الغارديان: “كيف يمكنني تشجيع هذا الفريق!”…ولاءات منقسمة للسوريين الذين تطاردهم الحرب الأهلية



كما هي حال البلاد نفسها، المشاعر حول فريق كرة القدم الوطني السوري، الذي يلعب مع أستراليا مساء اليوم، معقدة.

بعض الأستراليين من أصل سوري يعدّون فريق كرة القدم أداةً للديكتاتور بشار الأسد، في الحرب الأهلية الدموية في البلاد. تصوير: لاي سنغ سين/ رويترز

عندما سيدخل فريق كرة القدم الوطني السوري إلى الملعب في سيدني الليلة، لنْ يكون أُبيّ العاكول داخل الملعب مشجعًا، ولكنه سيكون خارجه محتجًا، ولن يكون وحده. وهو مواطنٌ سوري نشأ في دمشق قبل وصوله إلى أستراليا في عام 2014، والعاكول واحدٌ من 5.1 مليون شخصٍ، فرّوا من الحرب الأهلية في سورية كلاجئين.

بالنسبة إلى الكثيرين، فإنَّ التقدم غير المتوقع للفريق الوطني في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018 أقلُّ رومانسيةً وأكثر فجائعية لبلدٍ شهد مقتلَ أكثر من 400 ألف شخص، منذ اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011.

قال العاكول: “كيف يمكنني تشجيع هذا الفريق، بينما الكثير من المدنيين قتلوا في سورية!!”. وأضاف: “كيف يمكنني، والعديد من الرياضيين اعتُقلوا، وقد قتل النظام بعضَهم، لأنَّهم دعموا الثورة السورية!”.

كما هي حال البلاد نفسها، فإنَّ المشاعر حول المنتخب الوطني السوري -الذي يمكن أنْ ينهي آمالَ التأهل لكأس العالم لكرة القدم الليلة- معقدّةٌ ومنقسمة.

عندما ضمنت سورية اللعبَ ضد أستراليا، بعد التعادل المتأخر ضد إيران، الشهر الماضي؛ غمرت الاحتفالات شوارع دمشق.

ويبدو أنَّ النتيجة كانت مستحيلةً بالنسبة إلى فريقٍ يحتلُّ المركز الخامس والسبعين في العالم، في بلدٍ مزقته الحرب الأهلية، وأنَّ الكثيرين، مثل جورج سلوم من غرانفيل (غرب سيدني) رأوا في الأمر فرصةً نادرة لنسيان كلِّ “الأخبار السيئة” للبلد الذي هجرته عائلته.

وُلد سلوم في أستراليا، لكنَّ العديد من أفراد أسرته لا يزالون يعيشون في الزويتينة، وهي قريةٌ مسيحية أرثوذكسية يونانية بالقرب من حمص في غرب البلاد. وقال: “إنَّه أمرٌ جيد بالنسبة إلى سورية؛ لأنَّك، بحسب ما يحدث هناك، ستعتقد أن لنْ يكون هناك فريقٌ لكرة القدم، حيث يعتقد الناس أنَّ البلاد كلَّها في حالة خراب، لكنَّ هذا يُظهر للعالم أننا ما زلنا هناك نحيا. لا زالت البلاد قائمةً، والناس فخورون جدًا بسورية”.

ولكنْ هل سورية مثالٌ للانتصار على المحنة، أم عرضٌ مشكوك فيه لدعايةٍ للطاغية؟ بعد المباراة مع إيران، وفي عرضٍ غريب لعبادة الشخصية التي تحيط بنظام الأسد، اجتمع اللاعبون على التلفزيون السوري لمديح وشكر الدكتاتور. من بينهم فراس الخطيب، وعمر السومة، وهما لاعبان قبل مباراة إيران، لم يلعبا مع فريق سورية منذ عام 2012، في مقاطعةٍ للنظام. وقال الخطيب في بثٍ مترجم إلى الإنجليزية على موقع (يوتيوب): “أولا، نشكر الرئيس بشار الأسد على تكريم جميع اللاعبين”. وقلدّه السومة: “أشكر الرئيس بشار الأسد على دعمه للرياضة والرياضيين”.

وقال أنس عمو، الكاتب الرياضي السوري الذي عاش في تركيا، خلال السنوات الخمس الماضية، بعد فراره من الحرب الأهلية: إنَّ المؤتمر الصحفي المنظم هو عرضٌ لكيفية اختيار الأسد للفريق الوطني. وقال: “كل الناس في سورية يحبون كرة القدم، ولو حدث الأمر قبل ست سنوات؛ لاحتفلنا”. وأضاف: “هذا الفريق ليس فريقَ كرة القدم إنَّه فريقٌ سياسيّ.. إنه فريق الديكتاتور”. وقال عمو، الذي يقول إنه سيشجع أستراليا، إنَّ اسباب دعم اللاعب للمنتخب الوطني كانت أيضًا متنوعةً ومعقدة.

يدعم بعضهم الأسد حقًا، في حين يعتقد أنَّ الآخرين، مثل الخطيب، واجهوا ضغوطًا سياسية. في أيار/ مايو، أجرى الصحفي ستيف فينارو مقابلةً مع الخطيب، كجزءٍ من لقاء حول الفريق الوطني، يوثق فيها ألم اللاعب على قراره بالانضمام إلى المنتخب من جديد. وأخبر فينارو: “مهما حدث، سيحبني 12 مليون سوري، و12 مليونًا آخرين يريدون أنْ يقتلوني”.

يعتقد العاكول، الذي يعيش الآن في غرب سيدني، أنَّ الأسد، مثله مثل الكثيرين، يستخدم الفريق الوطني لعرض صورةٍ للمجتمع الدولي، تُظهر أنَّ الوضع طبيعيٌّ. وتابع: “لم أكنْ مهتمًا بكرة القدم، أو الرياضة قبل ذلك. في سورية كان لدينا فرقٌ سيئة، وتمويلٌ سيئ، والآن فجأة يدعم النظام كل ذلك؟”. وأضاف: “إنَّه يريد أنْ تظهر الدعاية للعالم، بعد سبع سنواتٍ من الحرب، أننا لا نهتم، ونذهب الى تصفيات كأس العالم”.

من المؤكّد أنَّ دعم النظام لرياضيه أمرٌ جديد. ويعتقد عمو أنَّ 13 لاعبًا على الأقل، من لاعبي كرة القدم، مفقودون، أو في معتقلاتٍ حكومية. وأنَّ القوات الحكومية قتلت 50 رياضيًّا تقريبًا. وأن الكثيرون صاروا ضد النظام، منذ انتفاضات عام 2011.

في هذا الأسبوع، نشر موقع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، مقابلةً مع حارس المرمى السوري مصعب بلحوس، الذي حقق أكبر قدرٍ من النجاح للبلاد. وتوقع بلحوس (34 عامًا) الذي يتخذ من عُمان مقرًّا له، كمدربٍ لفريق ظفار، فوز الفريق على أستراليا كنتيجة لـ “روح ورغبة وتصميم للاعبين”، كما أعرب عن أسفه لأنَّه لنْ يكون هناك، وقال لموقعٍ على الإنترنت: إنَّه “شرفٌ لأيّ لاعبٍ أن يمثل بلاده”.

ما لم يذكره بلحوس، أنَّه نفسه اعتُقل من قبل القوات الحكومية في عام 2011، بتهم دعم حركات المعارضة، وإيواء مقاتلين متمردين، حيث اختفى مدة عامٍ، قبل أنْ يعود فجأةً إلى المنتخب الوطني في عام 2012.

كما قُتل آخرون أو فقدوا. أحمد هشام سويدان (26 عامًا) الذي لعب مع فريق الدوري السوري الممتاز: الكرامة والوحدة، قُتل بقصفٍ على حمص عام 2012.

جهاد قصاب، وهو كابتن سابق في سورية، قاد ناديه الكرامة إلى نهائي دوري أبطال آسيا، عام 2006، تُوفيَّ داخل سجن صيدنايا العسكري في دمشق، في أواخر عام ،2016 بعد أن اتهمته السلطات بتفجير السيارات المفخخة، وهو اتهامٌ منفيٌّ بالكامل.

هناك شخص آخر يُدعى جورج سلوم، هذا الشخص من أفونديل هايتس، في شمال غرب ملبورن، يتابع مباريات سورية على شاشة التلفزيون. انتقل سلوم إلى أستراليا من سورية قبل 45 عامًا، عندما كان عمره 19 عامًا. عادةً ما يشجع أستراليا، لكنَّه يقول: إنّ الجاذبية العاطفية لسورية كبيرةٌ جدًا.

وأضاف: “يجب أنْ أشجع أستراليا؛ لأنني أمضيت هنا كلَّ حياتي، [ولكن] إنَّها الطبيعة البشرية، لديك دائمًا مساحة رقيقة في قلبك للمكان الذي أنت منه”. وتابع: “إضافة إلى ذلك، سورية هي البلد المستضعف”. لكنَّ سلوم قال: إنّه يتفهم لماذا لم يشعر الكثيرون بأنّهم قادرون على تشجيع المنتخب. وأضاف: “ما حدث هو كارثةٌ بأيّ طريقةٍ تريد قياسها، لقد دُمرّت المدن والقرى، وقُتل الناس من الجانبين”. وأضاف: “إنَّ الكراهية والانقسام عميقان جدًا، وسيستغرقان أجيالًا وأجيالًا للشفاء منهما، ليس لديّ أيُّ حقدٍ ضدَّ أيّ شخصٍ”.

اسم المقال الأصلي ‘How can I support this team?’ Divided loyalties for Syrians haunted by civil war الكاتب مايكل مكغوان، Michael McGowan مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 10/10 رابط المقالة https://www.theguardian.com/football/2017/oct/10/how-can-i-support-this-team-divided-loyalties-for-syrians-haunted-by-civil-war عدد الكلمات 928 ترجمة أحمد عيشة




المصدر
أحمد عيشة