(حرمون) و(إيرام) يبحثان: العلاقة بين روسيا وإيران استراتيجية أم تكتيكية؟



بحث الحضور في ورشة العمل المشتركة، بين مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة ومركز الدراسات الإيرانية في أنقرة (إيرام)، والتي عُقدت اليوم السبت في العاصمة التركية أنقرة، محدداتِ العلاقات الإيرانية-الروسية وتجلياتها في سورية، مؤكدين أن العلاقة بين البلدين ليست استراتيجية، وإنما هي تكتيكية، في حين ذهب البعض إلى أن هذه العلاقة “تكتيكية”، وهي هشة أيضًا.

السفير الإيراني في أذربيجان سابقًا الدكتور أفشار سليماني قال في مداخلته: إن “روسيا، في واقع الأمر، تفضل التعاون مع إيران خارج مناطق النفوذ الروسي”، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن هناك تعاونًا بين البلدين، لكن هدا التعاون لم يصل إلى مستويات عليا.

وأضاف: “إذا تابعنا تصرفات وسلوكيات روسيا؛ فإننا نستنتج أن لكلا البلدين (روسيا وإيران) خصوصيات متباينة تمامًا”، وقال: “بعد الثورة الإيرانية، وخاصة الحقبة التي تشمل 40 سنة، لا يمكن أن نقول إن العلاقات جيدة، بغض النظر عن تاريخ العلاقات بين البلدين، ولا ننسى أن هناك قرارات سلبية اتخذتها روسيا بحق إيران، وخصوصًا أن روسيا رفعت الفيتو أمام إيران”، مؤكدًا أن “إيران تخاف من انقلاب روسيا عليها”.

وأوضح مبينًا بعض تفاصيل العلاقة بين البلدين: “على أرض الواقع، نجد أن هناك تحفظًا من الجانب الروسي تجاه إيران، وهذا أمرٌ يطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة هذه العلاقة. روسيا حاولت توظيف إيران في مواجهة أميركا”، وأشار إلى أنه “لم يكن هناك تعاون استراتيجي بين البلدين، بل تعاون جزئي”.

بدوره، قال الباحث الدكتور محمود حمزة: إن “من الصعوبة بمكان تصنيف العلاقات الروسية الإيرانية بأنها استراتيجية أو تكتيكية؛ إذ إن هناك قضايا كبرى تربط البلدين، في البرنامج النووي مثلًا، وفي التعاون في برنامج النفط مقابل الغذاء، والتعاون في سورية، وفي العداء الظاهري للغرب، وفي محاربة الإرهاب السني”.

أضاف: “نتذكر قول أحد المحللين السياسيين الروس: إن العلاقة بين إيران وروسيا تشبه (زواج المتعة)، أي هي علاقة تكتيكية وليست استراتيجية. ثم إنّ هناك حقيقة أخرى، وهي أن القيادة الإيرانية تحلم بإقامة علاقات جيدة مع الغرب وأميركا، وكذلك القيادة الروسية التي ترتبط مصالحها الاقتصادية بالغرب إلى درجة كبيرة، لذلك يخشى الطرفان (الروسي والإيراني) من أن يبيعه الطرف الآخر للغرب”.

الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى في المنطقة

يرى الباحث، في (معهد دراسات السلام) في فنلندا، حسين علي زادة أن “الأزمة السورية لم تكتف بالحرب الأهلية، وإنما عرّت مصالح روسيا وإيران في المنطقة”، مشيرًا إلى أن “المشكلة في سورية -اليوم- مشكلة عالميّة وليست محلية”.

وقال: إن “تدخل روسيا في الأزمة السورية جاء في زمن أوباما، ولم تكن الأمم المتحدة موجودة في المنطقة. إن روسيا بوتين تفكر كيف تواجه واشنطن في المنطقة”، وأضاف: “روسيا هاجمت جورجيا بشكل مفاجئ، وهي إشارة إلى الحرب الباردة الجديدة، وإلحاق القرم إلى روسيا أيضًا يأتي في هذا السياق”.

أشار علي زادة إلى أن “روسيا وقّعت على كل العقوبات الخاصة بإيران في الأمم المتحدة، في حين لم توقع على مثيلاتها بحق النظام السوري”، وتابع: “النظام الإيراني قرّر -لأول مرة في تاريخ إيران- السماحَ لروسيا باستخدام مطار همدان، من أجل شن غارات جوية على سورية”. وتساءل: “لماذا تم إشعال الفتيل من داخل الأراضي الروسية؟ السبب في ذلك هو قرار سرّي، وعلى الرغم من أن الإيرانيين لم يتحدثوا حول الموضوع، إلا أن روسيا صرحت عن ذلك علنًا، وهو ما أدى إلى صدمة عند الإيرانيين”، وأكد أن “روسيا لا تريد أن تكون هناك اتفاقية طويلة الأمد مع إيران”.

