الإرهاب يتجلى في حزب



مما لا شكّ فيه أن الإرهاب قد بات همًا يؤرق حكومات العالم، وأنه طال الكثيرَ من الأبرياء حول العالم، ولكن يبقى المواطن العربي هو الضحية الأولى للإرهاب، ويصبح ضحيةً مُضاعفة للإرهاب، حين يتعرض لإرهاب الدولة المُنظم، وإرهاب الميليشيات المُسلحة، كما هو حال المواطن السوري والعراقي اليوم.

تصاعدت العمليات الإرهابية في العالم، مع بروز تنظيم (القاعدة) واحتواء إيران لقادة هذا التنظيم وعائلاتهم، وتقديم المأوى الآمن لهم على مدار عقود، وتعلم كافة أجهزة الاستخبارات العالمية بهذا الأمر، ولكنها صمتت عن إيران والقاعدة، لأنها كانت تستثمر في العمليات الإرهابية حول العالم.

قبل أشهر قليلة، زار الرئيس اللبناني ميشيل عون مصر، ومنها صرّح بأنه يجب الحفاظ على سلاح (حزب الله) خوفًا من هجوم إسرائيلي، وكان كلامه غريبًا، فما من جنرال أمضى قرابة ثلاثين عامًا في الجيش اللبناني يُصدّق، أو يجعل الآخرين يُصدّقون، أن سلاح ميليشيات (حزب الله) قادر على الوقوف والصمود أمام (إسرائيل)، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى لا أحد يتجرأ عن الدفاع عن (حزب الله) في مصر، علمًا أن مصر قد صنفت هذا الحزب كمنظمة إرهابية، منذ عام 2009.

في الزيارة نفسها، زار الرئيس عون مقر الجامعة العربية، ومنها دعا إلى مبادرة عربية، لإيجاد حل للأزمة السورية ومحاربة الإرهاب، متناسيًا أن الجامعة العربية قد اتخذت قرارًا بتاريخ 11/ 3/ 2016 باعتبار (حزب الله) منظمة إرهابية، وذلك بعد أيام من قرار وزراء الداخلية العرب المؤرخ بـ 2/ 3/ 2016 والذي اعتبر بدوره (حزب الله) منظمة إرهابية.

موقف الرئيس عون تجاه (حزب الله)، وإعلانه عن موقفه هذا في زيارته لدولة مصر وللجامعة العربية، ينمّ عن موقف عبثي وغير مدروس، إذ لا يتوافق مع القرارات المصرية السيادية، ولا مع قرارات الجامعة العربية، بل ينمّ عن عبثية الزيارة في ظل تغاضي الضيف والمضيف، عن كافة القرارات العربية بخصوص (حزب الله).

إن اعتبار (حزب الله) منظمة إرهابية ليس شأنًا داخليًا لبنانيًا، وإنما شأن إقليمي ودولي، فبعد مصر والجامعة العربية ووزراء الداخلية العرب ووزراء الخارجية، اتخذ مجلس التعاون الخليجي قرارًا يعدّ الحزب منظمةً إرهابيةً، إضافة إلى اتخاذ كلّ من فرنسا وأميركا وكندا وهولندا وبريطانيا ونيوزيلاندا وأستراليا جميعها الخطوة نفسها، واعتبرت أن (حزب الله) منظمةً إرهابية.

لا بد من تذكير الرئيس اللبناني بأن سلاح (حزب الله) الذي يدافع عنه كان واجبًا عليه نزعه، حسب ما تقتضيه القرارات الدولية 1559 لعام 2004، والقرار 1680 لعام 2006، وجميعها تنص على نزع سلاح كافة المجموعات المسلحة، وضمنًا (حزب الله)، إضافة إلى نص اتفاق الطائف، بل إن الحكومة اللبنانية كانت قد اتخذت قرارًا بتاريخ 27/ 7/ 2006 بأنه لن يكون هناك سلاح ولا سلطة خارج سلاح وسلطة الدولة.

لا بد أيضًا من تذكير الرئيس اللبناني بأن دولة لبنان التي يرأسها قد انضمت إلى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب بقرار رقم 57 تاريخ 31/ 3/ 1999، وهي الاتفاقية التي تتوافق مع المادة 314 من قانون العقوبات اللبناني، وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل قام الرئيس اللبناني أو الحكومة اللبنانية بإلغاء القرارات السابقة أم أنها ما زالت سارية المفعول؟

كذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال قرار الكونغرس الأميركي، اعتبرت بتاريخ 17/ 11/ 2015 (حزب الله) منظمة إرهابية، وطلبت لوائح باسم الدول والمنظمات والأفراد الذين يتعاملون مع الحزب، وكذلك طلبت التحري عن أنشطة هذه المنظمة الإرهابية، ولا سيّما في ما يخص الاتجار بالبشر والمخدرات وتبييض الأموال، وقد شمل القرار قناة (المنار)، وتم وصفها بالإرهابية، ومنع على الأقمار الاصطناعية أن تبث للقناة، كما مُنعت شبكات الإنترنت ومزودات الاتصال من التعامل مع القناة.

مارس (حزب الله) عمليات الخطف والقتل والإخفاء القسري، وقام بعمليات إرهابية في لبنان، أما إرهابه في سورية فهو على الملأ وموثق بالصوت والصورة، وقام بعمليات محاصرة للمدن وتجويع للسكان، وساهم بقوة في عمليات التهجير القسري للسكان، وعلى كامل التراب السوري، بل قام باستخدام بعض الآليات العائدة للجيش اللبناني الرسمي، في استعراض عسكري في مدينة القصير السورية.

أمنُ لبنان جزء من الأمن القومي العربي، وإن كان الرئيس اللبناني يرى أن لبنان بحاجة إلى سلاح (حزب الله)؛ فليكن، ولكن حينئذ يجب ضم قوات الحزب وسلاحه إلى الجيش اللبناني بشكل رسمي، وأن يكون بصفته رئيسًا للدولة مسؤولًا عن تصرفات الحزب، داخل وخارج لبنان، لا أن يقايض كرسي الرئاسة بإرهاب (حزب الله)، وإذا أراد مكافحة الإرهاب والمساهمة في إيجاد حل للمأساة السورية؛ فعليه توجيه الأوامر لـ (حزب الله) بالانسحاب من سورية، كي يتسنى للمواطنين السوريين العودة إلى بيوتهم، ونشك أن الرئيس اللبناني قادر على أن يأمر (حزب الله) بالانسحاب، وبالتالي لا صدقية لكلامه لا في مصر ولا في الأردن حول مكافحة الإرهاب.

آن الأوان لأبناء المنطقة أن يعيشوا بأمان، بعد سنوات من الإرهاب والقتل والتهجير، ولن يكون ذلك في المتناول، طالما أن من يُحارب الإرهاب لا يملك سوى عين واحدة، فمن يُحارب (داعش) و(النصرة) عليه محاربة (حزب الله) والميليشيات الطائفية العراقية، ونزع السلاح من يد هذه العصابات في كل من العراق ولبنان وسورية وحصره بيد الدولة، وهذا واجب الحكومات العربية التي يجب أن تسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع؛ لترتاح شعوب المنطقة من كل أشكال الإرهاب، وتبدأ عمليات البناء والتنمية.




المصدر
جيرون