on
تقدم المنتخب السوري يسلط الضوء على شروخ عميقة في المجتمع
malabdallah
في 10 تشرين الأول/أكتوبر، لعب المنتخب السوري لكرة القدم مباراته الثانية ضد أستراليا في ملعب أليانز في سيدني في محاولة للتأهل للمرة الأولى لبطولة كأس العالم. وقد أنتج التقدم المفاجئ لسوريا لتصفيات كأس العالم مشاعر متضاربة بين السوريين وسمح لحكومة الأسد بعرض صورة لشعب متحد وقوي على الساحة العالمية. ولكن تحت هذه الواجهة الوهمية المصمّمة بعناية يبقى هناك فريق وسكّان يخضعون لسيطرة عميقة من قبل الحكومة السورية– التي تعتبر الولاء السياسي المطلق شرطاً مسبقاً للإنتماء. ومن أجل تعزيز الوحدة والمصالحة في سوريا، يجب أن يُمنح كل مواطن الحق والفرصة في الانتماء، بغضّ النظر عن الميول السياسية. ولكن في سوريا، كرة القدم ليست إلا نموذجاً مصغراً للتحديات في مواجهة الانقسامات المجتمعية وتحقيق المصالحة على الصعيد الوطني.
وفي حين أن ملايين السوريين ابتهجوا لنجاح المنتخب السوري غير المتوقع خلال جولات التصفيات المؤهلة لكأس العالم، فقد تركت هذه المناسبة لدى الملايين الآخرين مشاعر متضاربة وخيبة أمل. بل حتى أن بعض السوريين نشروا مشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأنهم يفضّلون تشجيع المنتخب الخصم بدلاً من المنتخب السوري. وجاءت هذه الاستجابة الباردة إلى حد كبير بسبب الشعور بالإحباط من قيادة الفريق بحكم الأمر الواقع، أي حكومة الأسد، التي استفادت من التشجيع الذي يحظى به اللاعبون الرياضيون في سوريا للتلاعب بالرأي العام وقمع المعارضين.
وتنص قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على أن جميع الاتحادات الأعضاء يجب أن تكون مستقلة وتتجنب أي تدخل سياسي. ولكن، خلال الصراع السوري، تم إجبار اللاعبين على الخروج في مسيرات مؤيدة للأسد، وارتداء قمصان تحمل صورة الأسد، وتقديم تصريحات صحافية مؤيدة للحكومة. ويُحظر على الرياضيين بشكل صارم توجيه أي انتقاد للحكومة، ونقل بأن الذين تحدوا هذه القاعدة قد تعرضوا إما للقتل أو للاختفاء القسري أو للتعذيب حتى الموت. وتشير التقارير أيضاً إلى أن العديد من لاعبي المنتخب الوطني قد أجبِروا على اللعب ضد إرادتهم بسبب التهديدات الحكومية بإيذاء أفراد أسرتهم المحتجزين أو أحبائهم.
وقد دفعت هذه التكتيكات الانقسامية اللاعبين إلى مواقف محرجة. ففي عام 2012، تخلّى قائد المنتخب السوري فراس الخطيب علناً عن الحكومة وقال إنه لن يلعب في المنتخب الوطني “طالما أن أي مدفعية تقصف أي مكان في سوريا”. ولكن الخطيب صدم المشجعين في عام 2017 من خلال العودة إلى المنتخب، وقال لشبكة تلفزيون (ESPN)، “أنا خائف. وما حدث معقد جداً، لا أستطيع أن أتحدث أكثر عن هذه الأمور. فهذا أفضل بالنسبة لي، وأفضل لبلدي، وأفضل لعائلتي، أفضل للجميع إذا لم أتحدث عن ذلك”. وعند عودته، وقف الخطيب ليتم التقاط صورته من قبل الصحفيين أمام صورة كبيرة للرئيس الأسد وهو يحمل علم الحكومة السورية. كما أعرب المهاجم السوري عمر السومة عن تأييده العلني للمعارضة في عام 2012، حيث لوّح بعلم الثورة خلال مباراة في الكويت. وبعد لعبه في فِرَق أجنبية لمدة خمس سنوات، عاد السومة إلى المنتخب السوري في آب/أغسطس. ومنذ عودته، قام اللاعب بشكر الرئيس الأسد علناً في وسائل الإعلام وعلى الفيسبوك للسماح بعودته، فضلاً عن الإفراج عن زميل له في نادي سابق كان محتجزاً منذ عام 2013 لرفضه الخدمة العسكرية الإلزامية. وتفيد التقارير بأن السومة اشترط عودته بإطلاق سراح صديقه.
