‘ غازيتا آر: الشيوعية وفق النموذج الصيني: الرئيس يعوّل على الجيش’
7 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
عسكر الصين يستعدون للحلول مكان “الكومسوموليين” في السلطة
الصورة: Aly Song/Reuters
مقدمة موجزة
في الثامن عشر من تشرين أول/ أكتوبر، سيُعقد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وهو حدثٌ يوازي، من حيث الأهمية -بالنسبة إلى الصين والعالم- أهميةَ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية. تبحث صحيفة (غازيتا. Ru) ما يجري في الصين، قبيل هذا المؤتمر، وكيف ستؤثر نتائجه على شركاء بلاد السماء.
الكوادر تقرر كل شيء
كما كانت مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي أهم حدثٍ سياسي في الاتحاد السوفيتي، فإن مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني هو الآخر، يشكل علامةً فارقة في عملية دوران القيادة الصينية العليا. 2300 مندوبٍ إلى المؤتمر، يمثلون جميع لجان الحزب المناطقية، الجيش، قوات الشرطة، القيادة المركزية، يمثلون القوة العليا لسلطة النُخبة في الصين، ويتخذون أهم القرارات، بما فيها القرارات التي تخص كوادر جمهورية الصين الشعبية.
ينعقد المؤتمر مرةً كل 5 سنوات. وكان المؤتمر السابق الذي حاز فيه الرئيس الصيني (شي جين بينغ) ورئيس مجلس الوزراء (لي كي تسيان) على منصبيهما، قد عُقدَ عام 2012. هذا العام، سينعقد المؤتمر، بحسب التقاليد، في منتصف الخريف الدافئ في الصين 18 تشرين أول/ أكتوبر.
يتم في المؤتمر تجديد واسع لكوادر الدولة. كما أن إحدى أهم مهمّات المؤتمر تتمثل بانتخاب أعضاء المكتب السياسي الذين يعدّون القيادة العليا للبلاد. بحسب المؤتمر الحالي، سيحتفظ الرئيس (شي) ورئيس الوزراء (لي) بمنصبيهما. ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد مؤامراتٌ خفية داخل كواليس هذا الحدث السياسي البارز.
سيغادر خمسةٌ من أعضاء المكتب السياسي السبعة موقعَهم، وقد تغيّرُ القيادات الشابة التي ستحل مكانهم مسارَ السياسة الصينية بشكلٍ كامل. تغيير الكوادر يشغل مركز اتخاذ جميع القرارات السياسية في الصين. إنه حدثٌ بالغ الأهمية، غير أن الخاصية الأهم التي سيتميز بها هذا المؤتمر ليست هنا.
(شي) متعدد المسارات
إذا كان المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني سيعقد في أجواءٍ هادئة نسبيًا، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 8-10 بالمئة في العام، وكانت البلاد تعيش حالة اجتماعية مستقرة، وثقة المجتمع بالمستقبل كبيرة؛ فإن خلفية انعقاد المؤتمر التاسع عشر أقل ملاءمة.
تحقق الصين معدلات نمو اقتصادية مرتفعة، أما المشكلات الاجتماعية التي يتم تأجيل حلها لسنواتٍ طويلة، فتشهد بداية توتراتٍ في المناطق. في الوقت نفسه، يواجه الحزب الشيوعي مشكلات مع الخارج. تتفاعل النزاعات الحدودية مع أقرب الجيران، بينما تتزايد التناقضات بين بكين وواشنطن، بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية. ومن المعروف أن ترامب قد أعلن أن الحماية ستكون صلب سياسته، الأمر الذي لا يمكن إلا أن ينعكس سلبًا على الصين، باعتبارها الشريك التجاري الرئيس للولايات المتحدة الأميركية.
تقف أمام الرئيس (شي) مهمة إبقاء السلطة بيد الحزب الشيوعي، وتفادي تطور الأحداث وفق السيناريو السوفيتي. ولإنجاز هذه المهمة، يحاول الرئيس الصيني أن يضع في الأماكن الشاغرة في المكتب السياسي أكبر عددٍ ممكن من أعضاء فريقه، ليركز السلطة حول شخصه، إلى أقصى درجة.
