واشنطن بوست: ستكون الدولة الإسلامية المقبلة أكثر فتكًا



مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية يحملون أسلحتهم ويلوحون بالأعلام. (غير معتمد/ أسوشيتد بريس)

خلال معظم العام الماضي، عشتُ حياةً مزدوجة. لقد شاركتُ قوات العمليات الخاصة العراقية في جميع أنحاء معركة الموصل، وشهدتُ بشكلٍ مباشر صراعًا ملحوظًا حقًا ضد “الدولة الإسلامية”. ولكنني واصلت أيضًا بحثي الميداني الذي دام أربع سنوات عن (تنظيم الدولة الإسلامية)، وأجريتُ مقابلاتٍ مع مقاتلي الجماعة ومؤيديها، لفهم الصراع، من خلال وجهات نظرهم.

أوصلتني هذه الحياة المزدوجة إلى وجهة نظرٍ فريدة: بمقدار ما كنت أشجع قوات التحالف على إحراز تقدم كبير، أدركتُ أنَّ كسب الصراعات، واستعادة الأراضي لن يوقف “الدولة الإسلامية” لفترةٍ طويلة. وأنه لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عبر تغييرٍ واسع النطاق في السياسات الحكومية. فالسياسات المحلية التي تتعامل مع مقاتلي تنظيم الدولة، والمقاتلين السابقين، والمجندين المحتملين، هي سياسات لا تجاري التطورات، ليس فقط في العراق، بل أيضًا في كلِّ بلدٍ تقريبًا، من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا الغربية.

في بلدانٍ مثل ليبيا واليمن والفلبين ونيجيريا والصومال، لا تملك الحكومات سيطرةً فعلية على أجزاءٍ من أراضيها؛ وهذا يجعلها أهدافًا إقليمية سهلة لـ “تنظيم الدولة الإسلامية”. ولكن البلدان التي تتمتع بقدرٍ كبير من السيطرة مثل: القوقاز، وجمهوريات آسيا الوسطى، وبعض الدول الأفريقية، تسهم أيضًا في الأزمة عن طريق جعل الحياة لا تُطاق بالنسبة إلى المواطنين، حيث يغادرونها لإيجاد حياةٍ أفضل لدى خلافة الجماعة.

يجب ألا يكون مفاجئًا حينئذ أنَّ إحدى أكبر مجموعات مقاتلي “الدولة الإسلامية” (وعائلاتهم) هم من الأوزبك، فدرجة الحرية في أوزبكستان مماثلة لكوريا الشمالية، ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان، هناك “انتهاكٌ واسع النطاق لجميع حقوق الإنسان الأساسية تقريبًا”.

في البلدان التي لا تستطيع فيها الحكومات الوفاء بواجباتها من دعمٍ مالي، وحماية للمدنيين، يمكن لأيّ جماعةٍ مسلحة بشكلٍ جيّد نسبيًا أنْ تُسيطر، وليس هذا وحسب، بل إن السكان المحليين الذين أُرهقوا من الحكومة السيئة، لن يقاوموا عملية الاستيلاء. في استطلاعٍ أجري عام 2016 على أراضٍ استُعيدت من “الدولة الإسلامية” في العراق، قال 30 في المئة من المستطلعين: إنَّ الأمن، والاستقرار تحسنا فعلًا في ظل “تنظيم الدولة الإسلامية”، مقابل 5 في المئة فقط، قالوا: إنَّ الوضع أصبح أسوأ. لم تكنْ الجماعة المتطرفة قويةً بما يكفي لأن تستولي على الأراضي فحسب، بل كانت أيضًا قادرةً على إدارتها، وفي بعض الأماكن، ما تزال تديرها.

