قاصر بين فكي حوت



منذ إعلان اتفاق خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية بين روسيا وأميركا والأردن، وضم جبل العرب إليها على الرغم من عدم وجود صراع مسلح فيه، يجري تجاذب خفِي بين إيران و(إسرائيل) على هذه المنطقة. وقد اشترطت (إسرائيل)، من خلال المفاوض الأميركي، إخراج إيران منه كلية، وكذلك أبدى الأردن رغبة قوية في إخلاء حدوده مع المنطقة الجنوبية، وبخاصة مع جبل العرب، من إيران وميليشياتها وخصوصًا (حزب الله).

(إسرائيل) تلقت ضمانات من الراعيين الأميركي والروسي، وإيران أبدت امتعاضها من هذا الاتفاق، ومنذ ذلك التاريخ، تبذل إيران مساعيها للبقاء في المنطقة الجنوبية، ولما تعذر عليها البقاء في محافظتي درعا والقنيطرة؛ ركّزت جلّ جهودها لأخذ جبل العرب الحيوي، جيوسياسيًا، بالنسبة إلى مناطق توزع نفوذها في جنوب دمشق، حسب اتفاقات مناطق خفض التصعيد ولمحاذاته للأردن من الجنوب والجنوب الشرقي، ولدرعا والقنيطرة حتى الجولان من جهة الغرب والجنوب الغربي. ومن جهة ثانية، يبدو أن الوقت يتسارع على تقاسم مناطق النفوذ في سورية من قِبل الدول المتدخلة في الصراع السوري، وقد تبلورت مشاريع كونتونية محلية في مناطق النفوذ تلك: الكونتون الكردي في الشرق والشمال الشرقي برعاية أميركية، والكونتون السني في شرق وشمال حلب وإدلب وجبل التركمان شمال اللاذقية برعاية تركية، والكونتون العلوي من الساحل السوري، ومن غرب حلب مرورًا بحمص وحماة حتى دمشق العاصمة مع جنوبها وغربها حتى الزبداني برعاية روسية إيرانية، والكونتون السني في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي برعاية سعودية، مع تجاذب القوى حول دير الزور والرقة، بين المحورين الروسي والأميركي، ريثما يتم القضاء على (داعش) فيهما، ليتم لاحقًا ضمهما إلى مناطق النفود، حسب توزيع القوى في المحافظتين.

على الرغم من أن جبل العرب ذا الغالبية الدرزية حيّد نفسه عن الصراع المسلح، منذ ست سنوات، إلا أن الدول المتدخلة لا ترغب سياسيًا في هذا الحياد، فروسيا تفكر بملء الفراغ ببسط هيمنتها عليه، وبذلك تضمن بقاء حليفها السوري فيه، كما تضمن إبعاد إيران عن حدود صديقها الإسرائيلي، والأردني صديق شريكها الأميركي، بموجب اتفاق خفض التصعيد للمنطقة الجنوبية، ومحاذاة الأميركي من جهة الشرق مقابل التنف.

في المقلب الآخر، تعمل إيران -من خلال أدواتها في جبل العرب من السلطة الأمنية ومن أبناء المحافظة- على خلق حالة أمنية متردية، قد تقود إلى صراع داخلي بين العائلات، تشبه حالة الصراع بين الشعبية والطرشان، تضطر الجبل في خاتمة المطاف إلى طلب النجدة من إيران وأتباعها من لدن السلطة الأمنية والسياسية لضم الجبل إلى منطقة النفوذ الإيرانية، فتفرض أمرًا واقعًا على الأطراف الدولية الأخرى: روسيا وأميركا و(إسرائيل) والأردن، وبطبيعة الحال السلطة السورية لن تخسر شيئًا، إذ ستمتد سيطرتها من شرق حلب حتى الحدود الأردنية (سورية المفيدة)، وسيّان بالنسبة إليها أن تكون تحت النفوذ الإيراني أو الروسي، أو نفوذ كليهما معًا، لأنها حليفة لهما.

اكتسب جبل العرب هذه التسمية، من خلال نضاله الوطني والعروبي ضد جميع الغزاة، وتماهي روحه مع وحدة سورية وسيادتها على كامل ترابها الوطني، لكنه أمام ما يحاك له، في خضم  التجاذبات الدولية، لا يملك رؤية موحدة حول مصيره في الخرائط التي تُرسم لسورية القادمة. إن تشظي أبناء الجبل إلى فرق ومجاميع غير متفقة، متباعدة، بل أكثر من ذلك ليس لديها أدنى شعور بالمسؤولية تجاه الجبل وما يُخطط له من جميع أطراف الصراع وخوارجها، يفتح شراهة إيران و(إسرائيل) للتنازع حول الجبل بغطائين روسي وأميركي، ويأتي مسلسل خطف حرائر الجبل للنفخ بكور الفتنة بين أبناء الجبل، بين عائلاته، والسعي من خلال الفتنة للإمساك بالأرض، وفرض خيار محدد عليه، ضمن خارطة تقاسم الأرض والنفوذ في سورية القادمة.

في كل مرة يتلهى أبناء جبل العرب بقشور الفتنة وأدواتها، من أبناء الجبل ومن غير أبنائه، وبالرغم من تماسك روحهم الوطنية بوجهها الذي ما يزال يحول دون قيامها، لكنهم في المقابل ما يزالون أيضًا غارقين في تشرذمهم، فلا هم قادرون على ترجمة روحهم الوطنية حيال سورية الموحدة، ولا هم قادرون على بناء تصور لمستقبلهم على خارطة سورية المقسّمة، أسوة بالمكونات السورية الأخرى، نظرًا إلى عدم وجود مرجعية واحدة تلملم شملهم.

إن كاترين القاصر، تختزل جبل العرب، بطل الصراع على الجنوب، القاصر عن فهم ما يُرسم له بين فكّي حوت.




المصدر
مهيب صالحة