إسرائيل ماضية نحو حرب ضد إيران مسرحها سوريا
8 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن إيران تربحُ محاولتها للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. وتحشد تل أبيب قواتها لمواجهة إعادة التنظيم الإقليمي التي تهدد بها السيطرة الإيرانية، وتُركِزُ الحملة العسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية على سوريا. منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، نفذَ سلاح الجو الإسرائيلي عشرات الغارات ضد مواقع وقوافل قوات نظام الأسد ومليشيا حزب الله اللبناني بهدف منع نقل أنظمة السلاح من إيران إلى حزب الله في لبنان. وفي توسيع واضح لمدى هذه الحملة الجوية، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي يوم السابع من أيلول/سبتمبر منشأة أسلحة في سوريا بالقرب من مدينة مصياف، مسؤولة عن تصنيع الأسلحة الكيميائية وتخزين صواريخ أرض-أرض.
جاءت هذه الضربة الجوية عقبَ جولةٍ دبلوماسية خَلُصَ المسؤولون الإسرائيليون فيها إلى أن مخاوفهم من تطور الوضع في سوريا لم تُؤخذ على محمل الجد بما فيه الكفاية في الولايات المتحدة وروسيا على حدٍ سواء. وفي أواخر أغسطس/ آب الماضي، زار واشنطن وفدٌ إسرائيلي رفيع المستوى برئاسة يوسي كوهين رئيس جهاز الموساد، وخلال الزيارة، أعرب الوفد عن عدم رضا إسرائيل بشأن التفاهم الناشئ بين واشنطن وموسكو حول سوريا. وبدوره، التقى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، نظيره الروسي في سوتشي لإثارة المخاوف ذاتها مع موسكو.
شعرَ الإسرائيليون بخيبة أملٍ في كلتا الحالتين إزاء الردود التي تلقوها، إذ أن قلقهم الأهم في سوريا هو الحكم الحر الذي يبدو أن كل اللاعبين الرئيسيين هناك على استعداد لأن يمنحونه لإيران ومختلف وكلائها في البلاد. وطالما أن الجميع يديرُ ظهرهُ لتلك المخاوف الإسرائيلية، فإن تل أبيب تبدو عازمة على مواجهتها بمفردها.
واليوم، تتواجد القوات الإيرانية بالقرب من الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من مرتفعات الجولان ومعبر القنيطرة الذي يفصله عن الجزء الواقع تحت السيطرة السورية. وقد لاحظت تل أبيب على مدى الحرب في سوريا، رغبة الإيرانيين ووكيلهم حزب الله اللبناني في إنشاء هذه المنطقة كخطٍ ثانٍ من المواجهة الفعلية ضد الدولة اليهودية، يُضافُ إلى جنوب لبنان.
ولا تكادُ سوريا التي نعرفها تتواجد اليوم، حيث أن نظام دمشق بات دمية في أيدي أسياده الروس والإيرانيين ناهيك عن أن نصف البلاد لا يزال خارج سيطرته، بيد أن الكتلة التي تتزعمها إيران حاضرة اليوم بهدفها المعلن وهو تدمير إسرائيل في نهاية المطاف. وقد يكون العازل بحكم الواقع يختفي بين تل أبيب وطهران. هذا وأعلن حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، مؤخراً “انتصاره” في الحرب السورية مضيفاً أن ما تبقى ليس إلا “معارك متفرقة” على حد تعبيره.
ومع احتمال وصول القوات المؤيدة لإيران إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، فإن هذا يفتح الباب أمام إمكانية أن يمتد “الممر البري” الإيراني دون انقطاع من إيران نفسها إلى مسافة بضعة كيلومترات فقط عن مرتفعات الجولان السورية التي تسيطر عليها إسرائيل. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أسقطت تل أبيب طائرة استطلاع إيرانية فوق مرتفعات الجولان حيث كانت هذه الطائرة أحدث دليل على الأنشطة الإيرانية على الحدود. وأشارت تقارير المعارضة السورية إلى التواجد الإيراني في مناطق تل الشعار وتل أحمر، ومقرات الفرقة 90 والمتاخمة جميعها للحدود السورية- الإسرائيلية.
