نحو معارضة متجانسة
9 أكتوبر، 2017
في البدء، ضغطت بعض الدول العربية والإقليمية، من أجل تشكيل قيادة للمعارضة السورية تقود الشارع السوري؛ فكان المجلس الوطني، بعدها قالت الولايات المتحدة الأميركية إن المجلس الوطني لا يُمثّل كل السوريين، ويجب توسعته؛ فكان الائتلاف الوطني، لكنه لم يلغِ المجلس الوطني الذي أبى أن يحلّ نفسه حتى بعد أن حاز الائتلاف على الشرعية الدولية، وما يزال قائمًا حتى يومنا هذا، في حالة غير مفهومة لا في علم السياسة ولا كحالة وطنية.
كلّف المجتمع الدولي المملكةَ العربية السعودية بمساعدة المعارضة السورية في تشكيل هيئة تفاوضية، لتبدأ التفاوض حسب القرارات الدولية؛ فكان (الرياض 1) الذي دعت إليه السعودية طيفًا واسعًا من السوريين، بعضهم حضر وبعضهم غاب وبعضهم لم يُشارك إلا في الجلسة الأولى، ثم أنجب (الرياض 1) الهيئةَ العليا للتفاوض والتي أنجبت الوفد المعارض المفاوض.
تكليف العربية السعودية بتشكيل الهيئة العليا ترافق بتكليف المملكة الأردنية الهاشمية، بفرز وتصنيف قوات المعارضة المسلحة، بين المتشدد والمعتدل، ودارت إلى جانب ذلك أشواط بين روسيا وأميركا، في أثناء عمليات الفرز، وفي أثناء كل هذه المرحلة كان سلاح الطيران الروسي يقصف المدن ويُهجّر أهلها، وكانت الميليشيات الإيرانية تُحاصر المدن والقرى وتُشرف على تهجيرها، وفي الوقت ذاته لم تُطلق روسيا وحلفاؤها رصاصةً واحدة تجاه الفصائل (المتشددة).
حالة التخلي الأميركية جعلت الساحة مفتوحة بالمطلق أمام الروس، سياسيًا وعسكريًا، ثم أتت محاولة الانقلاب في تركيا، لتجنح تركيا تجاه روسيا بعد أن اكتشفت أنّ بعض الدول الغربية وأميركا كانت ضالعة بمحاولة الانقلاب، ثم جاءت حادثة إسقاط مروحية تركية على يد قوات (حزب العمال الكردستاني)، بصاروخ روسي محمول، وتلتها حادثة مطار أتاتورك، كل هذه الأمور جعلت تركيا لا تجد ملاذًا سوى روسيا، فقبلت تركيا بحصتها وهي وعد روسي بعدم السماح بإنشاء كيان كردي على حدودها الجنوبية، وما يمكن أن تحصل عليه من فتات هنا وهناك، إضافة إلى الحفاظ على أمنها القومي.
بعد ذلك قامت روسيا، عن طريق تركيا، بافتتاح خط (أستانا) كخط موازٍ لخط جنيف، وكانت محاولةً واضحة لعزل المعارضة المسلحة عن المعارضة السياسية، وعزل المدن السورية عن بعضها، وبعد جلسة أستانا الأولى؛ طالبت روسيا بتمثيل قادة الفصائل في الوفد المفاوض في جنيف، وكان لها ذلك، وقد ضمّ الوفد ما يُقارب من نصف عدد أعضائه من العسكريين.
كل ما سبق من سرده عن المراحل، كان بطلب روسي وموافقة أميركية وتنفيذ سوري، بالتعاون مع كل من السعودية وقطر وتركيا والأردن، فقطر مؤثرة في بعض الفصائل وكذلك السعودية، والأردن الذي يستضيف غرفة (الموك)، أما تركيا فكانت تحتضن الائتلاف السوري المعارض، وفي الوقت نفسه تملك تأثيرًا على فصائل الشمال.
التجانس
بعد أن امتلكت روسيا معظم المفاتيح السياسية والعسكرية؛ لم تعد بحاجة إلى القرار الدولي 2254، وهي التي تُعِدّ لمصالحات اليوم بين مناطق خفض التصعيد والنظام، وتُحضِّر لاجتماعٍ، نهاية العام في دمشق، يجمع رؤساء مجالس المدن مع النظام بإشرافها، وكلمة (هيئة حكم انتقالي) أو (هيئة حكم ذات صدقية وغير طائفية) لم تعد بالنسبة إلى موسكو تمثل أكثر من حكومة سورية، يُعيّنها ويقودها الأسد تحديدًا، وتُمنح فيها معارضة المعارضة عددًا محدودًا من الوزارات غير السيادية.
الهيئة العليا للتفاوض -في شكلها الحالي- لا تُلبّي الرغبة الروسية، لأنها مُتمسكة بانتقال سياسي حقيقي لا دور للأسد فيه؛ ولهذا أتت الدعوة إلى توسعة الهيئة العليا أو الانقلاب على (الرياض 1) بمؤتمر (الرياض 2)، لينسف ما قبله، ويُنجب وفدًا مفاوضًا جديدًا ومتجانسًا يوافق على بقاء الأسد، حيث سيسيطر على قرارات الوفد معارضة المعارضة، مثل منصة موسكو التي استقال معظم أعضائها في الأسابيع المنصرمة، ولم يبقَ فيها سوى شخص قدري جميل الذي تسعى روسيا لترميم منصته ببعض السوريين المقيمين في روسيا، والذين يوافق النظام على ضمهم.
هكذا يكون الحل (سوريًا–سوريًا)، حسب المفهوم الروسي، أي أن يكون الحل هو بين الأسد ومؤيديه، أما المليون شهيد والعشرة ملايين مُهجّر من غير المتجانسين، فالأسد لا يرغب بالسماح لهم بالعودة إلى منازلهم، وقد بدأت بعض المنظمات الدولية تتحدث عن مصطلح إعادة التوطين، أما نداء وزير الخارجية السورية لـ “الجاليات” السورية في الخارج للعودة، فما هي إلا لذر الرماد في العيون، وخطاب موجّه للاستهلاك الخارجي، فالسوري الذي عرف النظام وخبثه، لن يعود إلى سورية، طالما أن الأسد باق فيها على رأس هرم السلطة.
ستبقى المسألة السورية تسير حسب الخطة الروسية، ما لم يحصل شيء غير متوقع، وهذا أمر بات مستبعدًا.
[sociallocker] [/sociallocker]مشعل العدوي