لا 100% ولا 8% .. زيادة الرواتب.. “تسلية” نظام الأسد بموظّفيه




في عام 2010، تناولت حلقة من المسلسل السوري الكوميدي “بقعة ضوء” موضوع “زيادة الرواتب” التي يتم منحها للموظفين والعمال في سوريا بشكل ساخر. الحلقة التي تمّ إنتاجها قبل اندلاع الثورة السورية، تطرقت لـ “دعاية” النظام حول زيادة الرواتب، وأظهرت عمّالاً في أحد المصانع قاموا بإضراب عن العمل وطالبوا بزيادة 20% على الراتب لفك الإضراب، ثم يقوم “الأستاذ” الذي هو مدير المصنع بمنحهم زيادة قدرها 30%، ولكن الراتب الذي كان يكفي لـ 20 يوم، لم يعد يكفي لـ 15 يوماً بعد الزيادة، وذلك لأن الجهة التي رفعت الرواتب 30%، رفعت الأسعار مقابلها بنسبة 60%.

اليوم وبعد سنواتٍ على هذه الحلقة، وتغيّر الظروف بشكلٍ كبير، بات الوضع أكثر سوءاً من الناحية الاقتصادية، وتطوّرت أساليب وأدوات النظام للّعب على وتر “الرواتب”.

وهم

قبل أيام، وعقب إعلان الموازنة العامة غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بشائعات تتحدّث عن زيادة 100% للرواتب في سوريا. لكن وزير المالية في حكومة النظام نسف هذه الشائعة، مُشيراً إلى أنه ليس هناك زيادة بالرواتب وإنما ترفيعات وظيفية بنسبة 8% من موظفي الدولة ضمن خطة عام 2018. هذا التصريح نسف أحلام السوريين الذين كانوا ينتظرون هذه الزيادة، التي تُعتبر الأولى من نوعها بدرجة 100%، ليتبيّن في نهاية المطاف أن الزيادة عبارة عن “شائعة” لا أكثر.

ولكن هذه الشائعة ليست الأولى من نوعها، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية السورية خلال السنوات الماضية، عشرات الشائعات عن زيادة الرواتب، يتهم مطلعون أجهزة النظام السوري بالوقوف خلفها، لخلق حالة أمل وهمي للسوريين ومحاولة تأخير عملية الانفجار من شدّة الغلاء وقساوة الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

يقول فؤاد عبد العزيز، الصحفي المتخصّص بالشأن الاقتصادي لـ “صدى الشام”: ” يتم بثّ الإشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تحريض النظام على تقديم زيادة على الرواتب، بعد أن وصل الفارق بين دخل الموظف والتكاليف الحقيقية لمستوى المعيشة إلى مستوى مرتفع، وزادت نسبة من باتوا تحت خط الفقر”، معتبراً أن هذه الإشاعات لن تكون مجدية، لأن النظام يقوم بعد فترة بنفيها.

وأضاف أن تصريح الزيادة بنسبة 8% الذي خرج من وزير المالية مأمون حمدان مؤخّراً خيّب آمال السوريين لأن القصد كان ترفيع الموظفين درجة كونه يتصادف مع بداية عام 2018.

وأضاف أنه على الرغم من إشاعات الزيادة في العام القادم ولكن الحقيقة أن لا زيادة على الراتب.

من يروّج للشائعات؟

بعد “الالتباس” الذي دار حول كلام وزير المالية مأمون حمدان، وجعلَ  موظّفي النظام يتعلقون بقشّة الأمل برز اتجاهان إعلاميّان؛ الأول هو ضخّ معلومات حول الرواتب في محاولة للضغط على حكومة النظام بهدف زيادة الرواتب فعلاً، والثاني تستخدم فيه الوسائل فكرة الرواتب لحصد المشاهدات والمتابعين.

لكنها ليست المرّة الأولى التي تقوم بها وسائل إعلام مقرّبة من النظام بهذا النوع من الشائعات، فالعديد من القرارات المصيرية التي كان النظام يتّخذها، كان يقوم ببثّها على أنّها “إشاعة” عبر وسائل مقرّبة منه، بغرض جس نبض الشارع السوري حولها، وهو ما حدث عندما رفع النظام أسعار الخبز والمازوت والبنزين والغاز، وعندما منع طلاب الدراسات العليا من السفر خارج سوريا، حيث يرى مراقبون أن النظام استخدم الطريقة ذاتها بموضوع الرواتب بهدف “تخدير” الموظّفين إعلامياً وشغلهم عن تصريحات مسؤوليه التي تتحدّث عن الزيادة.