في هذه الأثناء، تذهب القوات الموالية لإيران بعيداً في طموحاتها، حيث شكلت مليشيا حزب الله النجباء العراقية الشيعية المدعومة إيرانياً، وحدة عسكرية باسم “وحدة تحرير الجولان” وأعلنت جاهزيتها للتحرك لتحرير المرتفعات. وأظهرت صور التُقِطَت في أماكن قريبة من الحدود، شخصيات بارزة في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وقوات الباسيج.
وقد أحبطت إسرائيل حتى الآن هذه الطموحات بطريقتين: أولاً، شنت تل أبيب هجمات لإحباط ومنع إنشاء بنية تحتية شبه عسكرية في المنطقة. وفي عملية شهيرة، اغتالت تل أبيب جهاد مغنية نجل عماد مغنية القائد العسكري لمليشيا حزب الله اللبناني، في غارة جوية موجهة استهدفت مزرعة أمل في القنيطرة في كانون الثاني من عام 2015. وقتل في تلك الغارة أيضاً 5 عناصر آخرين في حزب الله بالإضافة إلى محمد اللهددي الجنرال في الحرس الثوري الإيراني.
ثانياً، طورت تل أبيب علاقات عمل براغماتية مع فصائل الثوار المحلية التي لا تزال حتى اللحظة تسيطر على الجزء الأكبر من الحدود، مثل جماعة فرسان الجولان. ويُرَكِزُ هذا التعاون على علاج المقاتلين والمدنيين الجرحى وتوفير المساعدات الإنسانية والدعم المالي. ومن المحتمل أيضاً أن يكون هناك تعاون استخباراتي بين الجانبين بالرغم من غياب الأدلة على التزويد المباشر بالسلاح أو المشاركة المباشرة للقوات الإسرائيلية نيابة عن الثوار.
في التاسع من تموز الماضي، جرى الإعلان عن وقف إطلاق للنار جنوب غرب سوريا بوساطة أمريكية روسية مباشرة. يطرحُ هذا الاتفاق إقامة منطقة خفض للتصعيد جنوب غرب سوريا في محافظتي درعا والقنيطرة. ولا تزال تفاصيل منطقة خفض التصعيد في إطار التفاوض حتى اللحظة، بيد أن تل أبيب تشعر بقلق عميق من أن تُعقِّد هذه المنطقة الإجراءات الإسرائيلية القائمة فعلاً ضد تسلل إيران إلى الحدود.
وإذا ما انتهت الحرب، فسوف تصبح المقاومة المادية لتجاوز الحدود أكثرَ تعقيداً و قد لا تكون رعاية الثوار مسألة ذات صلة. وحتى الآن، يبدو أن محاولات روسيا طمأنة إسرائيل بأن شروط وقف إطلاق النار تستجيب بدقة لمخاوف تل أبيب، قد أخفقت في هذا الصدد. وتشير أحدث التقارير الإعلامية الخاصة بالمفاوضات حول منطقة خفض التصعيد إلى أن الولايات المتحدة قد توصلت إلى اتفاق مع روسيا يقضي بإبعاد المليشيات الموالية لإيران مسافة 25 ميلاً عن الحدود الإسرائيلية.
تتجاوز المسألةُ الترتيبات الخاصة بالطرف الجنوبي الغربي من سوريا. وتشعر تل أبيب بالقلق إزاء طموحات طهران الممتدة في المنطقة. ولوحِظَت جيداً في القدس، تصريحات حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بأن حرباً مستقبلية ضد إسرائيل لربما تضم مزيداً من المليشيات الموالية لإيران إلى الجماعات اللبنانية. ونقلترويترز عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتز قوله خلال مؤتمر صحفي عقده في هرتزيليا مؤخراً، أنه في حال اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله لربما يكون الحزب قادراً على الاستفادة من ميناء بحري إيراني وقواعد برية وجوية و”عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الذين يتم استقدامهم من دولٍ عدة”.
