نوفايا غازيتا: ما المستقبل الذي تعده الولايات المتحدة والصين لكوريا الشمالية؟



الصورة: قاذفة В-1 ومقاتلة F-15  / وكالة رويتر

مقدمة

يوم 23 من أيلول، وقعت حادثةٌ غريبة، في سماء الشاطئ الشرقي لجمهورية كوريا الشمالية، حيث اقتربت منه، لأقرب مسافة خلال القرن الحالي، قاذفاتٌ استراتيجية أميركية В-1 ترافقها مقاتلات من طراز F-15  .

حلقت الطائرات عمدًا، ضمن مجال رادارات الرصد التي حصلت عليها كوريا الشمالية من الاتحاد السوفيتي، في الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت الطائرات خارج مرمى صواريخ SA-5 السوفيتية من إنتاج الستينيات. إلا أن البنتاغون خاب ظنه، فالتخويف لم يحصل، لم تبدِ كوريا الشمالية أي ردة فعل. رادارات بيانغ يونغ لم ترصد الطائرات الأميركية، ولم تقلع طائراتها لاعتراضها. توصّل الأميركيون إلى نتيجةٍ مفادها: أن كوريا الشمالية، لأسبابٍ ما، لم تلحظ الاستفزاز.

الآن، يتجادل الخبراء حول عيوبٍ خطيرة في نظام الدفاع الجوي لكوريا الشمالية. اضطر الأميركيون إلى نشر خبر تحليق طائراتهم وتحديد مسارها، وأخيرًا، تحركت بيونغ يونغ. ضجت وسائل الإعلام الكورية الشمالية بسيلٍ من التهديدات، ونشر شريط فيديو، يُظهر رجال الدفاع الجوي الكوريين، وهم يسقطون أحدث الطائرات الأميركية، في حين كانت غواصاتها تهاجم حاملة الطائرات الأميركية (كارل وينسون). من جانبها، رصدت الاستخبارات الكورية الجنوبية حركةً كبيرة مستعجلة لنشر طائراتٍ ووسائل دفاعٍ جويةٍ إضافية على الساحل الشرقي من سواحل كوريا الشمالية.

هل المنطقة على حافة الحرب؟

يستمر تصعيد حالة التوتر الخطيرة في شبه الجزيرة الكورية، منذ منتصف الصيف: ففي تموز/ يوليو، قامت كوريا الشمالية، للمرة الأولى، بتجربتين ناجحتين (ترافقت مع بعض الصعوبات) لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات. وفي نهاية آب/ أغسطس بداية أيلول/ سبتمبر، أطلقت بيونغ يانغ صاروخًا متوسط المدى، مر فوق الأراضي اليابانية يستطيع، بحسب مؤشرات، إنزال ضربةٍ بجزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ، حيث قاعدتها العسكرية الجوية التي تنتشر فيها قاذفات القنابل B-1.

وأخيرًا، في الثالث من أيلول/ سبتمبر، أجرت كوريا الشمالية تجربتها السادسة والأقوى لاختبار قنبلتها الهيدروجينية التي يمكن نقلها بواسطة صاروخٍ باليستي. عقب ذلك، عبّر وزير خارجية كوريا الشمالية عن توقعه إعلان زعيم البلاد كيم تشين إين، في القريب العاجل، عن إجراء تفجير هيدروجيني تحت مياه المحيط الهادئ. لم يقدّم الوزير تفاصيل أكثر، ولكن من المرجح أن الحديث يدور حول تجربةٍ نووية حرارية في الجو مع كل العواقب المرعبة. عندها أعلن الأميركيون أنهم سيعدّون مثل هذه الخطوة كأنها إعلان للحرب.

في شهر أيلول/ سبتمبر، في أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، هدّد وزير الخارجية الكورية الشمالي الأميركيين علانيةً بضربةٍ صاروخيةٍ على أراضيهم. وحذّر (لي ين هو):” هذا يغدو أكثر حتميةٍ”. على الطريقة الغريبة نفسها، يتفق معه رئيس لجنة قادة أركان القوات الأميركية المسلحة الجنرال جوزيف دانفورد على أن كوريا الشمالية ستمتلك قريبًا صاروخًا عابرًا للقارات بعبوةٍ نوويةٍ، بإمكانه ضرب أراضي الولايات المتحدة الأميركية. واعترف الجنرال أمام مجلس النواب في 26 أيلول/ سبتمبر:” إنها مسألة وقتٍ لا غير”.

