هل اتفق القيصر والملك؟
16 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
انتظرت موسكو طويلًا الزيارةَ التي تأجلت عدة مرات للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى روسيا، علمًا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زار روسيا عدة مرات، في السنتين الأخيرتين، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث وضعا أسسًا للتعاون بين المملكة وروسيا، وأهمها تخفيض إنتاج النفط الذي أدى إلى حصول الخزينة الروسية على مليارات الدولارات، في وقت تعاني فيه روسيا من ضائقة مادية، نتيجة العقوبات الغربية عليها منذ 2014 بعد ضم القرم إلى روسيا. وليس صدفة أن تمتنع روسيا عن التصويت في مجلس الأمن، عند اتخاذ قرار في آذار/ مارس 2015، يؤيد تدخل التحالف العربي في اليمن، بقيادة المملكة ضد الحوثيين وقوات المخلوع علي صالح. ومن الملاحظ أن روسيا اتخذت موقفًا محايدًا من الوضع في اليمن، علمًا أنها تتواصل مع طرفي النزاع وتبيع الأسلحة لهم.
أرادت روسيا من الزيارة التي تمت في الفترة من 5 إلى 7 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، مكاسبَ اقتصادية، وبخاصة استثمارات سعودية وصفقات في مجال النفط والغاز، ولم تكن متحمسة لبيع أسلحة متطورة للمملكة مثل منظومة اس-400 التي تحتاج إلى نقاشات ومشاورات معقدة، ومنها ضرورة الدفع المقدم لإنتاجها؛ لأن روسيا ليس لديها صواريخ اس-400 فائضة للبيع. وأرادت المملكة الاتفاق على أمور سياسية تشغل بالها، مثل الموقف من إيران والملف السوري واليمني. ويبدو أنه لم يكن هناك اتفاقات جوهرية في هذه الملفات.
يجدر الذكر أن المملكة أيضًا بدأت تُعاني من نتائج تدخلها في اليمن، فهناك خسائر مادية تُقدّرها بعض الجهات (مثل مركز كارنيغي 2016) بأكثر من 5 مليارات دولار.
كانت هناك ضجة إعلامية للزيارة، إلى درجة أن صور الملك سلمان عُلِّقت في شوارع موسكو، وهذه ظاهرة نادرة جدًا، ومع ذلك فكل طرف كان ينتظر تنازلات من الطرف الآخر.
في الغالب، لا يثق الطرفان ببعضهما البعض، فالمملكة حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وروسيا شريك مهم لإيران. ولا ننسى أن الروس، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحوا يتبعون سياسة براغماتية قائمة على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.
تم توقيع عدد من الاتفاقات، وبعضها مهم في مجال النفط والاستثمارات، ولكنها تحتاج إلى متابعة وتنفيذ، وهذه هي العقدة الأساسية في التعاون بين البلدين. ولطالما تذمّر الروس من الاتفاقات والتفاهمات مع المملكة، لأنها بقيت حبرًا على ورق، على الرغم من حجمها الذي يُقدّر بعشرة مليارات دولار. ويعتقد خبير روسي أن موسكو أوقفت صفقة اس- 300 لإيران، انطلاقًا من وعود الرياض بتعاون اقتصادي ضخم، مقابل تحديد التعاون مع إيران، ولكن ذلك لم يحدث في ذلك حين.
تبلغ صفقة الأسلحة المتفق عليها بين البلدين نحو 3.5 مليار دولار، وقد علّق وزير الخارجية سيرغي لافروف عليها قائلًا إنّها لا تُقارن مع 110 مليار دولار قيمة الصفقة مع أميركا، ومع ذلك فهي ليست سيئة، بشرط أن تُنفّذ. كما أن حجم التبادل التجاري بين المملكة وروسيا لا يتجاوز المليارين، ولا يُقارن مع حجم التبادل بين المملكة وأميركا الذي يُقدّر بـ 70 مليار دولار.
يسعى الرئيس بوتين لبناء شراكات مع الدول الإقليمية، مثلما فعل مع تركيا، والتي وصلت إلى حد بيع منظومة اس-400 لأنقرة، ولكن تبقى هذه الشراكات مرحلية وغير مستقرة، فتركيا أيضًا حليف قوي للولايات المتحدة، وعضو مهم في الناتو، ومهما اختلف أردوغان مع الأميركيين والأوربيين؛ فإنه لن يتخلى ببساطة عن علاقاته الاستراتيجية معهم.
لكن هذه الشراكات تبقى رهن الحالة السياسية والتوازنات الإقليمية والدولية، كما أن هناك مُنغّصات تشوب العلاقات بين روسيا والمملكة، بسبب أحداث الشيشان في تسعينيات القرن الماضي لا ينساها الروس، مثلما هي الذاكرة الروسية عن الحروب والصراعات الدموية بين روسيا والدولة العثمانية، على مدى قرون.
لكننا نعرف أن أي اتفاق يأتي تلبية لرغبات الطرفين؛ وبالتالي فإن المملكة بحاجة إلى التعاون مع روسيا، بعد الاتفاق النووي مع إيران، وروسيا محتاجة أيضًا إلى مدّ يد الصداقة للمملكة، لإملاء الفراغ في علاقاتها الخارجية والتخفيف من نتائج العقوبات الغربية القاسية ضدها منذ 3 سنوات.
لا توجد مقومات استراتيجية بعيدة المدى للتعاون بين روسيا ودول إقليمية كبيرة، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، بل يمكن وصف العلاقات بأنها تشبه “زواج المتعة”، كما وصفها محلل سياسي روسي.
يمكن للمملكة أن تلعب دورًا كبيرًا في الساحة الروسية، من خلال دعم التعاون مع الجمهوريات الإسلامية: إنغوشيا وتتارستان والشيشان وداغستان وغيرها، بخاصة أن المسلمين في روسيا يُقدّر عددهم بعشرين مليون أو أكثر، وهم من السنّة. ويتمنى أبناء تلك الجمهوريات زيادة الاستثمارات السعودية، والعربية عمومًا، في اقتصادياتها المتنوعة.
يجب أن نعترف أن روسيا-بوتين ليست روسيا-غورباتشوف، أو روسيا-يلتسين. فمن المعروف أن غورباتشوف وقف مع الكويت في التسعينيات ضد صدام حسين، مقابل 5 مليارات دولار، ويلتسين كان خاضعًا لإرادة الغرب بسبب ضعفه الاقتصادي المريع، بينما بوتين أعلن أكثر من مرة أنه لن يخضع لابتزاز ومقاطعات الغرب، ولن يُساوم على سيادة روسيا، وهو يُطبّق ذلك. فالكل يعرف أن روسيا-بوتين لا يمكن شراؤها بالأموال، إذ تلعب الكاريزما الشخصية للرئيس بوتين دورًا جوهريًا، في مجمل السياسة الخارجية الروسية.
وهنا يتساءل البعض: لماذا كل هذا الدعم الروسي لنظام بشار الأسد، في وقت لا تضمن روسيا تحقيق مصالحها الاقتصادية أو السياسية المستقبلية في سورية؟ والجواب نجده جزئيًا في المصير المأسوي للديكتاتور القذافي وإمكانية تكرار ذلك مع المجرم الأسد، ومع من يشبههم في العالم.
محمود الحمزة
[sociallocker]
جيرون