فزغلياد: دعم استقلال كتالونيا يمكنه فقط إلحاق الضرر بروسيا



الصورة: Francois Lenoir/Reuters

أثار الاستفتاء الكتالوني عاصفةً من الجدل في روسيا. فكيف علينا التعامل مع ما يجري، وكيف نجعل تطور الأحداث هناك يصب في صالح بلادنا؟ فلاديمير بوتين تطرق إلى هذا الموضوع. الأمر الأهم في تقويم الأحداث المتلاحقة أمام ناظرينا هو الفهم الصحيح لمدى ما يجري، وعندها تصبح مصالح روسيا واضحةً تمامًا.

“الجميع يناقش الآن الوضع المتعلق باستفتاء الاستقلال في كتالونيا. لا أخفيكم أننا نتعاطف مع إسبانيا، ولكن الموضوع شأنٌ إسباني داخلي. نأمل أن يتم تجاوز الأزمة”. هكذا تناول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحداث الجارية في إسبانيا، في أثناء مراسم تسلم رسائل اعتماد سفراء أجانب في الكرملين، يوم الثلاثاء الماضي. بالطبع، لا يمكن أن يكون موقف روسيا الرسمي خلاف ذلك. فنحن ندعم سلامة ووحدة أراضي الدول الأخرى، ولا نتدخل بشؤون الآخرين ونتوقع منها الموقف نفسه تجاه بلادنا. ولكن نقاشاتٍ حامية تجري على المستوى غير الرسمي: كيف علينا التعامل مع أحداث كتالونيا وأي جانبٍ علينا أن ندعم، وأين مصلحتنا؟ يستذكر في النقاشات التاريخ، الأيديولوجية والجيوسياسة. مَن المحق، مدريد أم برشلونة، وهل تنجح كتالونيا بالانفصال أم لا، من يقف على جانب الانفصاليين، وما هي القوى الخارجية التي تراهن على الانفصال؟ وهل استقلال كتالونيا مفيدٌ لروسيا أم لا؟

إذا كان انفصال كتالونيا مفيدًا، أفلا يمكن أن يصبح خروج كتالونيا من إسبانيا مثالًا سيئًا لتصاعد النزعات الانفصالية في عددٍ من مناطق بلادنا نفسها، ومن ضمنها تاتارستان؟ فالتاريخ الكتالوني شبيهٌ بخروج شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. كل هذا مهم، ولكنه لا يمت بصلةٍ إلى السياسة الواقعية. في هذه القصة لروسيا مصالح محددة، يمكن تسميتها بكل وضوح. ولكن أولًا يجب أن نفهم ماهية الأزمة الكتالونية، أي كيف تراها بلادنا.

أزمة كتالونيا الحالية هي أزمةٌ أخرى يمر بها الاتحاد الأوروبي. أي أننا في روسيا ننظر إلى الأزمة على النحو التالي: استفتاء استقلال كتالونيا هو نتيجةٌ لتشكيل الاتحاد الأوروبي نفسه. فعملية تشكيل دولةٍ جديدة (والاتحاد الأوروبي- هو بالضبط دولةٌ جديدة عظمى)، لم تكن يومًا ما عمليةً سهلة وبسيطة. ولهذا، ليس من المستغرب أن يتعرض الاتحاد الأوروبي لأزماتٍ جدية في أثناء عملية تعزيز كيانه: ففي العام الماضي وقع- Brexit  ، وفي العام الحالي محاولة انفصال كتالونيا عن إسبانيا. وهذا تحدٍّ جوهري لأنصار الاندماج الأوروبي. فإذا تمكنوا من كبح الأزمة؛ فسيتابع الاتحاد الأوروبي عملية الاندماج حتى جمع القارة كلها، تحت سلطة المركز. وإذا فشلوا؛ فإن تفتت الدول الأوروبية سيمزق الاتحاد الأوروبي نفسه.

