الخطاب الوطني السوري وحقوق الإنسان



يرى باحثون ومحللون أن الخطاب الوطني السوري المطلوب الآن التوجه إليه لا بدّ أن يتمحور ويتوافق مع حقوق الإنسان، معتبرين أن أي خطاب وطني، لن تكون له قيمة ما لم يتوافق مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان.

الدكتور حسام الدين درويش، وهو أستاذ في جامعات ألمانيا، يرى أنه “على الرغم من أن خطاب حقوق الإنسان بمفرده لا يصنع خطابًا وطنيًّا، إلا أنه يبقى (أحد) أهم أسس هذا الخطاب المنشود سوريًّا”. وأضاف لـ (جيرون) أن “خطاب حقوق الإنسان بالغ الأهمية والقيمة من حيث المبدأ، وهو ليس بحاجة إلى أن يتأسس على خطابٍ غيره، فهو يمثل المسلّمات، بل البديهيات الأخلاقية التي لا ينكرها، أو لا ينبغي لأحدٍ أن ينكرها. ومن هنا تأتي عالميته وإنسانيته.

رأى درويش أن “تأسيس الخطابات الوطنية على خطاب حقوق الإنسان يسمح بحفظ السمة الوطنية لهذه الخطابات، ويعطيها القدرة على أن تجعل من البلد وطنًا، يحفظ كرامة أبنائه الذين يشعرون بدورهم بوجود معنًى وقيمة وفائدة من هذا الانتماء”، معقّبًا: “تشتد الحاجة إلى تأسيس الخطابات الوطنية على خطاب حقوق الإنسان، في الحالة السورية الراهنة والناتجة عن اغتصاب النظام للدولة… الحاجة ماسة إلى أن يكون خطاب حقوق الإنسان مؤسِّسًا للخطاب الوطني السوري المنشود، في ظل الانقسامات السياسية العميقة والشروخ الاجتماعية الخطيرة التي يتسم بها المجتمع السوري القائم”.

وشدد على أنه “من دون أن يتأسس الخطاب الوطني السوري المنشود على حقوق الإنسان؛ يفقد هذا الخطاب وطنيته وقيمته الأخلاقية، ويفقد أيضًا فاعليته السياسية الإيجابية وقدرته على تحقيق النتائج العملية المتوخاة منه؛ وبذلك يتحول إلى خطابٍ مانع للجمع بين السوريين أكثر من كونه خطابًا جامعًا لهم ومانعًا لتفتتهم وتناحرهم”.

في الموضوع عينه، قال الباحث منير الخطيب: إن “الوطنية السورية ليست المجموع الحسابي للطوائف والمذاهب والإثنيات في سورية، بل هي تركيب جدلي حاكم على كل تلك الانتماءات الجزئية، يعيد تنضيدها وفقًا لمبدأ الإنسان، ككائن كلي عصي عن الذوبان في الجمهور- الكتلة”.

أضاف لـ (جيرون) أن “العقد الاجتماعي الذي هو أساس الدولة-الأمة، لا ينعقد بين طوائف وإثنيات، بل هو علاقة بين بشر أحرار، يجمعهم الانتماء الوطني، بوصفه الانتماء إلى الدولة الوطنية. لذا تشترك الوطنية مع الإنسية في عملية طرد العلاقات الهويّاتية من المجال العام، ومن الفضاء الوطني، والحرص على حرية الطوائف والإثنيات في المجتمع المدني، بوصفه مجتمعَ التعدد والاختلاف، وهنا يجب التفريق بين الطوائف والمذاهب والعلاقات الطائفية والمذهبية، تلك العلاقات التي يجب إعدامها في مجال الدولة الذي هو مجال العمومية”.

وتابع: “الوطنية السورية والإنسية وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن للسوريين تجاوز واقع التشظي والانقسام إلا بمواجهة الكائنات والعصابات الميليشيوية والأيديولوجية المنفلتة من كل عقل وعقال، فلا مواطن ولا وطن ولا شعب ولا أمة ولا دولة؛ إذا لم يكن هناك حقوق إنسان”.

الباحث السوري خالد صالح يؤكد بدوره أن “تمحور الخطاب الوطني السوري أو توافقه مع شرعة حقوق الإنسان ليس ضرورة فحسب، بل إن ابتعاده أو مجافاته لها، إن صحت الواقعة -وهي صحيحة إلى حد ما- يجعل منه خطابًا مشكوك في أمره”، وقال لـ (جيرون): إن “النيّات الحسنة لا تصنع وطنًا، وغالبًا ما تكون نتائج الأفعال سلبية وكارثية”.

وأضاف أن “تمحور الخطاب حول شرعة حقوق الإنسان، وجعلها معيارًا لممارساته التي تطمح لبناء المؤسسات التي تجسدها، هو ليس ضرورة للمشروع فحسب، بل هو ماهية المشروع، راهنه ومستقبله، حيث إن (وطنيته) محتواة تمامًا فيه، لقد طغى خطاب التحرر -وشتان بين خطاب ينشد الحرية وآخر ينشد التحرر- على مختلف الخطابات في الساحة السورية، وهي خطابات منافحة، تحريضية مشحونة بالأيديولوجيا، مع غلبة وميل نحو دعوية (إسلاموية)، تعمل لتمجيد ذات حصرية (لون واحد)، وتكفير الآخر المختلف من حيث اللون معها، وهي في ممارستها (وإن ادعت معارضتها) تتقاطع مع خطاب السلطة التي ما فتئت تعمل على تحقيق (التجانس) في المجتمع، من خلال عمليات النفي والقتل”.

الدكتور أحمد الحمادي، وهو أستاذ جامعي، قال لـ (جيرون): إن “الخطاب الوطني النابع من إرادة ورغبة أبناء شعبنا هو الخطاب المتوافق والمتناغم مع حقوق الإنسان، أيًا كان معتقده أو مذهبه أو قوميته أو أثنيته. والذي يركز على إقامة دولة الوطن والإنسان والقانون والعدالة والمساواة؛ فيحقق المواطن حريته وكرامته ويتمتع بكافة حقوق الإنسان، كونه مواطنًا سوريًا. وهذا هو الخطاب الوطني الثوري الجامع لكل تطلعات وأهداف ورغبات السوريين”، وأكد أن  “كل خطاب عدا ذلك ﻻ نستطيع وصفه بالخطاب الوطني الثوري، بل نستطيع القول إنه خطاب تقوقعي منغلق احتكاري ﻻ يختلف عن خطاب النظام، إلا ببعده عن الإمساك بزمام السلطة، لذا المطلوب خطاب وطني ثوري جامع”.




المصدر
أحمد مظهر سعدو