نظام الأسد.. فلسطينيون أقل في دمشق وأكثر في الأطراف



يرى طارق حمود، المدير التنفيذي لمركز العودة الفلسطيني في لندن، في ملخص تقريره التقديري الاستراتيجي، حول (مستقبل فلسطينيي سورية بعد ستة أعوام من الحرب) أن “الأمر الأهم في تصوراتنا للاحتمالات المستقبلية هو التغيرات الجوهرية التي طرأت على البنية الديموغرافية في مدينة دمشق، حيث يسكن نحو ثلاث أرباع اللاجئين الفلسطينيين، ثلثاهم في المخيّمات الثلاث (اليرموك، والحسينية، والسبينة) التي يفرض النظام قيودًا صارمة على عودة أهاليها”.

يشير حمود في مستهل تقريره الصادر قبل أيام، عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، التابع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومقره بيروت، إلى أن الوضعية القانونية للفلسطينيين في سورية سمحت بممارسة وطنية، شكلت الشخصية السياسية لهم، من خلال تطور دورهم الريادي في مراحل النضال الفلسطيني المختلفة. مبينًا أنهم انقسموا بوتيرة مشابهة لحال المجتمع السوري، في اصطفافهم السياسي خلال الحرب الدائرة هناك، حيث وثقت التقارير الحقوقية حالة قتل واعتقال وتهجير مشابهة تقريبًا للحالة السورية بالعموم. لافتًا إلى أنه بعد ستة أعوام، فإن “سؤال المستقبل” ما يزال يلقي بظلال ثقيلة وغامضة على وضع فلسطينيي سورية، خصوصًا مع تركز أكثر من ثلاثة أرباعهم، في العاصمة دمشق التي تضاعف عدد سكانها من 4.4 ملايين في العام 2010 إلى 8 ملايين في 2016، وشهدت تحولات ديموغرافية نوعية.

بناء على هذه التركيبة الديموغرافية الجديدة؛ فإن ذلك وضعَ “فلسطينيي سورية” أمام ثلاث سيناريوهات محتملة، وهي: السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة “فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف”. السيناريو الثاني هو عودة وضع الفلسطينيين لما قبل سنة 2011. وأما السيناريو الثالث فهو تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد. وعلى ما يبدو -وفق المعطيات المتوفرة- فإن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحًا، وفق ما جاء في التقرير.

يبين حمود أن الكثير من المراقبين لأحوال اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة، يعتقدون أن أوضاع فلسطينيي سورية كانت الأوضاع الأفضل نسبيًا من الناحية القانونية والسياسية والاجتماعية، خصوصًا بالمقارنة مع أوضاع اللاجئين في الدول المجاورة، وبخاصة لبنان، حيث تُظهر فارقًا واضحًا لصالح الوضع القانوني الذي يتمتع به اللاجئ الفلسطيني في سورية. مشيرًا إلى أنه بالرغم من التفريق بين شرائح متنوعة من اللاجئين الفلسطينيين داخل سورية، على قاعدة تاريخ اللجوء إلى البلاد، فقد بقي أكثر من 85 في المئة من فلسطينيي سورية مشمولين بوضع قانوني معادل للمواطن السوري، في أغلب الحقوق والواجبات، على أساس (القانون 260).

تحريض رسمي ضد الفلسطينيين

أظهر التقرير/ التقدير الاستراتيجي أن المكون الفلسطيني في سورية بقي يحمل طبيعة سياسية داخل البلاد، بحكم الموقع الجيو-سياسي لسورية من جهة، وبحكم طبيعة النظام السياسي الذي حكم البلاد معظم العقود الماضية منذ العام 1963 حتى اليوم. حيث “قامت الأسس المعيارية لنظام البعث في سورية، على تبني موقف سياسي يجعل من القضية الفلسطينية في قلب خطابه وتحركاته، كأحد أهم مكتسبات الشرعية السياسية داخليًا، على مستوى الإقليم”. وهو -بحسب حمود- ما جعل البيئة الوطنية، بالنسبة إلى الفلسطينيين في مخيّماتهم، تحظى بما هو أكثر من المسموح به على مستوى البلاد، فأسهم ذلك في بناء الشخصية الوطنية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين طوروا دورهم في مختلف مراحل النضال الفلسطيني، كطليعة استقطبت مستوًى عاليًا للعمل الفلسطيني الفصائلي والشعبي والسياسي العام.

أما مع بداية الأزمة السورية، فإن حالة الاندماج المجتمعي، بين الفلسطينيين والسوريين، ألقت ظلالها على كل مفاصل الحياة العامة. ويبدو أنها كانت استحقاقًا لا مفر منه مع اندلاع الأحداث في الشارع السوري سنة 2011. إذ عاش الفلسطينيون في سورية في ترقبٍ قلقٍ من تطور أحداث الشارع، خلال الأشهر الأولى من سنة 2011، خصوصًا مع تعمد بعض الأطراف الرسمية الزجّ بالفلسطينيين في الأحداث في درعا واللاذقية، كمحاولة بدت لتطويق الاحتجاجات في الأحياء السورية، والإيحاء -إعلاميًا- بأنها ذات هوية غير محلية.

