القاصرات السوريات.. الأمهات الأطفال



كانت (هيام)، وهي طفلة سورية من محافظة إدلب، في سنّ 14 عامًا، يومَ قرر أهلها تزويجها -بسبب ضيق حالهم واضطرارهم إلى النزوح من بيتهم، ثم السفر إلى تركيا- لرجل يكبرها سنًا، وهو متزوج ولديه أولاد، وما تزال زوجته الأولى على عصمته.

انقطعت (هيام) عن التعليم في العام 2013، وتؤكد أن أهلها قاموا بهذه الخطوة، بسبب ضائقتهم المادية، وعدم قدرتهم على تحمل مصاريفها، وقالت لـ (جيرون): “كان زوجي يمنعني من أبسط حقوقي، وتعرضتُ معه خلال عام كامل من الزواج لظلمٍ كبير إلى أن جاء اليوم الذي توفي فيه زوجي؛ فطردتني زوجته الأولى من المنزل، ولم أجد ملاذًا أحتمي به، وبخاصة أن وضع أهلي في تركيا سيئ؛ فذهبت إلى مركز للدعم نفسي في إدلب، وهناك قدموا لي السكن والمساعدة، وأشعر بأنني بدأت أقف على قدمي من جديد، وأستعيد توازني”.

(هيام) ليست الطفلة الوحيدة التي عاشت هذه التجربة، إذ تشير الدراسات والتقديرات إلى أن ظاهرة زواج القاصرات التي كانت رائجة في المجتمعات الريفية السورية، قبل الحرب، تضاعفت بعدها لتشكّل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولا سيّما في الشمال السوري، أزمةً اجتماعيةً أخلاقيةً، لها آثارها الخطرة على جيل من الأمهات الأطفال.

تعزو شبكة (أنا هي) النسائية، في تقرير لها صدر العام الماضي، الأسباب الرئيسة التي أسهمت في ارتفاع زواج القاصرات إلى “الفقر الناتج عن التشرد والنزوح وغياب المعيل، كما يبرز عامل غياب الأمن، والخوف من كلام الناس، وخوف الأهل من عدم تمكنهم من تحمل المسؤولية”.

تسعى منظمات المجتمع المدني بشكل مستمر، لمحاربة ظاهرة الزواج المبكر، في مناطق الشمال السوري، من خلال حملات توعية تستهدف الأهالي في المخيمات والقرى والبلدات، وتقوم بعض المنظمات، بالتعاون مع المجالس المحلية وبعض رجال الدين، بتنظيم ندوات توعية للأهالي، كما تقوم مراكز الدعم النفسي بتقديم المشورة اللازمة بهذا الخصوص، في هذا الصدد قالت الناشطة الحقوقية وداد رحال لـ (جيرون): “تساعد المراكز الصحية في إدلب في تنظيم حملات توعية للتعريف بمخاطر زواج القاصرات، كما تساهم مراكز التمكين الخاصة بالمرأة في بث التنوير الفكري”.

فعّلت منظمة (النساء الآن) برامجَ تمكين اقتصادي للفتيات، في عدد من مناطق محافظة إدلب، من خلال “تدريبهن وتقديم الدعم اللازم لهن، من أجل إطلاق مشاريع اقتصادية صغيرة؛ لمكافحة ظاهرة التزويج المبكر”، كما أوضحت مسؤولة التواصل في منظمة (النساء الآن) لمى راجح.

أضافت لمى في حديث لـ (جيرون): “نهدف، من خلال برامج التمكين الاقتصادي، إلى جعل الفتاة منتجة وقادرة على امتلاك قرارها، بحيث لا يستطيع الأهل تزويجها بالإكراه، بذريعة الوضع الاقتصادي، ولتشكّل الفتاة لأهلها مصدر قوة واعتماد، بدلًا من أن تكون بالنسبة إليهم عبئًا”.

أشار تقرير أصدرته الأمم المتحدة عام 2015 إلى أن 14 بالمئة، من حالات الزواج في سورية، تندرج تحت التزويج المبكر، بينما كانت لا تتجاوز 7 بالمئة قبل 2011، كما ارتفعت هذه النسب في مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان إلى 32 بالمئة، وفي مخيمات السوريين في الأردن إلى 34 بالمئة.

على الرغم من كثرة المبادرات المجتمعية المنادية بعدم تزويج القاصرات، وزخم الورشات التوعوية القائلة بالامتناع عن تزويج الطفلات، إلا أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تشهد كل يوم مزيدًا من حالات تزويج القاصرات.

يؤكد ناشطون في الشأن الاجتماعي أن هذه الظاهرة التي دأب النظام على تكريسها في الريف لتهميشه، أعاد الفكر الفصائلي المتشدد إحيائها، ورسخها فشلُ المجالس المحلية في إيجاد حلول، فيما تثبت دراسات طبية مختصة أن زواج الإناث، وإنجابهن في عمر مبكر، “يعرضهن في بعض الحالات لأمراض عضوية دائمة، فضلًا عن الأمراض النفسية التي تلحق بالطفلة وأولادها”.




المصدر
سامر الأحمد