تقرير: مقتل 4 إعلاميين واعتقال 9 آخرين في أيلول 2017




فؤاد الصافي: المصدر

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها الشهري الخاص بتوثيق الانتهاكات المرتكبة بحق الإعلاميين من قبل جميع أطراف النزاع في سوريا من منطلق الاهتمام بدور الإعلاميين البارز في الحراك الشعبي وفي الكفاح المسلح.

وبحسب التقرير فإن العمل الإعلامي في سوريا يسير من سيئ إلى أسوأ في ظل عدم رعاية واهتمام الكثير من المنظمات الإعلامية الدولية لما يحصل في سوريا وتراجع التغطية الإعلامية بشكل كبير في السنة الأخيرة مقارنة بالسنوات الماضية.

وأشار التقرير إلى أن الصحفي يُعتبر شخصاً مدنياً بحسب القانون الدولي الإنساني بغض النظر عن جنسيته، وأي هجوم يستهدفه بشكل متعمد يرقى إلى جريمة حرب، لكن الإعلامي الذين يقترب من أهداف عسكرية فإنه يفعل ذلك بناء على مسؤوليته الخاصة، لأن استهدافه في هذه الحالة قد يعتبر من ضمن الآثار الجانبية، وأيضاً يفقد الحماية إذا شارك بشكل مباشر في العمليات القتالية، وأوضح التقرير أنه يجب احترام الإعلاميين سواء أكانت لديهم بطاقات هوية للعمل الإعلامي أم تعذر امتلاكهم لها بسبب العديد من الصعوبات.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “تبرز للعمل الإعلامي في سوريا أهمية خاصة لأنه في كثير من الأحيان يكشف خيطاً من الجرائم المتنوعة التي تحدث يومياً، ومن هذا المنطلق فإننا نسجل في معظم تقاريرنا الشهرية الخاصة بالإعلاميين انتهاكات من أطراف متحاربة فيما بينها”.

نوّه التقرير إلى اتفاق خفض التصعيد في سوريا، الذي دخل حيِّزَ التنفيذ في 6/ أيار/ 2017، بعد أن تمّ الإعلان عنه في ختام الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة المنعقدة بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، وقد تضمَّن إقامة أربعة مناطق لخفض التَّصعيد في سوريا توقف فيها الأعمال القتالية ويُسمح بدخول المساعدات الإنسانية ويُسمح أيضاً بعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق التي حددها الاتفاق بـ: محافظة إدلب وماحولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق.

كما ذكر التقرير أنَّ مباحثات واسعة بدأت في أيار/ 2017 في العاصمة الأردنية عمَّان بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأردن، أسفرت عن إعلان كل من الرئيسَين الأمريكي والروسي على هامش قمة دول الاقتصاديات العشرين الكبرى في هامبورغ التَّوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ودخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الأحد 9/ تموز/ 2017. وقد نصّ على السماح بدخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة (قوات النظام السوري وحلفاؤه من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية) على أن يقع أمن هذه المنطقة على عاتق القوات الروسية بالتّنسيق مع الأمريكيين والأردنيين.

ثمّ أشار التقرير إلى انعقاد اتفاقيات محليّة أخرى كاتفاق الغوطة الشرقية بين فصائل المعارضة المسلحة فيها من جهة، وأفراد من الجانب الروسي من جهة ثانية، واتفاق مُشابه مع فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي، لكنَّ هذه الاتفاقيات لم تُنشر نصوصها الرسمية على مواقع للحكومة الروسية، كما لم تنشرها فصائل المعارضة المسلحة، باستثناء فصيل فيلق الرحمن الذي نشر نصَّا للاتفاق وردَ في نهايته توقيع لضامن روسي دون ذكر الاسم الصريح؛ الأمر الذي ذكر التقرير أنّه يُسهل على الطرف الروسي الضامن التخلص من أي التزامات أو تبعات قانونية أو سياسية لاحقة.

وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم السبت 22/ تموز/ 2017 عن توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية في ختام المفاوضات بين أفراد عسكريين روس من جهة، وبين فصيل جيش الإسلام من جهة ثانية، في العاصمة المصرية القاهرة، على أن يدخل الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ في الساعة 12:00 من اليوم ذاته. وفي يوم الأربعاء 16/ آب/ 2017 وقّع ممثل عن فيلق الرحمن وممثل عن الحكومة الروسية في مدينة جنيف اتفاقاً ينصُّ على انضمام فيلق الرحمن إلى منطقة خفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية، على أن يدخل هذا الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ عند الساعة 21:00 من يوم الجمعة 18/ آب/ 2017.

ونوّه التقرير إلى توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي في القاهرة يوم الإثنين 31/ تموز/ 2017، بين فصائل في المعارضة المسلحة في المنطقة والنظام السوري ممثلاً بالحكومة الروسية كطرف ضامن، على أن يدخلُ الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الخميس 3/ آب/ 2017. وشملت أهم بنود الاتفاقين الأخيرين وقفَ جميع الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة في المناطق المذكورة -باستثناء مناطق وجود تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام- والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق والإفراج عن المعتقلين -محلَّ اهتمام كل طرف.