تحت عنوان فرعي: (دخول الفلسطينيين إلى قلب الأزمة والآثار الحالية)، يبين الباحث الفلسطيني، في تقديره، أنه على الرغم من دخول عدد من الناشطين الفلسطينيين مبكرًا على خطّ الثورة السورية، خصوصًا في مخيّمَي درعا واليرموك، إلا أن الانخراط الفعلي للمخيّمات الفلسطينية في الأحداث لم يبدأ قبل تموز/ يوليو 2012، بعد حادثة إعدام 14 جنديًا من مجندي (جيش التحرير الفلسطيني) في منطقة إدلب، الحادثة التي خضعت لجدل كبير حول هوية الفاعل بين اتهام النظام بافتعالها أو المعارضة بارتكابها. ومع دخول دمشق، حيث يسكن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في سورية، إلى قلب الاضطرابات، بعد تفجير مبنى الأمن القومي في (حي الروضة) الدمشقي في 18 تموز/ يولو 2012، كانت المخيّمات الفلسطينية في العاصمة تدخل مرحلة دموية قاسية.

أبرز التقرير كيف تدهورت الأوضاع الميدانية في مخيّمات الفلسطينيين في العاصمة، ففي هذه المرحلة، تدهورت الحالة الأمنية بشكل دراماتيكي، حيث دخلت المعارضة المسلحة أكبر مخيّمين بعد اليرموك في دمشق، وهما الحسينية والسبينة، ويبلغ عدد الفلسطينيين فيهما مجتمعين قرابة 90 ألفًا. وأدى هذا إلى تهجير كبير للسكان. كما أفرد حمود في تقريره مساحة لتدهور الوضع في مخيّم اليرموك، الذي يعد أكبر مخيّمات اللاجئيين الفلسطينيين في سورية، والذي يعدّه الفلسطينيون “عاصمة الشتات الفلسطيني”، مبينًا أن سكانه من الفلسطينيين، وعددهم نحو 220 ألفًا، وقعوا تحت ظروف مأسوية، حيث شهد المخيّم المحاصر (يدخل الآن يومه 1543 على التوالي) حصارًا أودى بحياة 199 شخصًا، جوعًا ومرضًا. وعبر المراحل المختلفة لم يتبقَ في مخيّم اليرموك إلا قرابة ثلاثة آلاف نسمة فقط.

وفقًا للتقرير، وصل الوضع الميداني في مخيّم اليرموك مؤخرًا إلى حالة باتت فيها كل الفصائل المسلحة داخل المخيّم، بما فيها تنظيم (داعش) الإرهابي، على استعداد لتوقيع أيّ تسوية للخروج الآمن من المخيّم، ولكن كل هذه الاتفاقات فشلت في التوصل إلى صيغة نهائية، حتى اليوم، من دون وجود أسباب جوهرية لذلك. وهذا -كما يشير حمود- يضع مستقبل مخيّم اليرموك تحديدًا (وهو الأقرب من قلب العاصمة؛ 6 كم) أمامَ سؤال كبير.

بناءً على ما سبق، يؤكد طارق حمود أن المخيّمات الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية والقريبة من مركز العاصمة، والتي تعرضت لتطورات ميدانية، خلال فترة “الأزمة”، قد لا يكون بالإمكان إعادتها، كما كانت عليه قبل سنة 2011. وعليه فإن السلوك الحالي للسلطات تجاه هذه المخيّمات، ومنع أيّ تسوية فيها تسمح بعودة طبيعية للسكان، خصوصًا في مخيّم اليرموك، قد يعني مشروع إعادة توزيع الفلسطينيين داخل العاصمة، بما يخدم الاحتياجات الأمنية للنظام. لافتًا إلى أن هذا الاحتمال يقترب، مع تسريباتٍ (ما تزال تحتاج إلى تأكيد) حول مشروعٍ، ناقشته محافظة دمشق بشأن إعادة تخطيط منطقة جنوب العاصمة (جنوب المتحلق الجنوبي)، من المنطقة الممتدة من داريا حتى طريق المطار الدولي، وهي منطقة تقع فيها كبرى مخيّمات العاصمة التي تعاني من عدم السماح للأهالي بالعودة الطبيعية (اليرموك، والحسينية، والسبينة). إذ تقول التسريبات إن المشروع يهدف إلى تأمين جنوب العاصمة، الذي كان البوابة الأوسع للاضطرابات العسكرية في أثناء “الأزمة”، من خلال إعادتها عمرانيًا.




المصدر
غسان ناصر