on
الغارديان: بفضل قراء (الغارديان) ينام العديد من الأطفال الآن بأمان في أسِرّة دافئة
هرب إسماعيل من مُخيّم (كاليه)(*) من أجل الأمان في المملكة المتحدة، بمساعدة جمعية (الممر الآمن) التي تُعدّ واحدة من ثلاث جمعيات خيرية تعنى باللاجئين، ومدعومة من قراء (الغارديان) عام 2016.
غادر إسماعيل سورية، عندما كان في الخامسة عشر من عمره، وأمضى سبعة عشر شهرًا مسافرًا وحده، نحو المملكة المتحدة (الصورة: آليشيا كانتير للغاردين).
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان إسماعيل واحدًا من المهاجرين اليائسين الكثر، ممن يعيشون في أكواخ في منطقة كاليه (شرق فرنسا) مُعرِّضًا حياته للخطر بشكل مستمر في محاولته التسلل إلى الشاحنات للوصول إلى بريطانيا، حيث أُجبر يائسًا على الهروب من العنف في سورية؛ ليجد نفسه عالقًا في ساحة المخيم.
يبلغ إسماعيل الآن الثامنة عشر من عمره، وهو مُستقرّ مع عائلة (فوستر) في شمال لندن، ويتحدث الإنكليزية بطلاقة، تلك اللغة التي لم يكن يعرفها يومَ غادر سورية وحده، بعمر الخامسة عشر، وسيبدأ قريبًا دورة تأسيس في السياسة في جامعة (بيركبيك-جامعة لندن)، وهو حاصل على إحدى المنح الدراسية (كومباس) في الجامعة، والتي تُقدِّم الدعم المالي لطالبي اللجوء.
كانت فرصةُ المقابلة معه، والتعرف على منزله الجديد وسماع تفاؤله وحماسته حول مستقبله، تجربةً مبهجةً ولا تصدق. بعد إرسال التقارير من مخيم (كاليه)، والشهادة حول بؤس المئات من اللاجئين المراهقين الذين لم يكن لديهم أي فكرة عما ستؤول إليه حياتهم، فإنه من الجيد أن تجد أحدهم، وقد أصبحت أموره على ما يرام.
في هذه البيئة المستقرة والطبيعية، يمكن إجراء محادثة مع إسماعيل، وتناول طعام الإفطار حول مائدة المطبخ، بينما كلب العائلة يدور في المكان، بعيدًا عن جوع وبرد مخيم (كاليه).
من دون دعم جمعية (الممر الآمن)، وهي واحدة من ثلاث جهات خيرية تدعم اللاجئين ومدعومة من قِبل قراء (الغارديان)، وهي جزء من حملتنا الخيرية لعام 2016، من غير المرجح أن تكون أمور إسماعيل قد انفرجت بشكل إيجابي، لذلك يريد التحدث عن تجربته.
أمضى إسماعيل ما يقرب من سبعة عشر شهرًا، خلال رحلته إلى بريطانيا، وهو تحدٍ استثنائي لمراهق في الخامسة عشر من عمره. عندما أصبح الخطر يُهدد حياته بشكل واضح، حين كان في سورية، باعت والدته مجوهراتها لتمويل رحلته. لم يبق سوى اثنين من ثلاثين طفلًا في صفه الدراسي في سورية، وتشتت الباقون في أصقاع المعمورة، معظمهم في مخيمات اللاجئين في تركيا.
يشرح إسماعيل: “لم يكن الهدف من القدوم إلى هنا البحث عن حياة جيدة، لم آت لأسباب اقتصادية. كان لدي حياة رائعة، ولكني لو بقيت هناك؛ لقُتلت”.
أجمع والداه، بينما كانا قلقين عليه، على أنهم اتّخذوا القرار الصحيح. حاول أن لا يُقلقهم بالصعوبات والمعوقات التي كانت تواجهه يوميًا على الطريق، ولا بمخاوفه وتعاسته المتزايدة. ولسوء الحظ بمجرد وصوله إلى (كاليه)، سُرق هاتفه المحمول وجهاز الكمبيوتر، لذا لم يكن قادرًا على الاتصال بهم لأكثر من شهرين. واستطاع أخيرًا بمعونة أحدهم أن يُرسل لهم رسالة نصية: “لقد أضعت هاتفي، لا تقلقا عليّ”.
