعلمون على يده المعرفة بأنواعها، ومنها معرفة الفن.
ولأن الفن يحتاج إلى حِرفة ومهارة فردية؛ أصبح لأستاذه محترفًا فنيًا يعلّم فيه “تلامذته” المعرفةَ والحرفة والتطبيق؛ فيمضون سنوات شاقة تحت إمرة هذا المعلم “الماستر” صاحب التجربة والنتاج الفني المتميّز، ويصبحون -فيما بعد- أتباعًا له.
كان ذلك في أثينا القديمة وروما، وفي العصور ما قبل الوسطى عند العرب، وما زالت معظم معاهد العالم وبخاصة أوروبا، تعمل بهذه الطريقة مع بعض التطويرات المعاصرة. وفي النهاية تعارف العالم الآن على تدريس الفنون في جامعات ومعاهد عليا، تحمل مستوى أكاديميًا، (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه) مع أن الدكتوراه تسمية عربية غائمة، سُميت في العالم بـ (phd) وتعني مستوى دكتور في فلسفة العلوم، بغض النظر عن نوع هذه العلوم، وفي الفن كذلك.
مع الزمن؛ شكلت الجامعات والمعاهد التابعة لها، مدارسها وطرائق تعليمها الخاصة بها، وتم فصل تخصصات الفنون عن بعضها، من موسيقى وتصوير ورسم، وفنون المسرح وتفرعاتها وفنون السينما، والرقص.. إلخ.
نحتاج إلى بحث استقصائي عن الحالة السطحية المدمرة للمعاهد والجامعات، في تدريس وتعليم الفنون، وربما الآداب برمتها. وإذا أردنا أن نتناول تعليم وتعلّم السينما كمثال؛ فقد اطلعتُ على المركب التعليمي للسينما، في عدة معاعد وجامعات أردنية وعربية، وكان لا بدّ من معرفة ثالوث التعليم: وسائل التعليم/ مناهج التعليم/ والمختبر التطبيقي التعليمي.
وسائل التعليم يتربع على رأسها المعلم/ أستاذ التخصص السينمائي في تخصص السينما، والمناهج هي المؤلفات العلمية والفنية والتعليمية واستنباط خلاصة أكاديمية، تسمى الخطة التدريسية. أما المختبر فهو الذي يقيس به الدارس تجاربه وتطبيقاته التي تعلمَها وراكمَها، ليتم بعد ذلك تقويمها، ومراقبة الطالب من قبل معلمه إلى أي مستوى حرفي وإبداعي قد وصل.
بعد اطلاعي؛ وجدتُ كارثتين: كارثة ما تقدمه الجامعة أو المعهد من تدريس للمحتويات التي ذكرتها، وكارثة مخرجات التعليم وهم: “المتخرجون الجدد”.
معظم المعاهد والجامعات لم تعتمد في تعليمها على الخبرات الفنية (أقصد تخصص السينما والمسرح– إخراج سينمائي، إخراج مسرحي)؛ أي استقدام الذين لديهم نتاجات فنية وخبرات معرفية أكاديمية مرافقة، بل سُلّم زمام التعليم إلى عديمي الخبرة، واعتمدت فقط على شهادة الدكتوراه التي يفرضها قانون التعليم العالي.
وإذا تم الاستقصاء أكثر؛ رأينا الكارثة الثقافية والمعرفية والرؤيوية التي تلازم تعلّم مهنة السينما، يضاف إلى ذلك الخطط التعليمية الفقيرة والأدوات شبه المعدومة، والوسائل القديمة التي تعتمد على متطلبات جامعية، لا تفيد التخصص ولا تفيد المهارة الفنية الاحترافية، ولا الخيال الإبداعي الفني. كارثة منهجية تنتج مخرجات تعليمية من طلاب فقراء معرفيًا، فقراء في التجربة والخيال والمبادرة.
يحزنني أن الأوساط الفنية أصبحت تسخر من الخريج الجديد، في السينما والمسرح أيضًا، وذلك لغياب التجربة التطبيقية في أثناء الدراسة! والأخطر أن المدرسين هم كذلك فقراء حرفيًا وإبداعيًا، وليس لديهم إنتاج إبداعي، ولا تجربة في مهنة الإخراج السينمائي. والنتيجة إغراق الوسط الفني، سوقًا ونقابات، بشهادات لا تؤهل لشيء، سوى لجيش من العاطلين عن العمل والإبداع.
كل ذلك كان نتيجة عشوائية التعليم وارتجاله، وغياب الحس الأكاديمي المسؤول علميًا وأخلاقيًا. بعد ذلك؛ تنشأ الأسئلة الجوفاء عن أسباب تخلّف الفن في بلادنا، حيث يصبح مجالًا للفساد وانعدام الذائقة والفعل الجمالي الذي ينعكس على الإنتاجات الفنية.. فساد دول ومؤسسات، ثم فساد ذائقة الجمهور المسكين؛ وهكذا حتى نصبح خير أمة تعيد إنتاج التخلف!
[sociallocker] [/sociallocker]فيصل الزعبي