في حين أتاحت النجاحات العسكرية الأخيرة للحكومات فرصةً لمعالجة قضايا مثل الفساد المستشري، إلا أنَّ هناك علامات قليلة على التحسن. كان هناك الكثير من ثغرات الفساد بين قوات الأمن العراقية التي استغلها تنظيم القاعدة لصالحه. وإذا أراد أن يستهدف مدنيًا للتجنيد، سيبلّغ عن هذا الشخص للأمن الداخلي العراقي، بأنَّه عضوٌ في تنظيم القاعدة، عندها يتم القبض عليه، ويُلقى به في السجن، ويتعرّض للضرب والتعذيب، ومن المرجح أنْ يُطلق سراحه، بعد أنْ تدفع أسرته المال عن طريق الابتزاز. بعد هذه التجربة؛ غالبًا ما يكون المدنيون أكثر استعدادًا للتطوع مع أيّ حركةٍ مناهضة للحكومة.(1)

لم تتغير أيضًا البلدان ذات التحكم المفرط بل في بعض الحالات ازدادت سوءًا. وقد قامت العديد من الحكومات بمزيدٍ من التضييق على الحريات الدينية، والشخصية ردًّا على “تنظيم الدولة الإسلامية”. ومن خلال القيام بذلك، لم يقتصر الأمر على زيادة المظالم، بين أولئك الذين يُحتمل أنْ يقاتلوا فحسب، بل دفعوا هؤلاء الناس إلى التخفي أيضًا.

وعلى الرغم من أنَّ العمليات العسكرية الناجحة قد صدَّت “تنظيم الدولة الإسلامية”، ومنعته من الاستيلاء على الأراضي، وأعطت الوقت اللازم لإصلاح الحكومة، لكنّ هذه الفسحة الزمنية كانت قصيرة.

تستكشف “الدولة الإسلامية” المناطقَ التي تعاني من ضعف الأمن، في جميع أنحاء العالم (حتى في الأماكن البعيدة مثل الفلبين)، وهي تحاول استعادة الأراضي في المناطق المحررة حديثًا من العراق. حيث يشنُّ الأعضاء حرب العصابات في المناطق الريفية النائية، أو يختبئون في المدن للتحضير لهجماتٍ مستقبلية.

لا تكسب “الدولة الإسلامية” حاليًا أرضًا جديدة، ولكن الإمكانات لكسب مقاتلين جددًا جاهزة. ينضم، إلى الجيل المقبل من المتطرفين، المدنيون السنّة الذين فقدوا كلَّ شيءٍ في الحرب، وهم يخافون بالفعل على سلامتهم، ومجندون جدد من الشبان المتعاطفين الأذكياء الذين يمكن استخدام خبراتهم في الهندسة، والعلوم، والجيش لخدمة أهداف أيّ جماعةٍ مسلحة.

“الدولة الإسلامية” المقبلة، التي يقودها مقاتلون متمرسون متعطشون للانتقام، ستكون أكثر فتكًا وانتشارًا. يسيطر التحالف المناهض لـ “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية” على المنطقة من خلال القوة الجوية، لكنَّ المتطرفين بدؤوا بالفعل بتطوير طائراتهم المسيّرة من دون طيار. اليوم، هذه الطائرات المسيّرة مصنوعةٌ من البلاستيك المعاد تدويره، مع شريطٍ لاصق. في المرة المقبلة، يُمكن أنْ تكون أكثر خطورة.

وبالنظر إلى العمليات الجارية؛ فإن كلًا من المقاتل الأجنبي السابق مع “الدولة الإسلامية”، وأنا أيضًا، لدينا ما يدعو إلى التفاؤل. أنا متفائلةٌ بأنَّ الحكومة العراقية ستستعيد السيطرة على الأراضي. وهو متفائلٌ بأنَّ إخوته في السلاح السابقين سيذهبون أخيرًا إلى الجنة، وأنّ ثمة مقاتلين جددًا سيأخذون مكانهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) – هو أسلوب تتبعه بعض التنظيمات المتطرفة (أيًا كان اتجاهها: يمينيًا أم يساريًا) لتوريط الشباب وتجنيدهم في صفوفها، فضلًا عن سياسات الحكومات الديكتاتورية، وقمعها الوحشي الذي يدفع الناس نحو التطرف.

اسم المقالة الأصلي The next Islamic State would be deadlier الكاتب فيرا ميرونوفا، Vera Mironova مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 4/10 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/the-next-islamic-state-would-be-deadlier/2017/10/04/2ed036bc-a85e-11e7-92d1-58c702d2d975_story.html?utm_term=.134444a13f8e&wpisrc=nl_todayworld&wpmm=1 عدد الكلمات 763 ترجمة أحمد عيشة




المصدر
أحمد عيشة