تهريب آلاف الليترات وتوزيع بالقطّارة




مع بداية كل فصل شتاء تطفو على سطح الواقع السوري معضلة السوريين والوقود، إذ أنه ليست الأسعار وحدها ما تؤرقهم بل سبل الحصول على هذه المواد والتي تستلزم رحلة طويلة لا تخلو من الشعور بالقهر والإهانة، في حين تنشط شبكات الإتجار بالوقود على مرأى ومسمع مؤسسات النظام، وتغصّ بها السوق السوداء وبأسعار مضاعفة، فيما يبقى كثير من السوريين عاجزين عن الحصول على لتر مازوت واحد يدفئون به أطفالهم.

 

إشارة استفهام

يقول أبو محمد، المقيم في مناطق النظام “يدور في رأسي دائماً سؤال واحد لم أجد له جواباً إلى اليوم.. كيف يقول النظام أن لديه نقص في الوقود ويقنّن علينا، فيما السوق السوداء تغص بالوقود ويبحثون عن الزبون دون سؤال عن الكمية؟”.

ويستأنف كلامه لـ “صدى الشام” قائلاً “تجارة الوقود (بنزين أو مازوت) إضافة إلى الغاز المنزلي أصبحت تجارة رائجة ومربحة، وأسماء العديد ممن يعملون بها باتت معروفة للناس، وفي مناطق محددة تجد الوقود يباع في الشوارع، كما أن نقله بين مناطق النظام والمعارضة أصبح عمل كثير من شبكات التهريب في ريف دمشق والسويداء وحمص وغيرها من المناطق، وكل ذلك محمي من قبل الميليشيات والأجهزة الأمنية حيث إن غالبية العاملين في هذا المجال هم من عناصرها”.

شبكات ورشاوى

يتحدث ناشطون من عدة مناطق سوريّة خاضعة لسيطرة النظام لـ “صدى الشام” عن وجود مجموعات منظمة تعرف بمهرّبي “مازوت داعش”، وأن هؤلاء كانوا خلال العامين الماضيين ينقلون المازوت الواصل من مناطق التنظيم إلى مناطق النظام أوالمعارضة، كحال السويداء ودرعا، وإلى مناطق بريف دمشق وريف حمص وريف حماه وغيرها من المناطق”.

لكن هذه الشبكات المرتبطة بتجارة ونقل المازوت لم تكن لتظهر لولا أن الأمور تجري بشكل نظامي، إذا يتمّ توزيع المازوت “الحكومي” بكميات لا تكفي.

ويشير أبو شكري، إلى أن هناك نظام جديد لتوزيع هذه المادة، حيث إن كل عائلة تحصل على 200 لتر من المازوت طوال العام، ويستدرك “لا أعلم كيف تم اعتبار هذا الكمية ملبّية لحاجة العائلة السورية؟ بالطبع هي كمية لا تكفي ما يعني أننا مضطرون لشراء ما يسدّ احتياجنا من السوق السوداء، وهي متوفرة ويكفي أن تتصل بالتاجر ليجلب الكمية التي تريد”.

ويتابع “ولكي تحصل على الـ200 لتر من المازوت فعليك أن تستيقظ باكراً لتكون قبل الساعة السادسة وتحجز دورك في الطابور الطويل أمام مبنى اللجنة المختصة بمنح البطاقة الذكية الخاصة بالمازوت، علماً أن اللجنة تفتح النافذة الساعة التاسعة”، لكن ما فاجأني هو الاستمارة التي تملؤها للحصول على البطاقة والتي تكاد تكون نسخة من الاستمارة التي تملؤها لدى مراجعة فرع أمن، حيث يأخذون بيانات هويتك كاملة، وبيانات أبنائك وأعمارهم وإن كانوا متزوجين أم لا وعملهم وأماكن إقامتهم وغيرها من التفاصيل الدقيقة، وطبعاً يجب أن تذهب في اليوم التالي للحصول على البطاقة”.

وحتى فيما يتعلق بإنجاز متطلبات البطاقة الذكية هناك “شبكة في أماكن التسجيل عليها للحصول عليها والقيام بما يلزم مقابل رشوة مالية، وكذلك لمن يريد أن يأخذ دوراً في تعبئة المازوت عبر سيارات التوزيع”.

ويلفت أبو شكري إلى أن “المواطن- بعد كل ذلك- يتعرض أيضاً للسرقة من سيارات التوزيع التي تسرق على الأقل 10 لترات من كل برميل تعبئه، لتبيع اللتر الواحد من المازوت في السوق الحرة بـ350 ليرة سورية”.

فساد وتهريب

“يتطلب الحصول على رخصة توزيع المازوت دفع مبالغ مادية كبيرة”. يتوقف الموزع خالد، عند هذه النقطة، ولا يجد مشكلة في تبرير توزيع المخصصات للناس منقوصة، موضحاً أن “الحصول عليها يحتاج إلى دفع الإكراميات للجان، وهذه المبالغ لن أحمّلها على مربحي من التوزيع، لذلك ننقص بضع لترات من كل برميل نعبئه، وفي كثير من الأحيان بعلم من نوزع له، حيث يتنازل عن بضع ليترات مقابل أنه حصل على حصته من المازوت”.

أما أبو حمزة، مهرب وتاجر مازوت في السوق السوداء، فيقول لـ “صدى الشام”، إن “كثيراً من الأشخاص يعملون بتجارة المحروقات، إن كان عبر شرائها من مناطق داعش ونقلها إلى مناطق النظام، أو عبر مناطق النظام إلى مناطق المعارضة، وخاصة أن مازوت داعش حلّ أزمة وقود في العديد من المناطق بعيداً عن دمشق، في ظل عدم توزيع النظام لكافة مخصصات المازوت على العائلات (على قلتها) ما يضطر الأهالي إلى شراء ما ينقصهم من وقود من السوق ولو بسعر أعلى” على حد قوله.

ولا يفوت أبو حمزة، الإشارة إلى أن “كل تاجر هناك من يحميه من قادة الميليشيات أو الأجهزة الأمنية، وحتى طرق التهريب يتم شراؤها من الأجهزة الأمنية والجمارك، وهذا ليس بجديد فحتى قبل “الأزمة” كان يتم التهريب بالتعامل مع هذه الجهات، ومنهم كان من يدفع مقابل وضعه في مناطق التهريب المعروفة”.




المصدر