on
الليلة السابعة من ليالي شهرزاد…حكاية السندباد
قال الملك شهريار:
– حدثيني يا شهرزاد عن رحلة السندباد إلى بلاد الإفرنج، وعما جرى له في أثناء عودته إلى بلاد شامستان. فقالت له: سمعًا وطاعة يا مولاي.
بلغني، أيها الملك السعيد، أن السندباد ساءت أحواله كثيرًا من جراء ما حدث في بلاد شامستان من حروب وأهوال، وتسلط حاشية السلطان على الرعية، وانتشار اللصوص في أنحاء البلاد، وغزو الجراد الذي اجتاح بلاد شامستان من الشرق؛ فلم يجد السندباد بدًا من التفكير بمغادرة البلاد، بعد أن أتى الجراد على محاصيله، ونهب اللصوص أرزاقه، ولم يبق لديه ما يستر الحال. فودّع أهل بيته، وأبحر من أحد موانئ شامستان على متن إحدى السفن، قاصدًا بلاد الإفرنج، بعد أن تناهى إليه من الأخبار التي تؤكد أن سلاطين وملوك تلك البلاد يسوسون رعاياهم سياسة حكيمة، وييسرون لهم سبل العيش الرغيد. فلما وصل إلى تلك البلاد؛ اكترى محلًا، وأسس لتجارة، فاشترى وباع، وسارت أموره على ما يرام. وصار لديه أجراء وأتباع، وربح أرباحًا طائلة، وأصبح له اسم يتداوله الناس في كل مكان؛ لما كان يمتلك من فطنة ودراية بالبيع والشراء، ولأسلوبه في التعامل مع الناس.
وحين مضى عليه زمن ليس بالقليل في بلاد الإفرنج؛ اشتاق إلى عياله وإلى مسقط رأسه، وحنّ قلبه إلى أيام الصبا والشباب، متمثلًا بقول الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرام
فحمل ثروته التي جمعها في تلك السنين، وأبحر على متن إحدى السفن قاصدًا بلاده ومهوى فؤاده، ونام في مقصورته يحلم بلقاء أولاده وزوجاته، وفيما هو مستغرق في نومه؛ رأى أن السفينة قد رست في إحدى شواطئ شامستان، وصعد إليها رجلان في هيئة سلطانية، ورحّبا به باسم سلطان شامستان، وقاداه إلى البر ليجد في استقباله جماعة بلباس سلطاني، يصطفون على الجانبين. يحملون الطبول والزمور والصنجات. وأخذوا يدقون له النوبة، فيما أحاط به رسل السلطان من يمينه ويساره، يرحبون به أجمل ترحيب، وينعتونه بأحلى الأوصاف. وساروا به في محفة سلطانية حتى وصلوا إلى القصر، ففتحت له الأبواب واستقبله عند بوابته كبير حاشية السلطان، وقاده إلى قاعة العرش. وما إن خطا خطوة نحو الداخل، وهو مندهش من هذا الاستقبال الذي لم يحسب له حساب؛ حتى تعثّر وكاد يسقط على الأرض، فتناوله من يده كبير الحاشية خشية سقوطه.
فنهض من نومه مذعورًا، ليجد اثنين من الحراس الأشداء يقبضان على ذراعيه وناصيته، وينتشلانه من أحلامه. نظر السندباد إليهما يريد أن يعرف من هما، وما الذي حدا بهما ليتناولاه بهذه الطريقة، وهمّ بسؤالهما. لكن أحدهما شده من يده حتى كاد يقع على الأرض، واقتيد إلى إحدى القلاع.
وحين سأل عن التهمة الموجهة إليه؛ أخبروه أن تهمته هي النيل من هيبة السلطان عمريط في بلاد الإفرنج، الأمر الذي يغري أعداءه بغزو السلطنة؛ ما يتسبب في اهتزاز العرش. وعندما أقسم لهم إنه كان يبيع ويشتري، ولم يتطرق إلى ذكر السلطان من قريب أو بعيد؛ جعلوا ذلك الأمر إدانة أخرى؛ إذ كان عليه أن يتحدث عن مآثر السلطان عمريط وهيبته، كي يوقع الرهبة في نفوس الإفرنج، ويعظم شأن السلطان في نفوسهم. وبناء على ذلك فقد أُودع السندباد في الحبس، ولم يعد يعرف مصيره أحد.
وحين أدرك شهرزاد الصباح، سكتت عن الكلام المباح.
فوزات رزق
المصدر
جيرون