ما المفيد لروسيا؟

المفيد لروسيا هو أوروبا قوية، ولكن ليس أوروبا كقوة عظمى. أي يجب أن نتذكر دومًا، في أثناء مراقبتنا عملية الاندماج الأوروبي التي تتمحور في كل الأحوال حول المركز الألماني، أننا جيرانٌ ومتنافسون في الوقت ذاته. وأننا تعرضنا، خلال القرنين الأخيرين، للاعتداء مرتين من جانب أوروبا الموحدة. وإذا أضفنا إلى حملة نابليون والحرب الوطنية العظمى، حرب القرم؛ فإننا نكون قد تعرضنا للعدوان الأوروبي ثلاث مرات. وفي الوقت الراهن، نتعامل مع أوروبا التي تقف على مفترق، فهي ليست كيانً مستقلًا تمامًا من الناحية الجيوسياسية.

لا تزال أوروبا جزءًا من الغرب، وهي الجزء الأصغر والمرتبط. فدول أوروبا الأنكلوسكسونية، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمثل عمليًا موجهَ “الغرب”، من خلال حلف الناتو والنخبة الأطلسية. غير أن عملية الاندماج الأوروبية وتشكيل الاتحاد الأوروبي ستؤدي لا محالة إلى تصعيد لتناقض داخل العالم الغربي؛ وسيصبح الطلاق بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سيناريو محتملًا في المدى المتوسط.

ولكن حتى الآن، ما يزال الاتحاد الأوروبي غير مستقل. وتقوية أوروبا تعني تقوية القدرة الإجمالية للغرب الأطلسي، خصمنا الجيوسياسي الصريح. بيد أنه يمكن الرهان على أنه كلما أصبح الاتحاد الأوروبي أقوى؛ تسارع انفصاله عن الولايات المتحدة الأمريكية، وحينئذ سيكون من المفيد لروسيا وضع رهاناتها على تعزيز أوروبا الموحدة. هذه الاستراتيجية جدلية للغاية، ولكنها ممكنة، بشرط أن نكون واثقين من أن أوروبا القوية تلبي مصالحنا.

من المفهوم، أن اتحادًا أوروبيًا قويًا وغير مرتبط، أفضل من اتحادٍ قوي ومرتبطٍ بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ألن يكون الاتحاد الأوروبي خطرًا على روسيا حتى من دون الولايات المتحدة؟ وما طبيعة النُخب والقوى التي ستكون مهيمنةً في هذا الاتحاد؟ أهم أولئك الذين يؤمنون بـ “أوروبا من دون لشبونة ومن دون يكاترين بورغ”؟ أم حتى أولئك الذين يؤمنون بمحور برلين-موسكو- بكين، أم من سيكون مهتمًا باندماج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، أي من يسعى إلى توسيع رقعته الجغرافية، على حساب الفضاء الروسي؟.

وبهذا، ربما يكون من الأفضل لنا الرهان على إضعاف الاتحاد الأوروبي، كي لا نغامر فيما يتعلق بالقضايا المنفردة، نحن نتفق دائمًا مع الدول الأوروبية، أو على الأقل نتأقلم. انطلاقًا من هذا المنطق، يبدو الاستفتاء الكتالوني للبعض في روسيا مدخلًا رائعًا لزعزعة الاتحاد الأوروبي، ويقول هذا البعض فلنتركهم يغرقون في مشكلاتهم، لتبقى لديهم قوةٌ أقل في مواجهتنا، ويذهبون إلى حد تمني انهيار الاتحاد الأوروبي. لذا يقولون، فلندعم انفصال كتالونيا، فلندعهم ينفصلون، ليبدأ موكب مؤيدي الاستقلال في أوروبا كلها.