خلال الأربعة عشر شهرًا التي قضاها في فرنسا، حاول إسماعيل التسلل أكثر من مئة مرة إلى شاحنات النقل. وفي إحدى المرات حاول التسلل إلى أحد القوارب، قبل أن يكتشفه أحد عمال العبّارات البريطانية؛ وأُعيد من جديد إلى (كاليه).
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تم تفكيك المخيم، وأخبرت جمعية (الممر الآمن) الخيرية إسماعيل بأن لديهم أوراقًا نظامية ليتم ترحليه بشكل قانوني إلى لندن، وفق مخطط (دابس) الذي تم اعتماده، بواسطة حكم قانوني قدّمه النائب العمالي (ألف دابس)، سُمِح بموجبه بإحضار الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم إلى بريطانيا. في بادئ الأمر اعتقد أنهم يكذبون: “لقد كانت صدمة، اعتقدت أنني أحلم. فجأة نسيت كل الألم”، يضيف متذكرًا.
وطئ بقدمه بريطانيا محاطًا بصداقة عائلة (فوستر) التي رحّبت به مع ابنتهم ذات الأربعة عشر عامًا، وابنهم ذي الثلاث والعشرين من عمره. كانت توقعاته عن بريطانيا مُبهمة، مقولبة بشكل رئيسي من خلال مشاهدته لبرنامج “مواهب بريطانيا” في سورية، قبل أن تُجبر عائلته على الهروب من منزلهم في حلب إلى الريف. على الرغم من معرفته المتواضعة ببريطانيا، إلا أنه كان يمتلك فكرة بأنه بلد يحترم قيم الديمقراطية ويُرحّب باللاجئين، حاول أن يُعلم نفسه الإنكليزية كطفل، من خلال مشاهدة أفلام إنكليزية مرفقة بترجمة مكتوبة مثل فيلم (ملك الخواتم) و(هوبيت). وهو من مشجعي فريق نادي (أرسينال)، ولحسن حظه كان لدى عائلة فوستر تذكرة لموسم (أرسينال).
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تبرع قراء (الغارديان) بـ 1.75 مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ مُقسّم بين ثلاث جمعيات خيرية تدعم اللاجئين: (الممر الآمن)، (مساعدة اللاجئين) وجمعية (الأطفال). ساعدت الأموال التي ذهبت إلى جمعية (الممر الآمن) في الاستمرار بعملها، لإيجاد طرق قانونية لإحضار الأطفال اللاجئين إلى بريطانيا، أُحضر فقط 200 طفل ضمن مخطط (دابس)، وهو أقل كثيرًا عن 3 آلاف لاجئ كانوا يأملون بإحضارهم، وأقل بـ 280 من آخر التزام للحكومة. ومع ذلك، تعمل جمعية (الممر الآمن) على لم شمل نحو ألف طفل لاجئ آخر بشكل قانوني مع أسرٍ في المملكة المتحدة، باستخدام تشريعات قانونية مختلفة.
بينما ينتظر إسماعيل أن يبدأ دراسته الجامعية، قام بعمل تجريبي مع (دابس)، حيث أجبرت حملتها الحكومة على البدء باستقدام الأطفال اللاجئين من أوروبا. كما أنه تحدث في البرلمان عن رحلته، ويريد القيام بحملة من أجل المملكة المتحدة، لتكون أكثر انفتاحًا للقبول باللاجئين.
عرض مخاطر محاولة السفر غير القانوني، ساعد إسماعيل على تقديم قضية قوية. يقول إسماعيل: “كان هناك دائمًا خطر، كانت كل محاولة تُعدّ مخاطرة، سواء من الشرطة، أو من الطريق، أو من السائق الذي من الممكن أن يرمي بك لو اكتشف أمرك، لقد أضعت أكثر من عام، في محاولتي الوصول إلى هنا بطريقة غير قانونية، وتذكّر هذا الأمر شيء صعب”.
إسماعيل قلق الآن على ابن أخيه ذي الأربعة عشر عامًا، حيث يسلك حاليًا الرحلة نفسها، مسافرًا وحده عبر أوروبا في محاولة للوصول إلى بر الأمان.
كان لإلقاء القبض على لاجئ سوري، على خلفية تفجير خط قطار (باريسونز غرين)(**) الشهر الماضي، تأثير سيئ على موقف البريطانيين تجاه اللاجئين. وقال إسماعيل، المحاط بأصدقاء جدد داعمين له، إنه لم يواجه العداء، لكنه يشعر بمسؤولية تجاه محاربة التعصب، وأضاف: “أريد أن أجعل الناس يشعرون بالإيجابية تجاه اللاجئين”.