النظام عاجز فعلياً

عند البحث في أسباب عدم اعتزام النظام تقديم أي زيادة في الراتب، يُرجِع الصحفي فؤاد عبد العزيز، ذلك إلى “تراجع قيمة الليرة السورية عشرة أضعاف بالنسبة للعملات الصعبة، ما يجعل النظام غير قادر على تغطية زيادات الرواتب وفق القيمة الحقيقية لليرة السورية”.

ويضيف: “هناك أكثر من مليون موظف حكومي وأي زيادة تعني رقم بمليارات الليرات شهرياً يعجز النظام عن تغطيته من الناحية الاقتصادية”. ويلفت عبد العزيز إلى أنه ضمن وضع الرواتب الحالي حتى لو كان جميع أفراد الأسرة موظفين، فإن دخلهم لن يكفي لتغطية مصاريفهم الشهرية وفق الحد الأدنى الذي حددته دراسات خرج بها النظام.

وتُعتبر التكلفة المادية العالية للآلة العسكرية، إضافةً إلى غياب الصادرات بشكل كبير، وارتفاع الواردات، أحد أبرز الأسباب التي حالت دون قدرة النظام على تأمين بدل نقدي متوازن مع مستوى الإنفاق في سوريا.

تصريحات دون أفعال

على غرار تصريح وزير المالية الملتبس و”غير المفهوم” كان مسؤولون في حكومة النظام قد أثاروا موضوع زيادة الرواتب لإشاعة أمل لدى السوريين، ففي أواخر شهر أيلول الفائت، قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ريما القادري: “إن موضوع زيادة رواتب وأجور الموظفين في سوريا مطروح على طاولة نقاشات الوزارة”.

ونقلت صحيفة “الوطن” المُقرّبة من النظام عن القادري قولها: “إن هناك عدة سيناريوهات بخصوص هذا الموضوع، مضيفةً أن حكومتها ستدرس الموضوع بتروٍّ، وستتمهل قبل إضافة أي أعباء جديدة على عاتقها”.

تصريح القادري سبقه قبل أسبوع واحد، تصريح مماثل لرئيس الحكومة، عماد خميس، الذي أوضح أنه “ناقش مقترح زيادة الرواتب مع لجنة السياسات الاقتصادية، وقال إن “الزيادة ممكنة، لكن ما هي النتيجة إذا لم يكن هناك تنمية اقتصادية تسعى في مضمونها إلى تحقيق الموارد؟”.

لم يدم تصريح خميس طويلاً، حتّى أطلّ وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر خليل، ليقول: “إن الحكومة ماضية في تحسين دخل المواطنين وتخفيض الأسعار في الأسواق”.

وأوضح الوزير خليل في حديث إذاعي أن “التحسن يسير في اتجاهين الأول هو زيادة الرواتب والثاني قدرة الدخل على شراء السلع، ما يعني تخفيض أسعار السلع والمنتجات”، مبيّناً أن “زيادة الرواتب لا تشمل جميع فئات المجتمع”، في إشارة إلى أن الزيادة تشمل موظفي القطاع العام.

الغريق يتعلّق بـ “قشّة”

رغم أن هذه الشائعات ليست جديدة فإنّ ما يدفع الناس إلى تصديقها هو الوضع الاقتصادي السيء، ومحاولتهم التمسّك بأي بصيص أمل من شأنه تحسين ظروف حياتهم، وتخفيف جزء من أعبائهم المعيشية.

وتأتي متابعة السوريين لأي أخبار عن زيادة الرواتب، على الرغم من أن الزيادات السابقة التي أقرّها النظام لم تُحدث أي فرقٍ واضح في مسار حياتهم، ولم تتمكّن من إعانتهم على مواجهة الغلاء الفاحش.

وبينما يُقدّر الصحفي المُتخصّص بالشأن الاقتصادي فؤاد عبد العزيز متوسّط الدخل للموظّف بين 30 – 40 ألف ليرة، توصّلت “صدى الشام” إلى أن إنفاق هذا الموظّف على عائلته يفوق الراتب بعدّة أضعاف.

وبحسبة بسيطة لعائلة مكوّنة من خمسة أشخاص، فإن الموظّف يحتاج ما لا يقل عن 300 ألف ليرة شهرياً لسد احتياجاته، أي أن راتبه يُغطّي فقط 10% من مجمل إنفاقه.