يتراءى للمرء أنها خطةٌ جيدة. ولكن تفتت الدول الأوروبية قد يؤدي، وهو الأرجح، إلى نتيجةٍ عكسية، أي لن يؤدي إلى إضعاف أوروبا الموحدة، بل إلى تقويتها. لن يحدث هذا على الفورـ ولكن بعد عدة خطوات. فعندما تفشل محاولات إعادة عفريت الانفصال إلى قمقمه؛ فإن الاتحاد الأوروبي سيحاول في المرحلة الأولى (3-5 سنوات) تزعم عملية تفتيت الدول الأوروبية. (كلنا أوروبيون) هو شعار بروكسل الرئيسي، وهو بالتحديد في واقع الأمر، ما يحفز الانفصال الكتالوني، وبشكلٍ أقوى بكثير من أي إجراء تقوم به الحكومة الإسبانية. وعلى أساس هذه الحقيقة لن يستغرق الاتحاد الأوروبي الكثير من الوقت، ليغير موقفه من الانفصال.

وهكذا، فإن روسيا إذا ما انخرطت في الصراع على كتالونيا، تساعد بناة “الاتحاد الأوروبي الحديدي”. وهذا أمرٌ لا يلزمنا على الإطلاق. الاستفتاء في كتالونيا حدثٌ تاريخي الأبعاد والمغزى. وعلى روسيا التعامل معه انطلاقًا من مصالح لا يرقى إليها الشك. فالتفكير الروسي يجب أن يكون حول المصالح الاستراتيجية، وعن خطط روسيا الاتحادية في عشرات من السنوات المقبلة.

روسيا ليست مع كتالونيا، وليست ضدها، وليست مع انقسام إسبانيا أو ضده. فما يقلقها هو أكبر، ويتعلق بأبعادٍ على مستوى الاتحاد الأوروبي. كتالونيا ستنفصل عن إسبانيا لا محالة، ولكنها أيضًا ستنصهر في بوتقة الاتحاد الأوروبي، كبقية المناطق الإسبانية الأخرى. انفصال كتالونيا لن يوقف عملية الاندماج الأوروبي (مع احتمال ضئيلٍ بأنه سيعرقلها لفترةٍ قصيرة)، بل على العكس، قد يساعد في رفعها إلى مستوى جديد، وحدةٍ أكثر صلابة.

الأمر يتعلق بالمواعيد فقط؛ لأنها عملياتٌ قد تستغرق خمسة أو عشرة أعوامٍ أو ربما عشرين عامًا. وبالطبع، للسرعة أهميةٌ في هذه الحالة، لأنه على التوازي معها، وليس في معزلٍ عنها، تجري عملياتٌ غيرها على المستوى العالمي: الاندماج الأوراسي ومحوره موسكو، تفكيك بقايا عالم أميركا، إعادة تشكيل التحالفات في منطقة المحيط الهادئ. وإذا قمنا بوضع استراتيجيتنا، انطلاقًا من أن الاتحاد الأوروبي سيكون في غضون 40 عامًا قد أصبح بشكلٍ نهائي دولةً واحدة؛ فهذا يعني أن ذلك سيحدث خلال 20 عامًا، ولن نكون ارتكبنا خطأً فقط، إنما قد نتعرض لخسارةٍ على غرار خسارة أوكرانيا.

لهذا؛ لا يجب أن يكون لنا في المسألة الكتالونية، لا أفضليات، ولا تعاطف، ولا حتى “سيناريوهات مفيدة” وحيدة. هناك فقط مصالحنا التي منها ننطلق، عند وضع الرهانات وعند تغيير التكتيك. ومصالحنا القومية تكمن في أننا لا نحتاج لا أوروبا الواحدة، ولا أوروبا الممزقة. نحن بحاجةٍ إلى أوروبا مستقلة وغير معادية، وحسب.

اسم المقالة الأصلية Поддержка независимой Каталонии способна только навредить России كاتب المقالة بيتر أكوبوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 3 تشرين أول 2017 رابط المقالة https://vz.ru/politics/2017/10/3/889538.html

  ترجمة سمير رمان




المصدر
سمير رمان