كل شيءٍ كما عند الآخرين
إلى جانب الهيمنة الشكلية الكاملة للحزب الشيوعي، يوجد في الصين عشائر ومجموعات، ليس بالضرورة متصارعة فيما بينها، ولكنها تتمسك بوجهتي نظرٍ متباينتين، تلغي إحداهما الأخرى، حول مستقبل جمهورية الصين الشعبية.
بعد أحداث عام 1989 وصولًا إلى عام 2012، كانت تهيمن على السلطات في الأقاليم قوًى، يمكن وصفها مجازًا بـ “أنصار العولمة الموالية لأميركا”. وينتمي إلى هذه القوى عشيرتان سياسيتان كبيرتان: مجموعة شنغهاي والكومسمول، اللتان يرعاهما الأمناء العامون السابقون للحزب الشيوعي الصيني، (تسيان زيمين) و (هو تسين تاو). مجموعة شنغهاي تمثل نُخَب قطاع المال الصيني، أما مجموعة الكومسمول، فتمثل نُخبة الأعمال. وهذه المجموعات بالتحديد، هي من فتحت سوق الصين، في حينه، أمام البضائع الغربية وجذبت سيل الاستثمارات المالية إلى البلاد.
في ذلك الوقت، كان (شي) وحلفاؤه قريبين من مجموعة شنغهاي، المستفيد الأكبر من الإصلاحات ومن اندماج الصين في السوق العالمية، بعد خروج تحالف (دين سياو بين) السيشواني (مقاطعة سيشوان جنوبي الصين) من السلطة عام 1989. ولكن (شي) بعد وصوله إلى السلطة بدأ بتشكيل مجموعته السياسية الخاصة به، وليصبح جنرالات جيش التحرير الشعبي الصيني، القادمين من المقاطعات الشمالية (شين سي) و(شان دون) ركيزتها المتينة.
تمثل مجموعة (شي)، والجيش والنخب في بعض الأقاليم الداخلية، القوى الانعزالية في الصين. فهم يرون أن الصين بحاجةٍ إلى أن “تحجب نفسها” عن الوجود الغربي، وإلى التركيز على حل المشكلات الداخلية، بتضييق الخناق على المنتجين الأجانب، بما في ذلك المستوردين. يتقدم حلفاء (شي) وجزءٌ من قوى العولمة في المناطق، في محاولةٍ لإغراق المنافسين الأقوياء واستلام مواقعهم. على سبيل المثال، المصدرون من مقاطعة (فوتس زيان) الذين أصبحوا مقربين جدًا، من الرئيس (شي).
المواجهة بين “حزب” أنصار العولمة والانعزاليين تذكرنا -في كثيرٍ من مظاهرها- بالنزاع المستعر بين الديمقراطيين والجمهوريين، في الولايات المتحدة الأميركية.
السجل الذي خرج عن السيطرة
خلال سنوات حكم (شي) الخمس الماضية، شن الرئيس الصيني حملةً تطهيرٍ غير مسبوقة منذ “الثورة الثقافية” في صفوف الحزب، بذريعة محاربة الفساد. نهاية تموز من هذا العام، وبعد توجيه تهمٍ بالفساد؛ اعتقل المنافس على منصب رئيس وزراء البلاد لعام 2022 ، السكرتير الأول لمدينة (تشون تسين) وأحد أكثر ممثلي مجموعة الكومسمول الواعدين (سون تيجنتساي). جاء الاعتقال بمثابة خرقٍ فاضحٍ لحالة التوازن القائمة بين النُخب في الصين، والذي أمّن الاستقرار السياسي في البلاد، في عشرين سنة الماضية.
خرق اعتقال عضوٍ، يمارس عمله في المكتب السياسي لمؤتمر الحزب الثامن عشر، القاعدةَ غير المعلنة، والتي تتناوب على السلطة بموجبها مختلف المجموعات. أعطى (هو تشين تاو)، وهو الأمين العام السابق للحزب الشيوعي، الجيشَ بزعامة (شي) الضوءَ الأخضر للعودة إلى السياسة، بانتظار أن يكون على رأس السلطة ممثلو الكومسمول، في عام 2022.