في الوقت نفسه، صرح أحد قادة الحزب الحاكم في كورية الجنوبية، بأن الأمور ذاهبةٌ إلى الحرب. لن تنتظر الولايات المتحدة الأميركية حتى تكدس بيونغ يانغ ترسانةً لضرب أراضيها. يرى السياسي أن بلاده تقف على حافة نزاعٍ دموي، محفوف بمخاطر قد تحصد ملايين الأرواح.

كم يساوي البنزين في بيونغ يانغ؟

في هذا الوضع، تشعر الصين أنها في وضعٍ غير مريح؛ فخطر مواجهاتٍ واسعة النطاق تخرج عن السيطرة، تزداد عند حدودها مباشرةً. تمارس إدارة ترامب ضغوطًا كبيرة على كوريا الشمالية، فهي واثقةٌ بأن بكين لا تستطيع الضغط على بيونغ يانغ، لأنها شريكها الاقتصادي الرئيسي والعسكري الوحيد. ولكن المشكلة تكمن في أن كوريا الشمالية لم تعد تصغي للرفاق الصينيين، إذ إن (كيم تشين إين) قضى على اللوبي الصيني في البلاد بلا رحمة. وتقوم صحف بيونغ يانغ علنًا بشجب جمهورية الصين الشعبية لتساهلها مع واشنطن، وانضمامها إلى العقوبات ضد كوريا الشمالية.

بالفعل، كانت إجراءات مجلس الأمن قاسيةً: حظر توريد كافة أنواع التكنولوجيا العسكرية والأسلحة، وكذلك شرائها من كوريا الشمالية. اعتبارًا من هذا العام، يمنع شراء الفحم، الحديد، الرصاص وفلزاتها، المنتجات البحرية، المنسوجات، التي كانت في السابق تؤمن للبلاد نحو 90 بالمئة من تدفقات العملة الصعبة. بعد التجربة النووية السادسة؛ فُرض حظرٌ على إدخال الغاز المكثف إلى البلاد، وفُرضت قيودٌ صارمة على بيع بيونغ يانغ النفط ومشتقاته، وبشكلٍ عامٍ، انخفضت إلى الثلث.

بحذرٍ شديد، بشكلٍ غير ملحوظ -قدر الإمكان- بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات، يسأل الدبلوماسيون الغربيون حول التغيرات التي حدثت في البلاد بعد تطبيق العقوبات الأخيرة. حتى الآن، يتضح أمرٌ وحيد: الارتفاع الجنوني في أسعار البنزين في المحلات التجارية. وبالمقارنة مع بداية العام، ارتفع سعر البنزين ثلاثة أضعاف، تؤكد وزارة الوحدة في كوريا الجنوبية، وهي الجهة الرئيسية التي تجمع وتحلل المعلومات من الشمال. عند نهاية أيلول/ سبتمبر، وصل سعر ليتر البنزين في بيونغ يانغ إلى ما يعادل 5 دولار أميركي. بعد دخول العقوبات حيز التنفيذ، فرضت قيادة البلاد تقنينًا صارمًا على تزويد المحلات التجارية بالوقود، لتؤمن احتياطاتٍ حكوميةٍ استراتيجية.

حتى الآن، لا تلاحظ الكثير من التغيرات، ولكن العقوبات ستحشر كوريا الشمالية في الزاوية، بلا شك، وستجعل الاقتصاد الكوري الشمالي ينهار بالتدريج. هذا الوضع قد يدفع زعيم البلاد (كيم تشين إين) إلى اتخاذ إجراءاتٍ متطرفة، لتغيير الوضع، وإخافة كل من واشنطن، سيؤول، وطوكيو بالتهديد بإشعال حربٍ في المنطقة.

تنطلق بيونغ يانغ من الفرق الشاسع في قيمة حياة الإنسان، بين كوريا الشمالية والدول المتطورة صناعيًا التي يرى أنها قد تتخوف وتدخل في مفاوضاتٍ بشروطٍ مناسبة لكوريا الشمالية.

