ما أسهل قتل الإعلاميات السوريات!
13 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر، ضجت وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، بخبر مقتل الناشطتين السوريتين: عروبة بركات وابنتها حلا، طعنًا بالسكين في شقتهما بمدينة إسطنبول. فيما أشارت أخت القتيلة شذى على صفحتها في (فيسبوك) بأصابع الاتهام إلى النظام السوري، على خلفية رسائل تهديدٍ تلقتها عروبة، عبر جهازها النقّال، ولم تعرها بالًا.
الجريمة المروعة التي أودت بحياة معارضتَين من جيلين مختلفين، في يوم السلام العالمي، هزت الرأي العام، فعروبة البالغة من العمر ستين عامًا غادرت سورية إلى بريطانيا، بسبب معارضتها لنظام حافظ الأسد في ثمانينيات القرن العشرين، وما إن انطلقت الثورة السورية حتى انخرطت في صفوفها، واستقرت في تركيا، وكانت عضوًا في المجلس الوطني السوري، وقبيل مقتلها بأيام، أسست مكتبًا لجمعية نسائية في منطقة الفاتح بمدينة إسطنبول، أما ابنتها حلا التي لا تزال في ربيعها الثاني والعشرين فهي إعلامية، متخرجة في كلية العلوم السياسية، كانت تعمل في موقع (أورينت نت)، وأجرت العديد من المقابلات والتحقيقات المصوّرة، حول الانتهاكات في سجون النظام السوري.
بعد فترة وجيزة من وقوع الجريمة، ما لبثت الصحف أن سرّبت خبر إلقاء القبض على قريب الضحيتَين أحمد بركات للاشتباه به، وهو شاب لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره، ولم يمضِ على دخوله إلى تركيا عبر حدودها مع إدلب أكثر من شهرين، بمساعدة القتيلتين. ثم عادت الصحف، وسربت مجددًا نتيجة التحقيقات التي أسفرت عن اعتراف الجاني بفعلته، قتل عروبة، لأنها لم تدفع له أجره لقاء عمله في مكتبها مدة شهر، وقتل حلا، لأنها صارت تصرخ حين رأت والدتها مضرجة بالدماء.
بصرف النظر عن مدى دقة التسريبات الإعلامية، أو عن هوية الجاني ودوافعه الحقيقية؛ فإن هذه الجريمة البشعة تشكّل سابقة جديدة من نوعها، باستهدافها حياة معارضتين سوريتين معروفتين في بلد اللجوء، كما أنها تعيد إلى الأذهان مختلف صور الموت المجّاني الذي راحت ضحيته الكثير من النساء في سورية، لا سيّما الناشطات السلميات منهنّ والإعلاميات.
منذ بداية الثورة وحتى أواسط عام 2017، وثقت (الشبكة السورية لحقوق الإنسان) “مقتل ما لا يقل عن 23502 من الإناث من جراء الحرب، كان النظام السوري وأعوانه من الميليشيات الأجنبية وإيران وروسيا مسؤولين عن 90 بالمئة منها”، كما سجلت الشبكة “مقتل 41 معتقلة تحت التعذيب، في مراكز الاحتجاز السورية”، بينما سجل تقرير (الإعلاميات في سورية/ الواقع والتحديات) الصادر عن (رابطة الصحفيين السوريين) “اشتراك جميع الأطراف المتصارعة بارتكاب 22 انتهاكًا بحق الإعلاميات في سورية، منها أربع حالات قتل، استهدفت الإعلاميات السوريات من المعارضة والموالاة، على حد سواء”.
ما لم يذكره تقرير الرابطة أن قتل الإعلاميات في سورية لم يقتصر على السوريات فقط، بل طال أيضًا المراسلات الأجنبيات اللاتي أردن نقل معاناة الشعب السوري إلى العالم، وبدأ من مراسلة صحيفة (صنداي تايمز) ماري كولفين، حيث استهدفت قذائف النظام السوري المركز الإعلامي الذي كانت تقيم فيه، في حي بابا عمرو بحمص، ما أدى إلى مقتلها مع زميلها ريمي أوشليك، وإلى إصابة الصحفية الفرنسية إديت بوفييه، والمصور وليام دانيالز في 22 شباط/ فبراير 2012، وبعد أقل من ستة شهور على تلك المقتلة، راحت أيضًا مراسلة (جابان برس) ميكا ياماموتو ضحية نيران النظام، في حي سليمان شرقي بحلب، في 20 آب/ أغسطس.
تقرير الرابطة يبدأ من مقتل صحافيتين، لدى مؤسسات إعلامية تابعة لنظام الأسد، منى بكور التي كانت تعمل في مكتب صحيفة (الثورة) بحلب، وراحت ضحية التفجير الذي تبنته (جبهة النصرة)، واستهدف نادي الضباط وساحة سعد الله الجابري، في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2012. ثم مقتل مراسلة قناة “الإخبارية السورية” يارا عباس، برصاص قناص على طريق حمص-القصير، في 27 أيار/ مايو 2013.
لم يمضِ أكثر من ثلاثة شهور، حتى بدأ استهداف الإعلاميات المعارضات، حيث قام مسلحون ملثمون بفتح النار على الناشطة الإعلامية إيمان الحلبي واغتيالها، في مدينة الرقة في 8 أيلول/ سبتمبر 2013. وفي 18 أيلول/ سبتمبر 2015، قصف طيران النظام بالبراميل المتفجرة مقرَّ إذاعة (سورية الغد) في مدينة بصرى الشام بدرعا، فقُتلت الصحافية لانا لافي، التي كانت في الأستوديو قبل أن تكمل برنامجها الإذاعي. وقبل ذلك بنحو شهر، اختطف تنظيم (داعش) الناشطة الإعلامية الكردية رقية حسن، المعروفة باسم نيسان إبراهيم في مدينة الرقة، وأعدمها بتهمة التعامل والتخابر مع “الصحوات”، أواخر عام 2015.
لعل حالات القتل التي تم توثيقها هي أقل بكثير مما هو عليه واقع الحال، فمن الصعب الكشف عن مصير اللاتي خُطفن أو وقعن قيد الاعتقال والاختفاء القسري، وصرن أرقامًا راحت ضحية التعذيب أو الإعدام، كما أن قسمًا لا بأس به من الناشطات الإعلاميات يعملن بأسماء مستعارة ودونما عقود، داخل سورية وفي بلدان اللجوء، وقد تكون إحداهن ذهبت غدرًا وهي تقوم بواجبها، أو تبحث عن ملاذ آمن، ولم يتم التعرف على هويتها بعد، فمقتل عروبة وحلا يفضح كم بات سهلًا تصفية الناشطات والإعلاميات السوريات، أينما وجدوا.
تهامة الجندي
[sociallocker]
جيرون