مهمة (شي) بتركيز السلطة الفائقة بيده تناقض هذه الممارسة (تناوب السلطة). لذا كان على الرئيس إما القضاء التام، أو على الأقل تحجيم نفوذ القوى الداعية للعولمة، كمجموعة شنغهاي أو مجموعة الكومسمول. من وجهة نظره، تفتقر الصين إلى قوةٍ سياسية، تتولى القيادة وتكون قادرةً على جمع البلاد حولها. والآن، يحاول الجيش أن يكون هذه القوة.
بين (ستيلا وهاربيدا)*
يتبنى جيش التحرير الشعبي الصيني موقفًا أكثر راديكاليةً من الرئيس (شي). وقد عبّر كثيرون من طبقة الجنرالات، غير مرةٍ، عن فكرةٍ تقول إن الحزب استنفد نفسه كجهاز إدارةٍ للبلاد. منذ عام 2015، قال ممثل جيش التحرير الشعبي: “النظرية لا تدحضها نظريةٌ أُخرى وحسب، ولكنها قد تتحطم في مواجهة المشكلات الاجتماعية. وإذا لم تحل النظرية (الماركسية-اللينينية) القضايا الاجتماعية؛ فهي لن تلزم المجتمع أكثر”. (صحيفة غازيتا).
عند وصول (شي) إلى السلطة، أظهر الجنرالات استعدادهم للتعاون مع قوى العولمة، وحاولوا في الوقت نفسه إظهار معارضتهم. حاليًا، يتهيّأ الجيش بقوة لـ “حروبٍ صغيرة منتصرة”، على أي جزءِ من الحدود الصينية. على خلفية الزيادة المستمرة في ميزانية القوات المسلحة، بذريعة مواجهة التهديدات الخارجية؛ ينجرّ الجيش أكثر وأكثر إلى معترك السياسة.
تعترض الرئيسَ معضلةٌ: فمن جهة، عليه بناء جيشٍ قوي، يكون قادرًا على التصدي للمحاولات الأميركية تقويض موقف الصين في أوراسيا. ومن جهةٍ أخرى، عليه عدم السماح بتقوية الجنرالات، بحيث لا يفقد السيطرة عليهم.
أمرٌ واحدٌ يمكن تأكيده بثقة: ستكون مجموعة الكومسمول الموالية للولايات المتحدة الأميركية الطرف الخاسر في هذا النزاع المحتدم؛ ذلك أن المناصب الاقتصادية العليا التي يشغلها أنصار العولمة الآن، ستكون من نصيب مجموعة الرئيس (شي).
الولايات المتحدة الأميركية -في الوقت الراهن- هي الشريك الاقتصادي الأكبر للصين. وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين قرابة 600 مليار دولار، أي عشرة أضعاف التبادل التجاري مع روسيا. غير أنه كلما كان عدد أنصار الرئيس (شي) في المكتب السياسي أكبر؛ أصبح التعاون في المجال الاقتصادي بين روسيا والصين أقوى.
في الوقت الحالي، الكثير من أسواق الصين مغلقةٌ أمام روسيا. ويشغلها الأميركيون وشركاؤهم. مثالٍ بسيط: على الرغم من وجود اتفاقاتٍ باستيراد الصين للحبوب واللحوم من روسيا، فإنها لم تفعّل حتى الآن. والسبب في ذلك، أن وزير الزراعة الصيني هو من الكومسمول، ويشغل هذا المنصب منذ 10 أعوام. إن استفادة روسيا من احتمال زيادة التصدير إلى جمهورية الصين الشعبية، تتعلق بدرجةٍ كبيرة بنجاح استراتيجية الرئيس (شي).
(*) ستيلا و هاريبدا: من وحوش الأساطير الإغريقية (أوديسا). كان الوحشان يقبعان عل صخور تتحكم بمضيق ميسينا، وهو طريق إجباري، على السفن عبوره.
اسم المقالة الأصلية
Коммунизм по-китайски: председатель ставит на армию
كاتب المقالة
ألكسي غريازوف، بالتعاون مع نيكولاي فافيلوف رئيس تحرير “الصين الجنوبية”
مكان وتاريخ النشر
غازيتا آر. يو. 2 تشرين أول 2017
رابط المقالة
https://www.gazeta.ru/politics/2017/09/30_a_10912592.shtml
ترجمة
سمير رمان
سمير رمان