احتلالٌ مشترك

تأخذ الصين هذا الأمر بالحسبان: فقد ظهرت إشاراتٌ أنها ستتحدث مع الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، حول إسقاط النظام الحالي في بيونغ يانغ، عبر عمليةٍ مشتركة، وحول إقامة نظام سلطةٍ جديد في كوريا الشمالية، تناسب جميع الأطراف. بحسب الصحافة اليابانية، سبق لواشنطن وسيؤول أن اقترحتا على بكين -غير مرة- إجراء مشاوراتٍ كهذي، لكن بكين عدّت ذلك غير مقبول. الآن، يبدو أن موقفها قد تغير، إذ نشر مدير معهد العلاقات الدولية في جامعة بكين (تسيا تسينغو) مقالةً مطولةً باللغة الإنكليزية، في أيلول/ سبتمبر، تحدث فيها عن فرض الحماية على كوريا الشمالية، بعد إزاحة إدارة (كيم تشين إين) بالقوة.

بحسب البروفسور، على كل من واشنطن وبكين وسيؤول، الاتفاق على أمورٍ أساسية: وبالدرجة الأولى حول إقامة نظامٍ لفرض النظام على أراضي كوريا الشمالية، من قبل قوات كوريا الجنوبية، أو قوةٍ دولية بتفويضٍ من الأمم المتحدة. يقول المدير: إن إدخال قواتٍ أميركية أمرٌ غير مقبول. ولكن بكين -كما يعتقد- قد توافق على تسليم الولايات المتحدة الأميركية ترسانة بيونغ يانغ النووية.

يدور الحديث عن إقامة معسكراتٍ للاجئين قرب الحدود الصينية-الكورية الشمالية، وإجراء انتخاباتٍ حرة في كوريا الشمالية بإشراف الأمم المتحدة.. إلخ. انطلاقًا من كل هذا، لم تكن هذه وجهة نظر الخبير وحده، بل كانت احتمالًا تباركه السلطات، وبكين مستعدةٌ لمناقشته. يريدون من بيونغ يانغ أن تفهم أنّ الصين قادرةٌ على المشاركة في عمليةٍ ضد كوريا الشمالية، أو على الأقل، الموافقة عليها.

في الوقت نفسه، أعلن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس في منتصف أيلول/ سبتمبر، أنه يجري مباحثاتٍ مع سيؤول، حول إعادة الأسلحة النووية التكتيكية إلى كوريا الجنوبية التي سحبتها في تسعينيات القرن الماضي. على ما يبدو، يتعلق الأمر بالصواريخ المجنحة والقنابل فائقة القوة التي تحملها القاذفات، والتي يمكن استخدامها في أي لحظة لشن ضرباتٍ دقيقة على كوريا الشمالية.

كما صرح ماتيس أيضًا، أن الولايات المتحدة الأميركية قادرةٌ على تحييد أقوى وسيلةٍ عسكرية، لدى بيونغ يانغ: آلاف وحدات المدافع، وقواعد الصواريخ المخبأة في ملاجئ محصنة وفي المغاور الجبلية، والتي يمكنها استهداف سيؤول. وتشير التقديرات إلى أن بإمكان كوريا الشمالية إطلاق 300 ألف صاروخٍ وقذيفة على عاصمة كوريا الجنوبية، حيث يقيم عشرة ملايين إنسان. هذا العامل بالتحديد، هو الذي منع الولايات المتحدة في التسعينيات من توجيه ضربةٍ وقائية ضد كوريا الشمالية، عندما بدأت للتو برنامجها النووي.

******************************************************

Теги:

бензин, санкции, дипломатия, китай, северная корея, сша

كلمات دالة: كوريا الشمالية، الولايات المتحدة الأميركية

اسم المقالة الأصلية Оккупация и проекторат كاتب المقالة فاسيلي غولوفنين/ مدير مكتب وكالة تاس في اليابان مكان وتاريخ النشر نوفايا غازيتا. 29 أيلول 2017 رابط المقالة https://www.novayagazeta.ru/articles/2017/09/29/74019-okkupatsiya-i-protektorat-kakoe-buduschee-ssha-i-kitay-gotovyat-severnoy-koree

ترجمة  سمير رمان

 




المصدر
سمير رمان