الليلة السادسة من ليالي شهرزاد…علاء الدين وسلطان شامان



قالت شهرزاد

بلغني، أيها الملك السعيد، أنّه كان في بلاد شامستان شاب يدعى علاء الدين، وكان واسعَ الحيلة، كثير الدهاء، قد أعطاه الله من النباهة والفطنة ما جعله مضرب المثل في مشرق البلاد ومغربها، مثلما أعطاه لسانًا يخرج الحيّة من وكرها. حتى غدا الناس يستشيرونه في كلّ صغيرة وكبيرة من أمورهم الخاصة والعامة.

وكانت بلاد شامستان تعاني من ظلم وجور سلطانها الذي كان يفرض على الناس الإتاوات الباهظة كيفما يتحركون، وأينما يذهبون، ومتى يتنفسون.

وكان أن ضاق الناس ذرعًا بما آلت إليه أمورهم، من ظلم سلطانهم من جهة، ومن الانفلات الأمني في البلاد؛ حيث أخذ اللصوص وقطاع الطرق يسلبون الناس في وضح النهار، ويقطعون الطرق، ويقتلون وينهبون، دون أن يجدوا من يردعهم أو يقف في وجههم. والظلم الأكبر كان يقع من حاشية السلطان وأتباعه الذين تمكنوا من رقاب الناس، بفعل السلطة التي يمتلكونها. أمّا ثالثة الأثافي فكانت أن زحف الجراد على بلاد شامستان من الشرق، واجتاحها طولًا وعرضًا، وأتى على الأخضر واليابس فيها، فلم تعد ترى حقلًا أخضر، ولا شجرة مثمرة. وهو الأمر الذي جعل أهالي شامستان يلجؤون إلى علاء الدين علّه يجد لهم صرفة عند السلطان، في مواجهة كثرة الإتاوات، واعتداء اللصوص والحاشية، وزحف الجراد. فتوجّه علاء الدين إلى قصر السلطان، وقبّل الأرض بين يديه، وقال له:

الرعية يا مولاي تشكو ضيق ذات اليد، بسبب اللصوص وقطاع الطرق من جهة، وظلم حاشيتكم، وزحف الجراد الذي اجتاح السلطنة، ولم يترك فيها عرقًا أخضر. والشعب في نهاية الأمر هو شعبك يا مولاي، وقد أصبحوا الآن عاجزين عن إيفاء ما بذممهم إلى خزينة السلطنة، وإذا استمرت الحال على ما هي عليه؛ فسوف يلعب الفار في خزائن السلطان، فلا يجد ما يأكله، والناس في حالة لا يجدون ما يقيم أودهم، ويسدّ رمقهم، والموت ينتظر الكثير من الأطفال والشيوخ بسبب فقدان الخبز، وهم ينتظرون رحمتك، فأنت لهم الأب والأم، وأنت لهم المعين والنصير، وليس لهم، بعد الله جل جلاله، إلا عطفكم ورعايتكم.

ولم يكد علاء الدين ينهي مطالعته هذه، حتى أجهش السلطان في البكاء، وقد خضّب الدمع لحيته، وقال:

لم أكن أدري، يا علاء الدين، أن الأمر وصل بالرعية إلى هذا الحد من الفاقة وضيق الحال. وها أنا الآن أعلن، أمامك وأمام الله، التنازلَ عن عرش السلطنة، فلتبحثوا عن سلطان آخر يدرأ عن السلطنة ما يحيق بها من أخطار. وقام السلطان عن كرسي العرش، وغادر قصره إلى غير رجعة، وهو يمسح دموعه بيديه.

…………….

وقبل أن يدرك شهرزاد الصباح وتسكت عن الكلام المباح، قاطعها الملك شهريار، وقال لها: ما هذه الحكاية يا شهرزاد؟! ما أراك -والله- إلا تلعبين بعقلي. متى كان الملوك والسلاطين يغادرون عروشهم، ويذرفون الدموع حزنًا على ما آلت إليه أمور رعاياهم؟! نحن -معشر الملوك والسلاطين- مكّننا الله في الأرض، وأطلق لنا اليد في شؤون عباده، فما نحن إلا ظلّه على الأرض؛ فاحمرّ وجه شهرزاد خجلًا، ولم تنبس ببنت شفة.

وأدرك الملك شهريار الصباح، فسكت عن الكلام المباح.




المصدر
فوزات رزق