آثار حلب تركة النظام للميليشيات الإيرانية



ذكرت تقارير إعلامية مؤخرًا أن الميليشيات الإيرانية والعراقية استباحت آثار حلب ومخطوطاتها المقدّسة، بعد استيلاء النظام عليها، ونقلت كنوزها التراثية والدينية إلى طهران، فيما تبيع قسمًا منها لتجار الآثار في بيروت، ونقلت وكالة (الأناضول)، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، خبرًا مفاده أن “الشرطة التركية ألقت القبض على مواطن سوري من مدينة إدلب حاول تهريب (إنجيل) أثري يعود للعصر البيزنطي، قيمته مليون ونصف مليون دولار، إلى خارج تركيا”، في حين بيّن تقرير أخير نشره الأمن العام اللبناني أنه “ضبط 4 آلاف قطعة أثرية مُهرّبة من سورية إلى لبنان، وكانت قيدَ البيع”.

كل ذلك يدل على أن الإرث التاريخي الأثري في الشمال السوري انتُهك بشكل صارخ، وشارك في انتهاكه عدة جهات، إلا أن النظام وميليشياته كان لهم الدور الأكبر في تقويض هذه الصروح التاريخية، في هذا المعنى، قال أنس المقداد باحث وخبير بآثار سورية لـ (جيرون): “لا أستبعد أن تقوم الميليشيات الإيرانية وأتباعها من (ألوية الباقر) و(أبو الفضل العباس) بالعبث والتجارة بالتراث والآثار والمخطوطات السورية بشكل عام، وبخاصة في مدينة حلب، ولكن على ما أعتقد لا يوجد مخطوطات في مدينة حلب تعود إلى عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو إلى عهد الخلفاء الراشدين”.

مؤكدًا أن “أقدم مخطوط يوجد في مدينة حلب (المصحف الكريم) الذي يعود إلى العصر المملوكي، وكان محفوظًا في المكتبة الوقفية التي تقع بجانب الجامع الأموي في مدينة حلب القديمة، وكثيرٌ من المخطوطات والوثائق تعود إلى العصر العثماني، إضافة إلى مكتبة مهمة تحوي تقريبًا أكثرَ من 5000 مخطوطة ووثيقة تاريخية”.

أضاف المقداد: “تم تجميع كل هذه المخطوطات من مكتبات حلب، من المدرسة الخسروية والمدرسة العثمانية والمدرسة الصديقية والمدرسة الرفاعية والمكتبة الشرفية ودار الكتب الوطنية، وتم نقل قسم من المخطوطات إلى المكتبة الوطنية في دمشق قبل قيام الثورة بأعوام، لكن أغلب محتويات المكتبة الوقفية نقَلها، في أثناء الثورة، فريق عمل من سكان مدينة حلب، يهتم بالتراث والآثار الحلبية، وقام كذلك بنقل وتفكيك محراب الجامع الأموي إلى مكان آخر”.

أما النقوش على الحجر في مدينة حلب، فأكد المقداد أن “أغلبها يعود إلى العهد السلجوقي والعصر الأيوبي والمملوكي، وتم تدمير بعضها بسبب القصف الهمجي على المدينة القديمة، حيث دُمّرت الكثير من المباني مثل الحمامات والخانات والمساجد والمدارس والكنائس الدينية”.

من جانب آخر، قال القاضي محمد نور حميدي، من إدلب: “تعرّضت الآثار في الشمال السوري لعمليات دمار وسرقة واسعة النطاق، وسُجّلت سرقة آلاف القطع الأثرية من متاحف إدلب وحلب، وحاليًا تتولى الميليشيات المنتشرة في حلب مهمة سرقة ونهب ما تبقى من المخطوطات التاريخية التي حاول الأهالي في فترة سابقة حمايتها بطريق الطمر”، لافتًا إلى أن “وجود بعض المناطق الأثرية في مناطق القصف الجوي أسهم أيضًا في تدميرها، كقلعة حلب التي تحصّن بها النظام، إضافة إلى  قلعة الحصن، وقد استغل النظام وميليشياته الفوضى الحاصلة، فقاموا بالتنقيب عن الآثار واستخراج آلاف القطع الأثرية وبيعها إلى الخارج”.

في سياق آخر، لفت حميدي إلى أن العبث بالآثار السورية امتدّ إلى مناطق سيطرة المعارضة، وقال في هذا الجانب: “أصبح التنقيب عن الآثار في تلك المناطق علنيًا، ويقوم به التجار في وضح النهار”، مؤكدًا أن “انعدام الرقابة وفتح الحدود سهّل هذا العمل المشين، ولم يعد التنقيب عن الآثار أو تهريبها جرمًا بل أصبح متاحًا لكل الناس، علمًا أن القانون السوري كان يجرم من يقوم بهذه الأعمال، ويترتب على المهربين والمنقبين والمتاجرين بالآثار عقوبات صارمة”.

أما بخصوص الانتهاكات التي طالت المواقع الأثرية في عموم سورية، فأوضح المقداد: “لقد تم تدمير الكثير من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في سوريانا، ولا نعرف الى أي حد ستذهب بنا الكارثة التي نعيشها يوميًا من تدمير الإنسان والمكان والبيئة والنسيج الإنساني والعمراني في بلدنا، فقد تم تدمير أغلب المعالم الأثرية في مدينة حلب القديمة من طائرات الاحتلال الروسي وطائرات النظام السوري، وكذلك قام (داعش) بتدمير الآثار في مدينة تدمر القديمة، من معابد ومدافن بتمثيلية متبادلة مع النظام والقوى الخارجية الحاقدة على تراثنا وآثارنا، وقُصف موقع مدينة (إيبلا) في محافظة إدلب والكثير من المواقع الأثرية في المحافظة، وكذلك تم قصف موقع مدينة ماري (تل الحريري) قرب مدينة البوكمال، وتم قصف الكثير من المواقع الأثرية على امتداد بلادنا”.

مضيفًا: “كذلك تم العبث بتراثنا وآثارنا من المافيا المحلية والدولية، فقد تعرضت الكثير من القطع الأثرية في المتاحف والمواقع الأثرية في بلدنا للسرقة، وهناك بعض الجاهلين من السكان والكتائب العسكرية المحسوبة على الثورة قاموا بحفريات تخريبية، في كثير من المواقع الأثرية على امتداد سورية”.

حضّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) مرارًا، وأخيرًا في ندوتها في العاصمة الفنلندية هلسنكي، 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بعنوان (تدمير سورية.. والحفاظ الرقمي على العمارة من تدمر إلى حلب)، المنظمات الدولية لحماية ما تبقى من الآثار السورية والإرث الثقافي السوري، لا سيّما أن هناك الكثير من المواقع السورية تدخل ضمن لائحة التراث العالمي، وتعدّ شاهدًا على تطور البشرية، وتمّثل تاريخًا لا يمكن أن يتكرر.


آلاء عوض


المصدر
جيرون