ومؤخراً، نشرت صحيفة القدس العربي في لندن، تقريراً يصف المخططات الإيرانية لإفراغ المناطق بين العاصمة دمشق والحدود اللبنانية من سكانها العرب السنة وطردهم واستبدالهم بشيعة موالين للنظام من مناطق أخرى من البلاد أو حتى من خارجها. وتميل الثقافة الاستراتيجية الإسرائيلية للتأكيد على مواجهة التهديدات المباشرة، بيد أن هذه التطورات الديموغرافية المحتملة هي الأخرى تُراقَب عن كثبٍ في تل أبيب.
تشكل جميع هذه التطورات صورة أكبر ترى فيها إسرائيل تحولاً كبيراً في ميزان القوى الإقليمية لصالح الكتلة التي تقودها طهران في المنطقة. وبات كل شخص كان قد حصل على إحاطات من قبلِ كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين خلال السنوات القليلة الماضية، على دراية بمفهوم المنطقة على أنها مقسمة إلى أربع كتل واسعة: إيران وحلفاؤها /الشيعة أساساً/، مجموعة مفككة من الدول المعارضة لإيران وتشمل الأنظمة العربية الاستبدادية في منطقة الخليج /باستثناء قطر/، ومصر والأردن وإسرائيل نفسها، تحالف قوى إسلامية سنية محافظة مثل تركيا وقطر وحركة حماس الفلسطينية والإخوان المسلمين والثوار العرب السنة في سوريا، وأخيراً، الشبكات الإقليمية التابعة للسلفية الجهادية السُنية وأهمها تنظيما الدولة الإسلامية والقاعدة.
وهناك أمور تشوب هذه الصورة، بيد أنها تحتوي على تبسيطات في الوقت ذاته وأبرزها أنه لطالما كان الحد الفاصل بين الإسلاميين السُنة المحافظين والسلفيين، غير واضح. وهناك أيضاً حدُ غير واضح يبُدي خلاله الحكام المستبدون من أمثال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شيئاً من التعاطف مع الرئيس السوري بشار الأسد. ومع ذلك، أتت هذه الصورة أُكُلَها متمسكة بالكثير من الحقائق الواضحة في الشرق الأوسط على مدى عقدٍ ونصفٍ ماضيين.
والحقيقة أن الصفائح التكتونية لهذه الصورة تتحرك اليوم وبالأخص نحو الإضرار الواضح بالمخيمين المرتبطين بالإسلام السياسي السُني. وإن فترة الاضطرابات العربية عام 2010 والتي برزت فيها القوى الإسلامية والسلفية لفترة وجيزة، لهي اليوم قوة مستنفدة- يتراجع المستفيدون منها وأحياناً يحجبهم الحكام المستبدون السُنة والقوات الموالية لإيران. وتسعى حركة حماس لإعادة بناء علاقاتها مع إيران، بينما يقبع الرئيس المصري السابق محمد مرسي في السجن، أما في تونس، فيشكل الإسلاميون عنصر الأقلية في حكومتها، وتتعرض قطر إلى هجوم من جانب السعودية والإمارات إزاء مواقفها خلال السنوات الأخيرة. وإلى سوريا، فقد تقطعت السُبُل بالثوار العرب السنة /الذين كانوا السبب الرئيسي لولادة هذه المجموعة/ ونراهم اليوم يقاتلون في سبيل البقاء فقط ودون أمل بالانتصار على نظام الرئيس الأسد. ويُحجَبُ السلفيون أيضاً على الأقل كخصومٍ سياسيين.
