ما من سبيل له، أو لها



آن الأوان حقًا لأن يكفّ المُتنبئون أو الآملون عن تنبُّئهم وآمالهم في فوز أدونيس بجائزة (نوبل)، لأنّ شاعرنا كلما كاد ينسى الجائزة -يأسًا منها- دهمه إعلاميون ومثقَّفون بتوقّعاتٍ تُجدّد لديه أملًا، لا يلبث أنْ يخيب!

لقد ملَّ محبّو أدونيس، والتوَّاقون إلى تزيين مسيرته الأدبية الإبداعية بالجائزة العالميّة، قبل أن يضجر الشاعر نفسه من السيرة الممجوجة التي تُعاد وتتكرر، في مختلف الصحف والتلفزيونات والمواقع الإلكترونيّة -مع أكتوبر من كلّ عام- على نحوٍ يجعل حتى غير المعجبين بأدونيس يُشفقون على حاله.

بالفعل، بات من اللازم أن تتوقَّف المهزلة! مهزلة إيراد اسم أدونيس في جملة الأسماء المُحتملة للفوز بالجائزة.. مهزلة تذكيره بأن السنوات تعدو وتمرُّ، من دون أن تشفق قلوب اللجنة السويديّة أو ترقُّ، فتمنحه الجائزة العتيدة. لا بدَّ من قليل من الرحمة بالرجل. أليس حريًّا تقدير الحرج لشاعر قومٍ امتنعت الجائزة عنه.

ما الذي في إمكان أدونيس أن يفعله غير ما فعل، أو أن يكتبه غير ما كتب، أو أن يعلنه      بعدُ من مواقف وآراء إزاء الثورات العربيّة -والسوريّة بخاصةٍ- غير ما أعلنه كتابةً كي يُقرأ من الداني العربي والقاصي الأوروبي، ويبقى للتاريخ، فلا تتشكَّك لجنة الاختيار السويديّة لحظةً في موقفه المبدئي الصارم؛ فتمنحه الجائزة العزيزة إيّاها؟

في أكثر من ملتقى ومحفل ثقافيّ ومؤتمر ولقاء صحافي أو تلفزيوني، عبَّر أدونيس، وأفصح (وهو المثقَّف المفوَّه) عن كامل آرائه، من دون تهيّب أو مداورة أو تحسّب، وأبدى ما أبدى مما يُخالف “القطيع والرعاع والغوغاء”، وغاص في التفلسف والرؤى والميتافيزيقيات؛ وتُرجم ما قاله وما كتبه، من أدب ومن آراء سياسية، إلى العديد من اللغات، وشهد له مَنْ شهد من المثقَّفين الأوروبيين، وكتبت عنه صحف غربيّة.. غير أن ذلك كلّه لم يُوصل الجائزة إليه، ولا حمله إلى قاعة منح الجائزة.

فما الذي يُراد من أدونيس أن يفعله بَعْدُ؟

ألا تتفضَّلون، أيها السادة الكتَّاب والصحافيّون، بالكفّ عن إثارة جرحه المُلتئم، والهمّ المُتجاهَل لديه، عبر مقالات لكم، بأنه قد تسرَّب لأحدكم من مصادر موثوقة وجود اسم أدونيس على رأس لائحة المرشّحين لنيل الجائزة، أو أن جهة مطّلعة عن كثب على حيثيات قرار منح الجائزة أفادت -من دون أن تكشف عن نفسها- بأن العام 2017 سيشهد حدثًا باهرًا هو نيل أدونيس للجائزة، أو أن… إلى ما هنالك مما تحفل به الحياة الثقافيّة والصحافيّة، في أكتوبر من كلّ عام، عن هذا الموضوع؟!

يعني، لو كانت المسألة تتعلَّق بلقمة عيش الناس لكان كفى تخمينًا، وتقديرًا، وظنًّا، وتبشيرًا، وتأكيدًا، وتأويلًا، وتحليلًا. كفى بحقّ هذا الرجل حتى لو كان أمِل -يومًا- في نيلها، أو كان سعى وجدَّ -ذات مرَّة- في مناكبها، أو كان صرَّح أو كتب ما يوافق هواها. لا بدَّ من التوقّف عن إيراد اسمه، مطلع كلّ أكتوبر لإراحته وتهدئة باله، هو الذي لا ينقصه التذكير بما يحاول تناسيه، ولا التخمين في ما أمسى واثقًا -وربما مجروحًا- به من أن اللجنة السويدية يمكن لها أن تختار لجائزتها اسمًا يابانيّا مجهولًا -نسبيًا- من دون أن يجد شاعرنا سبيلًا له إليها، ولا أن تتمكَّن السيّدة الجائزة من العثور على سبيل لها إليه.


إبراهيم صموئيل


المصدر
جيرون