حبل الكذب طويل



اللا أخلاق تحكم العالم، أي عالم؟ ماذا تعني الأخلاق، عندما نتحدث عن العالم؟

اللا أخلاق تعني أن يستخدم بشار الأسد الكيماوي على الشعب السوري، وأن تمر الجريمة مرور الكرام؛ فيبتسم الأميركي ويُصفق الروسي ويموت السوري.

اللا أخلاق تعني أن تبني أوروبا جدارًا على حدودها، لمنع السوريين من الدخول وطلب اللجوء، بدلًا من اتخاذ موقف حقيقي تجاه سبب اللجوء، وتركه يُكمل جرائمه.

اللا أخلاق تعني أن تتحول سورية إلى ركام، وإلى أثر بعد عين، وتصبح مكانًا لتجمع كل المرتزقة الطائفية، من دون أن يرف جفن الغرب.

إذا عدنا قليلًا إلى الوراء؛ رأينا أن المؤرخين اعتادوا إطلاق تسميات على الحقب التاريخية، ولكن لو أردنا أن نُطلق اسمًا على حقبتنا الحالية؛ فلن نجد وصفًا أبلغ من أنها (حقبة اللا أخلاق) بجدارة، فالتنافس بين القوى الدولية، من بعد الحرب العالمية الثانية، سادته خطوط واتفاقات معينة، حددت مستوى ما للقتل والجرائم التي يمكن التغاضي عنها، ولكن في أيامنا هذه بلغت الأرقام حدودًا خيالية، من دون أي رادع أو حتى اعتراض.

في فترة الحرب الباردة، اعتادت كلا القوتين على دعم أنظمة مقربة منها، لغايات جيوسياسية معينة، كما اعتادتا على إشعال الحروب وترتيب الانقلابات العسكرية على الأنظمة الديمقراطية، وتعدّ أفغانستان، وقبلها فيتنام وكمبوديا، أحد أبرز ضحايا التلاعب السوفيتي الأميركي بمصاير الشعوب.

لا شك أن ما يجري في سورية اليوم ليس جديدًا تمامًا، ففي قائمة ضحايا الولايات المتحدة وروسيا، دولٌ تم تدميرها، وأعداد مهولة من الضحايا، ربما تفوق ما حدث في سورية، ولكن الحرب على سورية تبقى متمايزة عن سواها، بسبب المستوى المتدني من اللا أخلاقية الدولية التي ظهرت على مر السنوات الماضية.

الحديث هنا ليس عن الثورة السورية فحسب، فالجريمة تمتد إلى ما قبل الثورة بعقود، فنظام البعث الذي حكم بالحديد والنار، مثله مثل بقية الأنظمة الديكتاتورية التي دعمها أحد الطرفين، استمد قوته وطغيانه من خلال هذا الدعم، ولم يكن سوى أداة للقتل والتحكم بمصاير البلد وأهله.

مع انطلاق الثورة؛ تمايزت الدول في مواقفها، بين مواقف إعلامية دعائية رنانة عن ضرورة الحرية والديمقراطية ورحيل بشار الأسد، ومواقف مباشرة بمعاداة الثورة ودعم نظام الأسد، وصلت إلى حد الاحتلال المباشر، ولكن ما ظهر منذ السنة الأولى أن كلا الطرفين اتفق على محاربة الثورة والقضاء عليها مع ما يقتضيه من تدمير لسورية وتحويلها إلى مزرعة من الميليشيات بما ضمته من مرتزقة أجانب، سواء عبر استغلال إيران للخطاب المذهبي وإرسال آلاف فقراء الأفغان والعراقيين واللبنانيين، ليشاركوا في قتل السوريين أو مرتزقة روس محترفين من شركات القتل المأجور التي أصبحت من أغنى شركات العالم، وانضمت إلى “البزنس” الرابح، أما أميركا فاعتمدت على الاستثمار في الإثنيات، واختارت بعض أبناء القومية الكردية المرتبطين بفكر تنظيم حزب العمال الكردستاني الذي لا يؤمن بالدول ولا الحدود.

كل هذه التوافقات والتحالفات وجمع الأضداد تم على الأراضي السورية، وشبح (داعش) الذي طالما استثمر فيه الإعلام الغربي تمخض عن كذبات تتداعى، وبالرغم من ذلك وبالرغم من انكشاف حقيقة التنظيم المترهل؛ تُصرّ أميركا وروسيا على تدمير المدن السورية، وتهجير أهلها تحت الحجة السمجة نفسها التي فقدت كل بريق.


هنادي الخطيب


المصدر
جيرون