وبعيون إسرائيلية، تشبه هذه العملية الحقيبة المتنوعة، حيث أن الإسلاميين السنة هم أعداء لتل أبيب بكل تأكيد. وترحب إسرائيل في معظم الأحيان بفشل الإسلاميين بتحقيق كتلة دائمة في السلطة. وعلى سبيل المثال، يصف كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين انقلاب السيسي عام 2013 والذي أطاح بحكم الإخوان المسلمين بأنه “ضرب من المعجزات”. أما في سوريا، فقد استفادت جهود الثوار الإسلاميين السُنة على الأقل من تشتيت انتباه العدو الأكبر المتمثل بالكتلة الإقليمية التي تقودها إيران. وعلى مدى خمس سنوات، كانت إسرائيل قادرة إلى حد كبير على أن تنعم بالأمن بينما كان الإسلام السياسي السني والشيعي يصارع الموت شمال وشرق الحدود. وعلى أي حال، يبدو أن التدخل الروسي والإيراني في سوريا قَلَبَ موازين القوى ضد الثوار السُنة مُهدداً بإنهاء الفصل الطويل من الحرب الأهلية الفعلية في البلاد.
ومن وجهة نظرٍ إسرائيلية، فقد عاد الشرق الأوسط إلى ما قبل العام 2010، عندما أدركت تل أبيب ومعها القوى السنية المؤيدة للغرب أنهم كانوا بمواجهة مباشرة مع الإيرانيين وحلفائهم. ولكن في عام 2017 يتواجد اليوم عامل تعقيد إضافي يتمثل بالحضور الروسي المباشر في الشرق، ضمن تحالف أو على الأقل تعاون مع أعداء إسرائيل.
ولم تفعل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، التي تركز على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية حصراً، إلا القليل والقليل لتهدئة مخاوف تل أبيب. وبطبيعة الحال، يشاطِرُ ترامب ومن حوله، إسرائيل بخصوص تقييمها المتعلق بتحدي الطموحات الإقليمية الإيرانية. ومع ذلك، فإن الانطباع السائد هو أن الإدارة الأمريكية قد لا تكون مركزة بما فيه الكفاية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف التقدم الإيراني العسكري والسياسي في سوريا والعراق أو لبنان.
أين يترك هذا إسرائيل؟!
أولاً، لا تزال الطرق الدبلوماسية الإسرائيلية لسماسرة القوة الدولية مفتوحة في سوريا. وعندما يتعلق الأمر بواشنطن، فإن مهمة تل أبيب تكمن في تحديد أو الحث على استراتيجية أمريكية أكثر تماسكاً لمواجهة التقدم الإيراني في الشرق؟ وهدف هذه الاستراتيجية عندما يتعلق الأمر بموسكو، هو ضمان مخرجٍ كافٍ للرئيس بوتين الذي ليس له أي عداء استراتيجي لإسرائيل ولا تعاطف مع طهران، وبذلك تتمكن إسرائيل من اتخاذ الإجراءات التي تراها لازمة لردع الإيرانيين ووكلائهم.
ثانياً، ستواصل تل أبيب الاعتماد على قدارتها الدفاعية العسكرية التي ليس لها نظير في المنطقة حتى اليوم. وكما حدث في مدينة مصياف، يمكن لإسرائيل توظيف هذه القدرات لردع الاستفزازات العسكرية من جانب الكتلة التي تقودها إيران، عند الضرورة. ومع ذلك، ترى تل أبيب أن الصفائح التكتونية المتحركة في المنطقة إنما تخلق اليوم وضعاً جديداً يضع التحالف الذي تقوده إيران، بمواجهة جديدة ومباشرة مع إسرائيل، وبالمحصلة يزيد من احتمالية هذه المواجهة. ولم يكن ما حدث في مصياف، الحلقة الأولى من مسلسل الصراع بين إسرائيل من جهة وإيران ووكلائها في المنطقة من جهة ثانية، و من غير المرجح أن تكون الأخيرة.
رابط المادة الاصلي:
Israel Is Going to War in Syria to Fight Iran
[sociallocker] [/sociallocker]