أولوية إعادة إعمار الرقة.. صعوبات ونقص تمويل لا توقف الأحلام



السورية نت - رغداء زيدان

فيما تخوض "قوات سوريا الديموقراطية" آخر معاركها لطرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من معقله السابق في الرقة، ينتظر متطوعون في مجلس الرقة المدني بفارغ الصبر الضوء الأخضر للشروع بحلم إعادة إعمار مدينتهم التي أنهكتها المعارك.

داخل مقرهم في مدينة عين عيسى الواقعة على بعد أكثر من خمسين كيلومتراً شمال مدينة الرقة، ينهمك أعضاء المجلس من ناشطين ومهندسين ومحامين في عقد اجتماعات ومراجعة الخطط الموضوعة لإعادة إعمار مدينتهم، وهو ما يشكل أولوية مطلقة لهم فور انتهاء المعارك.

ويقول عضو المجلس المهندس محمد حسن (27 عاماً): "نعرف كل شبر في هذه المدينة وننتظر أن نسمع خبر التحرير بعد أيام".

ويتصفح محمد خريطة على طاولة أمامه تظهر مدينة الرقة، ويشير إلى محطتين لضخ المياه تحتاجان إلى إعادة تأهيل، وإلى طرق رئيسية يتوجب رفع الأنقاض منها. ويضيف بحماسة "سنبدأ من الخارج ونعمل في طريقنا".

وتمكنت "قوات سوريا الديموقراطية" المؤلفة التي تدعمها واشنطن من السيطرة على نحو تسعين في المئة من مدينة الرقة التي كانت تعد أبرز معقل لـ"تنظيم الدولة" في سوريا.

وألحقت الاشتباكات والغارات التي ينفذها التحالف دماراً كبيراً بالأبنية والطرق والبنى التحتية التي يخطط مجلس الرقة المدني للمباشرة بإعادة تأهيلها فور توقف المعارك. ولعل الجرافات المتوقفة أمام مقره المتواضع المؤلف من طابقين، خير دليل على ذلك.

وتأسس المجلس في نيسان/أبريل قبل نحو شهرين من بدء "قوات سوريا الديموقراطية" هجومها داخل الرقة في حزيران/يونيو، بهدف تولي إدارة شؤون المدينة بعد طرد التنظيم منها. ويضم أكثر من مئة عضو من أهالي الرقة.

ويتوزع أعضاء المجلس من نساء ورجال من أعمار وقوميات ومذاهب متعددة، وبينهم وجهاء عشائر وشخصيات سياسية وثقافية وناشطون ومتخصصون، على 14 لجنة تنشط في مجالات مختلفة من إعادة فتح المدارس إلى إصلاح محطات المياه والكهرباء وصولاً إلى ترميم المنازل والمستشفيات.

أولوية نزع الألغام

ويشكل نزع الألغام التي زرعها "تنظيم الدولة" في الأحياء والمؤسسات وحتى داخل المنازل، أولوية لجنة الإعمار في المجلس.

ويقول رئيس اللجنة ابراهيم الحسن: "إزالة الألغام تحد كبير بالنسبة لنا. لا نستطيع القيام بأي عمل قبل نزعها من المنطقة".

ويتابع: "إزالة الألغام أولاً، ثم رفع الأنقاض والنفايات، فإعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصحة والمدارس. هذه هي الأولويات الأساسية".

ومن المرجّح، وفق رئيس اللجنة، استيراد معظم مواد البناء اللازمة لمشاريع الإعمار من المنطقة الكردية المجاورة في العراق، من دون أن يستبعد إمكانية الحصول على إمدادات من مناطق تحت سيطرة قوات النظام في حلب ودمشق.

ويوضح أنّ الآليات المتوقفة خارج مقر المجلس هي أول دفعة من إجمالي 56 آلية ستصل في الأسابيع المقبلة، كجزء من دعم توفره وزارة الخارجية الأمريكية.

ويشرح مسؤول أمريكي عن العمليات الإنسانية في سوريا أن الحكومة الأمريكية والتحالف الدولي، "ملتزمان بمشاريع قصيرة المدى وسريعة الأثر" لإعادة الحياة إلى الرقة بعد طرد "تنظيم الدولة" منها.

وتشمل هذه المشاريع دعم عمليات نزع الألغام في البنى الحيوية كالمدارس والمستشفيات وتوفير الدعم الغذائي والصحي بمجرد السيطرة على كامل المدينة.

ويوضح المسؤول الأمريكي في الوقت ذاته "لكننا لسنا هنا إلى الأبد لإصلاح كل شيء. لا مال لدينا أو رغبة لقضاء عشرين عاماً في نزع الألغام من المنازل".

وقدمت الولايات المتحدة إلى مجلس الرقة المدني حتى الآن، وفق ما يقول مسؤول أمريكي ثان في مجال عمليات الإغاثة الطارئة في سوريا، أكثر من 900 طن من المواد الغذائية تتضمن الأرز والحبوب والقمح. وتم تخزينها في صوامع حبوب أعيد تأهيلها قرب مدينة عين عيسى.

كما تتضمن المساعدات خزانات مياه ومستلزمات نظافة لعشرات الآلاف من المدنيين المتوقع عودتهم إلى الرقة فور إكمال "قوات سوريا الديموقراطية" سيطرتها عليها.

دعم أوروبي

وتلقى مجلس الرقة المدني دعماً مالياً أيضاً من الاتحاد الأوروبي لتمويل عمليات نزع الألغام. ويقول عضو المجلس عبدالله العريان إن التمويل بقيمة "ثلاثة ملايين يورو".

ويضيف العريان وهو محام سافر في عداد وفد من المجلس إلى روما الشهر الماضي للحصول على دعم مالي "الرقة دُمرت لكي لا يضرب الإرهاب واشنطن أو باريس أو لندن"، مشيراً إلى الشبهات بأن الرقة شكلت مسرحاً للتخطيط لاعتداءات حول العالم نفذها التنظيم المتطرف.

ويضيف بنبرة حاسمة "الشركاء في الدمار يجب أن يكونواً أيضاً شركاء في الاستثمار".

وينتظر العريان مع أطفاله الستة الدخول إلى المدينة حتى يتمكنوا من رؤية ما تبقى من منزلهم الذي فروا منه قبل 15 شهراً.

ويقول أعضاء في مجلس الرقة المدني إنهم غير قادرين حتى اللحظة على تحديد كلفة إعادة إعمار المدينة جراء استمرار العمليات العسكرية وعدم قدرتهم على دخول كل أحيائها ومعاينة الدمار عن قرب.

وتوضح الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني المهندسة المدنية ليلى مصطفى: "لن تكون الرقة المدينة التي تركتها قبل خمس سنوات. بات فيها الكثير من الأوجاع والآلام".

وتشدد على أن "مسؤولية إعمار الرقة لا تقع على عاتق أهالي المدينة فحسب"، بل تحتاج إلى "دعم المجتمع الدولي"، مؤكدة أن المجلس ليس بوارد التعاون إطلاقاً مع نظام الأسد في مسألة إعادة الإعمار.

وتوضح: "لا مشكلة لدينا في التعامل مع شخصيات وشركات (في مناطق سيطرة قوات النظام)، لكن على صعيد النظام، لا نتعامل معه سياسياً ولا اقتصادياً".

اقرأ أيضاً: مهمة متعددة الأغراض.. الجيش التركي يبدأ مرحلته الأولى بإدلب




المصدر