في السياق ذاته، قال عبد السلام سليمي، وهو كاتب في وكالة (الأناضول): إن “روسيا ما كانت تساعد إيران، بل كانت تساعد العراق، نحن كنا نحاول أن نشتري الأسلحة الروسية من الجزائر، أو من الدول الأخرى التي باعتها إياها روسيا”، موضحًا أن “الرأي العام الإيراني هو ضد روسيا، ودائمًا كانت نظرة الخبراء تجاه روسيا سلبية، كما أن حراس الثورة يحملون الفكرة نفسها، وأحد قادة القوات البحرية يقول: إن قصف صاروخ روسي من بحر قزوين، عبر الأراضي الإيرانية، هو انتهاك للحقوق السيادية الجوية الإيرانية. كما أن هناك تصورات أن روسيا لن تقدم شيئا لإيران حول سورية”. ونبه إلى أن “أحد الأكاديميين الإيرانيين قال: إن الخنجر الروسي حاضر، وما إن تفرغ موسكو من سورية؛ فسيتم غرسه في طهران”.

من جهة ثانية، يرى الدكتور صالح يلماز، وهو مدرّس في جامعة (يلدريم بيازيد)، أن “روسيا وإيران كلاهما يدافع عن الأسد، ونستطيع القول إن الأفكار التي تدافع عنها إيران تُنفذ من قبل روسيا، ثم إن العلاقات الإيرانية الروسية تتطور، وفق مبادرات روسيا، ولا نرى مبادرات إيرانية، لأن الأخيرة تعلم أن نظام الأسد في الزاوية”.

حول ما يتعلق بسياسة روسيا في سورية، قال: “نرى أن روسيا نجحت هناك، فروسيا عندما دخلت سورية فرضت على الاتحاد الأوروبي وأميركا أن يكون هناك اتفاق بينهم على جزيرة القرم، كما أن روسيا -من خلال تدخلها في الملف السوري- أظهرت أن الولايات المتحدة الأميركية أخفقت في سورية، وأسقطت معها فكرة أن الولايات المتحدة هي المهيمن”.

وقال: إن “روسيا تريد فرض سيطرتها على الشرق الأوسط، لأن المنطقة غنية بالغاز الطبيعي والبترول؛ ونرى أن في دير الزور صراعًا روسيًا-أميركيًا، من أجل السيطرة على النفط ليس في سورية فحسب، بل النفط الذي يمر عبر المنطقة أيضًا”.

أضاف: “روسيا أرسلت الجهاديين إلى سورية، وقضت عليهم في سورية، لتفرض سيطرتها عليهم، وبسبب الأزمة السورية، نرى زيادة في نسبة الولادات في روسيا، ليكون هناك جيل شاب، وفي الفترة الأخيرة، لوحظ تعاون البلدان المحيطة بسورية مع روسيا، وهو نجاح للسياسة الروسية في المنطقة، وستسعى إلى الاستفادة من هذه البلدان في مواجهة الولايات المتحدة”.

معوقات التعاون الروسي الإيراني

الكاتب والمحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان قال: إن “أهداف إيران هي إنقاذ النظام السوري، وبشكل أهم، تمكين النفوذ الإيراني في المنطقة”، موضحًا أن “بين موسكو وطهران مصالح مشتركة، في مواجهة النفوذ الأميركي”.

وأكد أن “ليست هناك علاقة استراتيجية بين إيران وموسكو، وإذا بحثنا في التفاصيل؛ فسنرى أن هذه التكتيكات هشة. روسيا تريد إنقاذ النظام، لكن من خلال المحافظة على المؤسسات الموجودة في الدولة، أما بالنسبة إلى إيران، فإن إنقاذ النظام هو بقاء الأسد، لأن بينهما حسابات”.

العلاقة الروسية الإيرانية -كما رأى بدرخان- تواجه عدة معوقات، منها أنه “بعد أقل من شهرين من التدخل، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نوعًا من الاتفاق، مفاده أن (إسرائيل) تستطيع أن تواصل عملياتها، من دون أن تأخذ بالحسبان الوجود الروسي”، وأوضح أن “(إسرائيل) أصبحت أكثر وقاحة بغاراتها، ولا وجود لأي عائق أمامها؛ ولذلك لا يمكن أن يُراهن على الشراكة الروسية الإيرانية، من جانب الإيرانيين خصوصًا”.

أضاف أن “إيران كانت تعتبر أن النتيجة الطبيعية من تدخلها في سورية هي أن يكون لها قاعدة على الأقل في سورية، وروسيا لوّحت لمسؤولين في النظام أنه لا يمكن أن يكون هناك أي قاعدة إيرانية على الساحل السوري”.

وتابع: “الروس لا يقبلون أن يتعاطى الإيرانيون مع موضوع الفوسفات، وهناك اتفاق واضح بهذا الشأن، حيث تقوم شركة روسية كبيرة، بالتنقيب عن الفوسفات في سورية، كما أن الروس لن يسهلوا لشركة اتصالات إيرانية أن تعمل في سورية، يمكن أن يكون هناك شراكة، لكن ليس بشكل جوهري”.




المصدر
صبحي فرنجية