يتركز إحباطه الوحيد في بلده الجديد مع وزارة الداخلية، والتأخر في الاستجابة لطلبه للإقامة، مما يُهدد تقريبًا مسار دراسته في (بيركبيك).
يرغب الشاب الصغير بالعودة إلى بلده في نهاية المطاف، لكن فقط إذا هُزِم الرئيس بشار الأسد و(داعش) كلاهما. كما أنه لا يعرف فيما إذا كان منزله في حلب لا يزال قائمًا. في هذه الأثناء يريد الدراسة، ثم العمل في المملكة المتحدة. ويُخطط للذهاب إلى (كينغز كولج) في لندن العام المقبل.
تصف لورا غريفيثس التي تُدير الإجراءات الخاصة بجمعية (الممر الآمن)، الراحة الهائلة التي شعرت بها عندما تمكّن إسماعيل من الوصول إلى المملكة المتحدة بصورة قانونية، وتقول: “التقيت لأول مرة بإسماعيل في (كاليه) في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وكان هذا الأمر حالة ملفتة للنظر بشكل خاص، لأنه كان يُسافر منذ فترة طويلة، في هذه السن المبكرة”، وأضافت: “كانت الحياة في مخيم (كاليه) دائمة الفوضى، وكان في ذلك الوقت خاصةً غير مستقر، كما أن التقارير عن التفكيك الوشيك له جعلت الأطفال يشعرون بالخوف الدائم، وكانت جمعية (الممر الآمن) تُحاول العمل على نقل أكبر عدد ممكن من الأطفال من المخيم”.
وقد أعجبت باستعداد إسماعيل للمشاركة في حملة لصالح من هم في وضع مماثل: “منذ أن كان هنا، شارك في برنامج (الممر الآمن)، وعقد لقاءً مع أعضاء في البرلمان، وعمل على زيادة الوعي بأهمية إنشاء طرق آمنة للاجئين الأطفال”.
نبّه جوناثان كلارك، أسقف كرويدون ورئيس جمعية (الممر الآمن)، إلى أن عمل الجمعية الخيرية قابل للاستمرار، بسبب دعم قراء (الغارديان). وقال: “نحن ممتنون جدًا لقراء (الغارديان) الذين ساعدونا في تغيير حياة مئات الشباب”.
وأضاف: “بفضل كرمكم، تمكّنا من الاستجابة للعدد المتزايد من الأطفال غير المصحوبين بذويهم، ممن وصلوا إلى إيطاليا في وقت سابق من هذا العام؛ وبدأنا لمّ شمل الأسر في أوروبا، ومساعدة الأطفال غير المصحوبين بذويهم، في لمّ شمل أسرهم في جميع أنحاء أوروبا؛ وشرعنا في توسيع نطاق عملنا خارج أوروبا”.
وقال: “تسمح التبرعات بتوسيع الفريق الذي يدعم الوافدين الجدد إلى المملكة المتحدة. فبفضل القراء، ينام العديد من الأطفال الآن بشكل آمن في أسرّة دافئة، ولن يضطر الكثير منهم إلى المخاطرة بحياتهم في محاولة للوصول إلى ملاذ آمن”.
(*) يقع مخيم (كاليه) في ضواحي مدينة كاليه شمالي فرنسا، على سواحل بحر المانش، ويلجأ إليه آلاف المهاجرين من دول عربية وآسيوية وأفريقية، ويقصده عادة المهاجرون الراغبون بالانتقال إلى أماكن أخرى كبريطانيا، وقامت السلطات الفرنسية بتفكيكه في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وسط مطالب بإيجاد حلول لإدماج المهاجرين، ومنحهم حقوقهم الإنسانية (المترجم).
(**) وقع انفجار على خط قطار محطة (بارسونز غرين) في لندن ببريطانيا، بتاريخ 15 أيلول/ سبتمبر 2017. وتعاملت شرطة العاصمة مع هذه الحادثة كهجوم إرهابي (المترجم).
اسم المقال الأصلي ‘Thanks to Guardian readers, many children are now sleeping safely in warm beds’ الكاتب Amelia Gentleman مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 14/10 رابط المقالة https://www.theguardian.com/membership/2017/oct/14/thanks-guardian-readers-safe-passage-refugee-charities عدد الكلمات 1334 ترجمة نارمان صدقينارمان صدقي
المصدر
جيرون