وأشار أنه منذ دخول هذا الاتفاقات حيِّزَ التنفيذ شهدت المناطق المشمولة بها تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدَّل القتل، مقارنة مع الأشهر السابقة منذ آذار 2011 حتى الآن. لكن على الرغم ذلك فإنَّ الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام السوري، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لا يُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً الجهات الضامنة للاتفاق- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.

وتحدّث التقرير أنَّ نهاية الجولة السادسة من مفاوضات أستانة المنعقدة في 14 و15 أيلول شهدت إعلاناً عن تثبيت منطقة خفض التَّصعيد في محافظة إدلب وما حولها مع الإقرار بنشر قوات عسكرية (روسية، تركية، إيرانية) لمراقبة الاتفاق، والسَّماح بدخول المساعدات الإنسانية. إلَّا أنَّه في 19/ أيلول شنَّت قوات الحلف السوري – الروسي حملة عسكرية مُكثَّفة استهدفت بداية محافظة إدلب ثم ما لبثت أن توسَّعت لتشمل ريفي محافظتي حلب وحماة، والغوطة الشرقية بريف دمشق. وذكر التقرير إنّ الحملة جاءت إثر إعلان هيئة تحرير الشام مدعومة بعدد من فصائل في المعارضة (الحزب الإسلامي التركستاني، وجيش العزة، وجيش النخبة) عن معركة أطلقت عليها اسم “يا عباد الله اثبتوا” في شمال شرق محافظة حماة.

سجلَ التقرير في أيلول عودة قوات النظام السوري إلى سياسة قتل الإعلاميين بعد توقفٍ دامَ شهرين، مُتصدرة بقية الأطراف في هذا الشهر. كما استعادت القوات الروسية دورها في قتلهم بعد توقف دامَ 5 أشهر. فيما ذكر أنَّ هيئة تحرير الشام تستمرُّ في سياسة قمع الإعلاميين واعتقالهم في المناطق الخاضعة لسيطرتها للشهر الثالث على التوالي، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في عام 2017 لحصيلة الاعتقالات بحق الكوادر الإعلامية على يد قوات الإدارة الذاتية.

ووفق منهجية الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنَّ المواطن الصحفي هو من لعب دوراً مهماً في نقل ونشر الأخبار، وهو ليس بالضرورة شخصاً حيادياً، كما يفترض أن يكون عليه حال الصحفي، وإن صفة المواطن الصحفي تسقط عنه عندما يحمل السلاح ويشارك بصورة مباشرة في العمليات القتالية الهجومية، وطيلة مدة مشاركته بها.

استعرض التقرير 5 روايات، وتحدَّث عن منهجية عالية في التوثيق تعتمدها الشبكة السورية لحقوق الإنسان عبر الروايات المباشرة لناجين أو لأهالي الضحايا، ونشطاء إعلاميين محليين، وعبر عمليات تدقيق وتحليل الصور والفيديوهات والتسجيلات الطبية التي ترِدُ فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي بدوره يحتفظُ بنسخٍ من جميع مقاطع الفيديو والصور المذكورة في هذا التقرير ضمن قاعدة بيانات إلكترونية سرية، ونسخٍ احتياطية على أقراصٍ صلبة. وذكر التقرير أنَّ فريق الشبكة يواجه تحديات وصعوبات كبيرة أمنية ولوجستية في ظل الحظر والملاحقة من قبل قوات النظام السوري وبعض المجموعات المسلحة الأخرى. لذلك فإننا نُشير دائماً إلى أن جميع هذه الإحصائيات والوقائع لا تمثل سوى الحد الأدنى من حجم الجرائم والانتهاكات التي حصلت.

سجل التقرير مقتل 36 من الكوادر الإعلامية على يد الجهات الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ مطلع 2017، واستعرض أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين في أيلول 2017، حيث سجل مقتل إعلاميَين اثنين على يد قوات النظام السوري، وإعلامياً واحداً على يد كل من القوات الروسية وهيئة تحرير الشام.

فيما وثَّق التقرير 4 حالات اعتقال تم الإفراج عنها على يد هئية تحرير الشام، و4 حالات اعتقال على قوات الإدارة الذاتية تم الإفراج عن 2 منها، وحالة خطف واحدة تم إطلاق سراحها على يد جهات أخرى. كما وثق إفراج فصائل في المعارضة المسلحة عن إعلامي واحد.

وذكر التقرير أنّ إعلامياً واحداً أُصيب جراء قصف القوات الروسية.

وأشار التقرير إلى ضرورة التحرك الجاد والسريع لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من العمل الإعلامي في سوريا، وأكد على ضرورة احترام حرية العمل الإعلامي، والعمل على ضمان سلامة العاملين فيه، وإعطائهم رعاية خاصة.

كما أوصى لجنة التحقيق الدولية بإجراء تحقيقات في استهداف الإعلاميين بشكل خاص، ومجلس الأمن بالمساهمة في مكافحة سياسة الإفلات من العقاب عبر إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

كما أوصى المؤسسات الإعلامية العربية والدولية بضرورة مناصرة زملائهم الإعلاميين عبر نشر تقارير دورية تسلط الضوء على معاناتهم اليومية وتخلد تضحياتهم.

وأوصى الضامن الروسي بضرورة ردع النظام السوري عن إفشال اتفاقيات خفض التصعيد، والبدء بتحقيق اختراق في قضية المعتقلين عبر الكشف عن مصير 76 ألف مختفٍ قسرياً.




المصدر