لنتذكر تشرين وننسى سورية!

6 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
5 minutes

يبقى تاريخ السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973 في ذاكرة السوريين، مرتبطًا بما أنجزه حافظ الأسد من حفر خنادق السطوة والقمع والخوف، وكرّس فيه بعد حرب تشرين لشعار “اعرِف مع مين عم تحكي”، وأعطى لرجالاته هوامشَ السيطرة الأمنية والاقتصادية والمجتمعية، بعد انقضاء الحرب. لم يتسن للسوريين تأريخ حقبة صعود الأسد إلى السلطة، إذ أدخلهم في تاريخ جديد مع حرب تشرين، تجرّع السوريون ما دوّنه الأسد على جدرانهم وكتبهم المدرسية، ليكون السادس من تشرين فاتحًا ومكملًا، لما بدأه قبل ثلاثة أعوام من حرب تشرين، انقلابًا لتثبيت دعائم السلطة.

فتحت حرب تشرين بابَ السلطة للأسد على مصراعيه، فكانت له الفرصة السانحة لتدوين وتزوير التاريخ، شطب لكل ما سلف من جريمة الانقضاض على السلطة والمجتمع إلى تأسيس دولة الخوف، لم تكن شعارات تشرين فقط لـ “تزيين” مداخل المؤسسات والوزارات والمدارس والطرق، بل مناسبة للاحتفاء بـ “بطل التشرينين” القصة التي تخفي خلف صفحاتها حياة سورية كلها، واختزلها بتثبيت دعائم الذكرى التي انهارت، بعد أكثر من ثلاثة عقود.

لم تفلح اليافطات ولا قافلة النصوص التي يرفل بها أرشيف تشارين الأسد بأن تكون ساترًا لعورة بقيت مكشوفة، ولا أن تكون المحنط الطبيعي لصورة الآلهة الطاغية، لقد كانت الحرب مجرد شفاعة إجبارية لجريمة اغتصاب السلطة، وتأسيسًا قسريًا لولادة “وريث” السلطة، وممرًا إجباريًا نحو الخنادق المحفورة التي يغادرها السوريون اليوم في لحظة وداع دموية وقاسية، وداع من نوع “خاص”، يُمارسه عقلهم بالإقلاع عن بهجة وبهرجة الاحتفاء بالخوف والقمع، والموت المدون على رزنامة الطاغية.

ابتكر الأسد الأب في “تشارينه” فكرةَ العنف والسطوة، ابتكارًا مشبعًا بكل عناصره، لكنه جعل منه أمرًا مقبولًا في الأسطرة المزيفة لحماية السلطة ودفن المجتمع، استهدف من تشرين الحرب ترجمة التسوية، مع تشرين الانقلاب، وتطبيع العقل السوري لفكرة الخضوع والسيطرة لجلاده، أقام أكاذيبه الكبرى من “باني سورية الحديثة” و”بطل التشرينين”، إلى شعاراته عن التوازن الاستراتيجي مع العدو، وإلى ما آلت إليه من استخدامات مؤثرة في بنية المجتمع الاقتصادية والسياسية التي مهدت طريق السوريين الوعر نحو الحرية.

هدم السوريون جبل الأكاذيب، بعد 38 عامًا من إقامتها، واستبدلوا آذارهم بتشارين الأسد، غادروا الخنادق التي حفرها وحاول إغراقهم فيها إلى الأبد، جعلوه يقف عاريًا على تخوم شعاراته؛ فاكتشفوا مع من يتحدثون وعَرفوا وعرّفوا العالم أي لغة لقّنها طاغيتهم لوريثه الغارق بدم السوريين منذ ستة أعوام، أصابوا العالم برعشة من الدهشة الغريبة، قدّموا أوراق اعتمادهم لمحكمة التاريخ، في ممارسة ادعاء الحرية والحياة، خارج روزنامة الأسد الموغلة بالجرائم.

من احتل في تشرين واقع السوريين وذاكرتهم، واغتصب تاريخهم وثقافتهم، لن يكون بمقدوره تقديم غير هذا الدمار، وفق المنطق القائم على الاستثمار في تحنيط هيكل الطاغية الموروث. استعصى على الشعب السوري استعادة أرضه المحتلة لا لصعوبة توازن الأسد الاستراتيجي، إنما للخلل الاستراتيجي الذي أقامه في بنيان السلطة والمجتمع، واكتشفوا معه عضوية العلاقة، بين وجوده في هرم السلطة وبقاء المحتل فوق الهضبة جنوبًا، وما تشارينه سوى ميزان للتوازن الاستراتيجي والحقيقي، تميل كفته أكثر بجثث ودماء السوريين وحطام تاريخهم من مستعمر للسلطة، جُلّ ما أنجزه في تشارينه مأتم مستمر لحياة سورية.

استمرت أوهام تشارين الأسد أربعة عقود، وانتهت عند الإشارات الأولية للشعب السوري، في آذار/ مارس 2011، ولم تعد لتواريخ الطاغية وذكرياته سوى ما فتكت به قوته وطغيانه، والوطن الذي كان سجنًا، و”البطل” الذي كان سجّانًا، وأصبح جزارًا وفرانًا بشريًا ستبقى مكانته في عار التاريخ.

تفككت الممانعة وانهارت شعارات التاريخ، ولن تكون العصابة التي تقود مقتلة الشعب السوري مُحرِرةً لأرض، إن لم يتحرر منها وطن ومجتمع ودولة، يسترد فيها ومنها كل حقوقه الكفيلة بصناعة نصر مغاير، في سورية التي يريدها السوريين لا في تشارين الأسدين. إن لم يكن اليوم؛ فإنّ اليقين يدلّ على أن الانتماء الفاعل إلى سورية المستقبل بدأ بثورة؛ وسيصبح واقعًا، من دون الأسد وتواريخه المهترئة.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون