لماذا تدخلت أميركا في سورية؟



تتيح مذكرات وزير الدفاع الأميركي السابق آشتون كارتر فرصة نادرة لفهم استراتيجية الرئيس أوباما الخاصة بسوريا؛ غير أن الإضاءات القيّمة العديدة التي يقدّمها تثير سؤالاً كبيراً هو: لماذا تدخلت الولايات المتحدة أصلا في سوريا؟
هدف هذه المذكرات المفصلة، على ما يبدو، هو إظهار الدور الذي لعبه آشتون في دحر تنظيم «داعش»، حيث يشير وزير الدفاع السابق إلى أن العمليات العسكرية الناجحة ضد «داعش»، لم تبدأ إلا بعد تعيينه في فبراير 2015. لكن إذا نحيّنا جانباً الجزء الذي يتحدث فيه عن الدور الذي لعبه، يصف كارتر في 45 صفحة جهداً لم يكن له مؤيّدون كثر في المنطقة.
كارتر يحمّل مسؤولية ظهور «داعش» للانسحاب الأميركي من العراق؛ غير أنه حتى بعد أن أقام التنظيم الإرهابي «دولته»، فإن «شعوب المنطقة لم تكن ترغب في عودة قوات بحجم تلك التي يتطلبها غزو بلد من البلدان»، يقول الوزير السابق. وعلى مدى ولايته التي دامت عامين، كان على كارتر «إقناع رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) بقبول عدد أكبر من القوات الأميركية». ومن جانبها، كانت القوات العراقية بدورها ترفض القتال في البداية، وهو ما كان يثير حفيظة كارتر والجنرالات الأميركيين الذين كان عليهم مواصلة حثّ العراقيين على التحرك.
وبالطبع، فإن حكومة الرئيس بشار الأسد السورية كانت أقل ترحيباً بالتدخل الأميركي، حتى عندما كانت فكرة الإدارة الأميركية هي إنشاء قوات محلية مناوئة لـ«داعش» من الصفر، عبر «تجنيد مقاتلين وتوزيعهم على وحدات، وتدريبهم وتسليحهم في تركيا والأردن، وإعادة إدماجهم في القتال في سوريا». ورغم أن الفكرة كانت تتمثل في ألا ينخرط هؤلاء المقاتلون في الحرب الأهلية السورية، إلا أن الأسد كان واعياً برأي الولايات المتحدة فيه. ثم جاء كارتر وغيّر المخطط، فنقل الدعم الأميركي إلى التشكيلات شبه العسكرية الحالية. ويقول في هذا الصدد: «إن كل المقاتلين الحقيقيين تقريباً كانوا جزءاً من مجموعات خاصة، وجميعهم كانوا يرغبون في محاربة الأسد و(داعش)».
وبعد أن قرّرت الولايات المتحدة أنه لا بأس في ذلك، قدّم الأسد حججه للرئيس فلاديمير بوتين. وما كان يراه هذا الأخير هو تدخلٌ أميركي في الحرب الأهلية، ومحاولة لتغيير النظام، وهو شيء عارضه بشدة في ليبيا لدرجة أن مشادة حصلت بينه والرئيس الروسي وقتئذ دميتري ميدفيديف الذي لم يعترض على التدخل الغربي هناك. ومن خلال تسليحها وتدريبها لمجموعات مناوئة للأسد، جرّت إدارةُ أوباما، وكارتر شخصياً (إنْ كان هو بالفعل مَن قام بتغيير الاستراتيجية) روسيا إلى النزاع.
وبعد أن أطلق بوتين العملية العسكرية في سبتمبر 2015، يتذكر كارتر جهوداً روسية حثيثة للتعاون مع الولايات المتحدة. فـ«منذ تلك اللحظة الأولى، سعت روسيا إلى إطلاعنا، والحملة ضد «داعش»، على ما يقومون به في سوريا؛ وكانوا يعبّرون دائماً عن رغبتهم في التعاون والتنسيق معنا، ويطلبون تقاسم معلومات الاستهداف والاستخبارات»، يكتب كارتر. لكنه رفض تلك المحاولات لثلاثة أسباب؛ أولها أن التنسيق مع روسيا، التي كانت متحالفة مع إيران في سوريا، كان يمكن أن يُضعف تصميم رئيس الوزراء العراقي العبادي على التعاون مع الولايات المتحدة. وثانياً أنه كان يمكن أن يربط الولايات المتحدة بالحملة الروسية «غير الإنسانية» (وهو سبب يثير التساؤلات بالنظر إلى الإصابات المدنية الكثيرة التي يقف وراءها التحالفُ الذي تقوده الولايات المتحدة). وثالثا (لاسيما بالنسبة لإدارة أوباما) أنه «كان سيمنح روسيا على نحو ساذج دورَ زعامةٍ غير مستحق في الشرق الأوسط».
التفاعل غير المرضي مع روسيا، وجهود كارتر من أجل ثني وزارة الخارجية برئاسة جون كيري عن عقد صفقة مع بوتين، تشمل تنسيقاً عسكرياً بدلا من مجرد تقليص مخاطر الصدام، خصّص لها كارتر فصلا حول «المخرِّبين والواقفين في الوسط». وإلى جانب روسيا وإيران، تشمل قائمة هؤلاء تركيا التي تتسبب، وفق الوزير السابق، في «أكبر التعقيدات بالنسبة للحملة»، وكذلك المنطقةَ العربية التي «كانت تمارس ضغطاً من خلال اللوبيات وشركات العلاقات العامة، والتي لم تترجم إلى عمل على ساحة المعركة».
وبعد رحيل إدارة أوباما، ازداد التدخل الأميركي، وبات الاستقرار السياسي في سوريا والعراق أكثر استعصاءً من ذي قبل، فيما تحاول دولُ الشرق الأوسط والمجموعات المسلحة التعود على مثلث القوى المؤثِّرة (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا). ولا شك في أنه بوسع كارتر القول بكل فخر إنه ساهم في تشكيل هذا الوضع المتقلب الجديد!

(*) كاتب روسي




المصدر
الاتحاد