القمح بين دولتَي الخلافة البغدادية والأسدية



لم تتقاسم دولتا الخلافة الأسدية والبغدادية مهمةَ امتصاص دماء السوريين، وتقطيع أجسادهم وتشتيتهم والتفنن بتعذيبهم فحسب، إنما تعمقت العلاقات، في كافة المستويات العسكرية والاقتصادية وغيرها، لتبادل المنافع.

أفاد مزارعون ومسؤولون إداريون سابقون في محافظة الرقة، أن عضو البرلمان ورجل الأعمال السوري حسام قاطرجي، كان يدير شبكة من السماسرة والتجار، تعمل على شراء “القمح من المزارعين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ونقله إلى دمشق، وسمح ذلك للتنظيم بأخذ حصة من القمح”، بحسب (رويترز).

مكّنت تلك العلاقة نظامَ الأسد من الحصول على القمح من شمال شرق سورية، وكانت تتم عملية الصفقات التجارية في الرقة، لكونها معقل التنظيم، حيث أوضح عدد من المزارعين والمسؤولين المحليين في المحافظة كيف كانت تتم عملية الشراء لصالح “قاطرجي” الذي يُعدّ من “طبقة رجال أعمال جديدة، ارتفع نجمها خلال الحرب”.

محمد كساب (مدير مكتب قاطرجي) نفى أن تكون “مجموعة قاطرجي” الناشطة في التجارة على “صلة مع التنظيم”، وفي الوقت نفسه أكد أن المجموعة تقوم فعلًا بتزويد نظام الأسد بالقمح من شمال شرق سورية، ويتم ذلك “عبر الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم إلى العاصمة دمشق”.

بحسب (رويترز)، سُئل كساب عن “الكيفية التي استطاعت بها الشركة شراءَ القمح ونقله، من دون أي اتصال بالدولة الإسلامية”؛ فأجاب إن ذلك “لم يكن سهلًا، وكان الموضوع في غاية الصعوبة”، ورفض إعطاء تفاصيل، مبررًا أن ذلك “يطول شرحه”، وبعد تلك المحادثة، لم “يرد على مكالمات أو رسائل أخرى”.

المزارع محمد الهادي -وهو مالك أرض زراعية قرب الرقة- قال: “كنت أبيع المحصول لتجار صغار، وكانوا يرسلون القمح إلى التجار الكبار الذين يرسلونه إلى قاطرجي والنظام، من خلال تاجرين أو ثلاثة”، ووصف العملية بأنها كانت “منظمة”، وأن المزارعين كانوا يبيعون “إنتاجهم من القمح” خلال الموسم لـ “تجار قاطرجي”، وأضاف الهادي أنهم كانوا “مضطرين إلى دفع الزكاة، بنسبة 10 في المئة من الإنتاج، للدولة الإسلامية”.

في سياق ذلك؛ أكد مسؤولون محليون استلموا بعض الإدارات، بعد رحيل (داعش) من مناطق في الرقة، أن “تجار قاطرجي كانوا يشترون القمح من الرقة ودير الزور”، مقابل أن يحصل التنظيم على نسبة “20 في المئة”، وأكد أوس علي أن التنظيم كان يقتطع من السائقين الذين كانوا أيضًا يهربون القمح نسبة 20 في المئة من حمولات شاحناتهم.

بحسب “معتقلين” كانوا لدى (داعش) وآخرين كانوا “يعملون في تحصيل الضرائب ورسوم الطرق للتنظيم”، فإن سائقي الشاحنات التابعة لقاطرجي كانوا “يدخنون السجائر في أثناء مرورهم بالحواجز الأمنية، على الرغم من أن التنظيم كان يعاقب غيرَهم من المدخنين بالجَلد”، وأكدوا أن تلك الشاحنات كانت تحمل شعارها الخاص بـ “قاطرجي” بشكل واضح، ولم تكن تتعرض لأي مضايقات، وقد نشطت حركتهم منذ أيار/ مايو، وحتى آب/ أغسطس هذا العام، وقال المزارع علي شنان: إن الحواجز الأمنية كانت “توقف الشاحنات، ويأخذ (داعش) حصته، ويسمح لها بالمرور”.

الشاحنات التي تنقل القمح كانت تسلك “طريق الجسر الجديد على نهر الفرات إلى طريق آخر يؤدي إلى خارج الرقة”، ولم يتضح حتى الآن مَن هي الجهة التي “تسيطر” على ذلك الجسر.

عبد الله العريان، وهو محام يقيم في مدينة الرقة، أشار إلى أن الشاحنات التي تتبع قاطرجي “كانت تجلب إمدادات”، من مناطق نظام الأسد إلى “المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم”، ومنها “الدواء والغذاء”، وأن بعض “التجار كانوا عملاء لديه”، مع العلم أن خصوم التنظيم كانوا “يُقتلون بالرصاص أو تقطع رؤوسهم في الساحات العامة”.

يتم تزويد السائقين بأوراق ووثائق “مختومة بأختام في الحواجز الأمنية” صادرة عن “الإدارة المعنية بفرض الضرائب”، تسمح بمرور حمولات “القمح”.

زعم عبد الله الغربي، وزير (التجارة الداخلية وحماية المستهلك) لدى نظام الأسد، في آب/ أغسطس الماضي أن حكومة الأسد لا تتعامل مع (داعش)، في شراء القمح “على الإطلاق”، وقال: “نحن نستورد القمح من شركات روسية، إضافة إلى محصولنا المحلي”.

يذكر أن محافظات الحسكة والرقة ودير الزور تمثل “مصدر نحو 70 في المئة من إجمالي إنتاج القمح في سورية”. إن تقدم قوات (قسد)، في بعض المناطق التي كانت بيد (داعش)، سيفتح بابًا لكي تتاجر هي الأخرى بطريقة تشابه ما فعله التنظيم مع نظام الأسد، بتبادل المنافع على حساب الشعب السوري، ومدنه المحاصرة التي يموت أبناؤها جوعًا وتتوسل الإغاثة، وهي مفارقة في بلد غني بالمحاصيل والغذاء تتقاسمه الغربان. ح . ق.


جيرون


المصدر
جيرون