نعم نحن عنصريون



بهذه الكلمات غرّد، قبل أيام، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، واختصر مشكلة الوجود السوري في لبنان بهذه العبارات: “إن لبنان لن يسمح بإقامة مخيمات للنازحين السوريين فوق أرضها، وليس أمام السوريين سوى طريق العودة إلى بلادهم”، ثم أضاف: “نعم نحن عنصريون لبنانيون، ونحن في الوقت نفسه منفتحون على العالم، ولا يحق لأي كان في العالم أن يفاتحنا بموضوع الإنسانية”.

بعد ستة أعوام من اللجوء والنزوح القسري؛ يجد اللاجئ السوري في لبنان نفسه مُكرهًا بين أشقائه اللبنانيين بفعل نزوحه القسري، ووسط تراشق تصريحات المسؤولين اللبنانيين والتصريحات المضادة القائلة بوجوب منح بعض المعاملة الإنسانية للاجئين السوريين، تنطلق حملة التجييش التي يطلقها البعض، وينسب فيها كل مآسي لبنان إلى السوريين، مع إطلاق فزاعة الإرهاب وخراب الاقتصاد، المنسوبة إلى النازحين، يدرك مطلقوها جيدًا أنه ما من سوري يقبل بغير بلدته أو قريته ومدينته التي هُجّر منها، لكن امتهان الطبقة السياسية اللبنانية، في تسويق ثقافة الخوف من “الغرباء”، لم تكن وليدة اليوم من أبناء “الجلدة” الواحدة، على الرغم من جهد البعض لتغيير جلده، من باب الطائفية السياسية، للتباهي “بالعنصرية” والادعاء بالانفتاح على الآخر.

كل من هو ليس سوريًا أو لا ينتمي إلى أبناء الجلدة الواحدة، هو المقصود “بانفتاح” باسيل أو العقلية السياسية الطائفية المتقاطعة بالأصل مع طروحات النظام السوري مع اللاجئين والنازحين وضحايا عدوانه عليهم.

تعيد تصريحات الوزير باسيل فتح السجال مجددًا عن فزاعة اللاجئين السوريين في لبنان، مع وجود مئات التقارير المحلية والدولية التي تشير إلى بؤس وتردي الوضع المعيشي والإنساني وممارسة أشكال متعددة من التمييز العنصري المتعمد ضدهم.

التهويل المستمر، من مخاطر وجود اللاجئين السوريين في لبنان، لا يدخل ضمن الحسابات السياسية أو الإنسانية أو ربطها أساسًا بما تعرضت له بيئتهم المجاورة للبنان، بل تُصر وتشدد. عقلية عنصرية يتباهى بها بعض لوردات الطوائف اللبنانية، والمعبر الصريح عنها تيار الوزير باسيل، لتعيد استحضار “الخلل” الديموغرافي والطائفي، إذا تم تناول حاجة اللاجئين الطبيعية إلى الأمن أو توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة، يَحضر مع هذه المفردات في قاموس التعاطي الرسمي بندُ التسول المالي من المجتمع الدولي، بذرائع وفزاعات أخرى لا تعود بالفائدة على السوريين في مخيمات النزوح اللبنانية، بل على العكس يجري تسويق ذرائع وتبريرات تخدم جلاد اللاجئين في بلدهم.

اعتبار تجمعات اللاجئين جزرًا أمنية تقتضي من السلطات الرسمية التنكيل المستمر بهم، لوجود بيئة سياسية اتخذت منهم شماعة لكل مشكلاتها، ومدخلًا واسعًا للتضييق عليهم، وانتهاكًا فاضحًا لكرامتهم الإنسانية، لن يحل مشكلات لبنان بالتخلص من “الغرباء”. إذا تخيلنا، مثل خيالات الطبقة اللبنانية، أن ملايين اللبنانيين المهاجرين في أصقاع العالم هم “غرباء”، وأن وتيرة العنصرية زادت -مثلًا- في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأوروبا والخليج العربي، حيث يتوزع المغتربون اللبنانيون، وكان منطق وزراء خارجية هذه الدول التباهي بالعنصرية؛ فإنّ حفل البكاء، بالتأكيد، سيرتفع على الإنسانية.

المأساة المركبة التي يعيشها اللاجئ السوري في لبنان، مع نشوء حاجات طارئة ومحددة، ناتجة أساسًا عن الظلم الذي وقع عليهم من نظامهم، ويعاقبون اليوم، مرةً، لأنهم رفضوا الظلم، وتارة أخرى لأن قدرهم ساقهم عند أبناء جلدتهم الذين يتباهى بعضهم بعدم الانتماء إليها.

يوفر الخطاب الرسمي اللبناني في تناوله مشكلة المخيمات السورية في لبنان، البيئة اللازمة لبث ثقافة عنصرية حاقدة، وصلت إلى ذروتها بـ “جرأة” أو وقاحة الوزير باسيل، وهي وقاحة اعتاد كثير من السياسيين اللبنانيين تكرارها، في العقود الماضية مع اللاجئين الفلسطينيين، لكنها بالمجمل تعطينا الحق بأن نفاتح “باسيل” وغيره عن ادعاءات الإنسانية التي يتشدق بها، وبأي حق يَمنع أن يُفاتحه أحد! طبعًا حق العنصرية مليء بكثير من الموانع التي تسقط كل الادعاءات والشعارات، فهي كثيرة بين تيار الوزير باسيل وحلفائه من بيروت إلى دمشق، نعم أنتم عنصريون، لكن بلا فخر.


جيرون


المصدر
جيرون