وتوزّعت المصاريف بين حوالي 95 ألف ليرة للغذاء لهذه الأسرة، وحوالي 70 ألف ليرة للسكن مع الفواتير و20 ألف ليرة للنقل والمواصلات، و16 ألف ليرة للتعليم، ومثلها للملابس، ومصاريف أخرى مهمّة كالصحّة والاتصالات والأدوات المنزلية، ومصاريف أخرى جانبية لا تشمل أي نوع من الرفاهية.

هذا الواقع كلّه جعل من الموظّف جاهزاً أوتوماتيكياً لاستقبال أية إشاعة لها علاقة بزيادات في الرواتب.

ووفقاً للنسخة الأخيرة من مؤشر”Numbeo”  لمتوسط الراتب الشهري في العالم لعام 2017، فقد حلّت سوريا بالمرتبة الأخيرة عربياً بمتوسط راتب لم يتجاوز 99 دولارًا أمريكي، أي ما يعادل 50 ألف ليرة سورية.

معاناة

في محاولةٍ لتوضيح الحاجة الكبيرة للموظفين السوريين في مناطق النظام، التقت “صدى الشام” بموظّفين اثنين في وسألتهم عن إشاعات زيادة الرواتب وتفاعلهم معها.

“وداد” مدرّسة لغة عربية في مدرسة ثانوية في منطقة صحنايا قرب العاصمة دمشق، تعمل هذه الأربعينية كمُدرّسة منذ أكثر من 13 عاماً وهي تحمل الشهادة الجامعية، ولكن مدّة الخدمة الطويلة هذه لم تكن نافعة بحيث تؤدي إلى زيادة راتبها عن 55 ألف ليرة سورية (نحو 100 دولار).

في ردّها على سؤال “صدى الشام” حول تناسب راتبها مع نفقاتها تقول وداد، “إن الآجار الشهري لمنزلي وحده يبغ 60 ألف ليرة، ويُضاف إليه نحو 10 آلاف مصاريف الاتصالات والمياه والكهرباء، دون حساب المواصلات والألبسة والصحّة والأغذية”.

وتضيف أن راتبها “شهد عدّة قفزات خلال فترة الأزمة، ففي عام 2013 ارتفع راتبي بمعدّل 2500 ليرة، ثم ارتفع مرّة أخرى بمعدّل 2500 ليرة عندما أقرّ النظام زيادة الرواتب بنسبة 10%، ثم ارتفع بشكلٍ استثنائي 1500 ليرة”.

وتوضّح وداد أن مجموع هذه الارتفاعات في الراتب بلغ ستة آلاف ليرة، وهو مبلغ لا يكفي لنصف تكاليف المواصلات من المنزل إلى المدرسة يومياً وبالعكس، موضحةً أنّها خُدعت بالإشاعات عن زيادة الرواتب أكثر من مرّة، وعلّقت آمالها على إشاعة الزيادة الأخيرة البالغة 100%.

وتتابع:” لو زاد الراتب لجميع الموظّفين بنسبة 100%، لكن الوضع أفضل بكثير بالنسبة لهم، لأن 80% من المشكلة سيتم حلّها ويكون مستوى الراتب متقارباً مع الإنفاق الشهري”.

من جهته يُشير ملاذ، الموظّف في مؤسّسة تابعة لجامعة دمشق، إلى أنّه ورغم كونه مُتأكّداً من أن كل إشاعات زيادة الرواتب غير صحيحة، إلّا أنّه كلما سمع عن إشاعة جديدة يعلّق أمله عليها.

وقال إنه خلال الأشهر الأخيرة، سمعَ بما لا يقل عن ستة إشاعات عن زيادة الرواتب، بعضها 100% وبعضها 50% وأخرى تتحدّث عن إضافة 10 آلاف ليرة لرواتب الموظّفين بشكلٍ عام، موضحاً أنه منذ ذلك الوقت تعايش مع الأمر ولم يعد يهتمّ بأي إشاعات.

ويشير ملاذ إلى أن كل عملية زيادة في الرواتب، كان يرافقها قفزة مضاعفة في أسعار السلع والبضائع الأساسية، بنسبة تُعادل ضعف أو ضعفي الزيادة، ما يجعلها غير مجدية ولا تُعطي أي تأثير في مصاريف الحياة اليومية.




المصدر