إن تجنيد الثقافة الرياضية لتعزيز المصالح الحكومية ليس حكراً على سوريا. ففي عام 2009، ألقى المدرب السابق لفريق الهلال السعودي، كوزمين أولارويو، قميصاً يحمل صورة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز على الأرض خلال حادثة وقعت بعد المباراة. وعلى الرغم من اعتذار أولارويو، موضحاً أن الإهانة لم تكن مقصودة، فقد تمت إقالته فوراً وأمِر بمغادرة البلاد من قبل الاتحاد السعودي لكرة القدم. وفي عهد حزب البعث في العراق، أشرف عدي ابن الرئيس السابق صدام حسين على المنتخب وحاول أن يردع الخسائر في مباريات كرة القدم عن طريق ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي الشديد على الرياضيين الذين صدر منهم أي تقصير. كما احتكر اختيار تشكيلة الفريق، حيث فضّل لاعبين أقل مهارة من الأقليات السنية على لاعبين شيعة. وفى الوقت نفسه، اتُهمت الحكومة الصينية بغض الطّرف عن الاعتداء البدني على الرياضيين من قبل المدربين بسبب رغبتها فى السيطرة على المنافسات الرياضية الدولية وإثارة الشعور بالكبرياء الوطني.
وفي المقابل، تتمتّع كرة القدم أيضاً بالقدرة على توحيد وتثقيف ومناصرة القيم الثقافية والإنسانية. وبالفعل، تستخدم المنظمات الإنمائية الدولية كرة القدم كمنصة لبرامج المصالحة، ويحظى رموز مثل كريستيانو رونالدو وديفيد بيكهام بالاحترام لعملهم الخيري بالإضافة إلى براعتهم في كرة القدم. ومع ذلك، فإن التلاعب الممنهج الذي تمارسه الحكومة السورية في هذه اللعبة ورياضييها يقوّض هذه القيم كلياً، وبدلاً من ذلك يعزز رسالة سياسية واضحة: مفادها “اقبلوا حكم الأسد أو تخلوا عن الانتماء”. وقد وصف الأسد هذه الرسالة في آب/أغسطس، مدعياً أن سوريا خسرت الكثير من ألمع شبابها والبنية التحتية خلال الحرب، ولكنها “اكتسبت مجتمعا أكثر صحة وأكثر تجانساً”. ويمثّل مفهوم الأسد بأن التجانس السياسي يفوق الحاجة إلى الإدماج المدني– أو قيمة الحياة البشرية– عقبة كبيرة أمام المصالحة. ويعتمد الشفاء المجتمعي على حسّ الانتماء لدى الفرد أو المجموعة داخل المجتمع. وفي وسم جميع المؤسسات داخل سوريا باعتبارها مؤيدة للأسد بشكل أساسي، تُنكر الحكومة حسّ الانتماء هذا على أولئك الذين يحملون معتقدات سياسية مخالفة.
وفي حين يرفض (الفيفا) التعامل مع الأدلة الواضحة على التدخل السياسي في كرة القدم السورية، هناك قضية أكبر على المحك. حيث أن استغلال الحكومة للرموز الوطنية مثل منتخب كرة القدم السوري يقسّم البلاد بشكل كبير ويعرقل الجهود الرامية إلى إقامة السلام والحفاظ عليه. وبينما تمضي المفاوضات قُدماً، يتحتّم على الأطراف المشاركة– ولاسيما على المبعوث الخاص للأمم المتحدة – أن يشترطوا منح حقوق الإنسان الأساسية في أي اتفاق يتم التوصل إليه، بما في ذلك حرية تبنّي الآراء السياسية. وبدون هذه الإصلاحات، ستستمر التكتيكات الفاسدة والقمعية المتجذرة بعمق في الثقافة الحكومية السورية في عرقلة محاولات تحقيق السلام الدائم والإصلاح والمصالحة.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].
المصدر