نازحو دير الزور.. رحلات الرعب تنتهي في عراء الشمال



تفرُّ مئات العائلات من محافظة دير الزور، بشكلٍ يومي، عبر ممرات الموت إلى الشمال السوري، هربًا من قصف طائرات النظام والتحالف الدولي، ويتعرّض الهاربون خلال رحلتهم لشتى أنواع المخاطر، ليصل الناجون أخيرًا، إلى مكان آمن من القصف، إلا أنه غير صالحٍ للعيش والاستقرار.

تبدأ رحلة النزوح مع محاولة عبور هذه العوائل مناطق سيطرة تنظيم (داعش) إلى مناطق سيطرة ميليشيات (قسد)، حيث يُضطر الأهالي إلى المغامرة بعبور نهر الفرات الذي تُحلّق فوقه المقاتلات الروسية بكثافة، وقد استهدفت المعابرَ المائية عدة مرات خلال الأسابيع الماضية، سقط في إثرها عشرات المدنيين الذين كانوا يحاولون النزوح مع عائلاتهم.

أم خالد، نازحة من دير الزور تحدثت لـ (جيرون) عن هذه المعاناة قائلة: “هربنا بصعوبة من ريف دير الزور، بسبب القصف الكثيف. قُتِل أخي وعائلته بقصف الطيران على منزلهم في أحياء المدينة، وقُتُل أفراد عائلة بأكملها كانت تقطن بجوارنا، في أثناء محاولتهم الهرب عبر نهر الفرات”.

إضافة إلى مخاطر القصف، يُضطر الأهالي إلى عبور حقول الألغام التي زرعتها تنظيم (داعش)، ويسقط فيها عددٌ كبير من الضحايا، وعند الوصول إلى أول حواجز ميليشيات (قسد)؛ يخضع النازحون للتفتيش الدقيق، ويتلفون كمًّا هائلًا من الشتائم والإهانات من قِبل عناصر الحواجز، ثم يتم تجميعهم ونقلهم إلى مخيمات خاصة في ريف الحسكة الجنوبي، باتت تعرف باسم (مخيمات الموت)، بسبب تردي خدماتها الإنسانية، وسوء معاملة القائمين عليها مع النازحين.

يُجبَر الكثير من النازحين على دفعِ مبالغَ كبيرة، كي يتمكنوا من مغادرة هذه المخيمات، قاصدين مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريفي حلب الشمالي وإدلب، علّها تكون أفضل حالًا، كما تقول أم خالد: “دفعنا مبالغ كبيرة للمهربين لنذهب إلى الشمال السوري، ما يعادل 100 دولار على الشخص الواحد. عائلتنا 4 أفراد دفعنا نحو 400 دولار”.

في الشمال السوري، تبدأ معاناة من نوع جديد، حيث لا يجد هؤلاء النازحون مكانًا في المخيمات الحدودية، بسبب اكتظاظها بالسكان؛ ما يُرغمهم على السكن في المدارس أو في خيام ضمن تجمعات عشوائية، قرب مدن في ريف إدلب الشمالي، مع إهمال تامٍ لأوضاعهم من قبل المنظمات الإغاثية، كما بيّن لـ (جيرون) أحمد الحسين، أحد النازحين الذين سكنوا في إحدى مدارس سلقين، وقال: “بعد وصولنا إلى سلقين، افترشنا الأراضي الزراعية ثم انتقلنا إلى إحدى المدارس، ومنذ 4 أشهر ونصف، نحن نقطن في المدرسة ولم يأتِ أحدٌ ليساعدنا. النشاط الإغاثي هنا يكاد يكوم معدومًا”. وأضاف: “نحن مقبلون على فصل الشتاء، ونحتاج إلى البطانيات والمدافئ، نخشى أن نموت من البرد. زارتنا بعض المنظمات وسجّلت أسماءنا، لكنهم لم يعودوا إلى الآن”.

تفترش العوائل النازحة بلاط الصفوف الدراسية في إحدى مدارس سلقين، ويقسم كل صف، عبر قطع قماشية، إلى مطبخ ومكان للجلوس يجمع الأطفال مع آبائهم، بينما يتشارك “الحمامات” عشرات الأُسر الأخرى في المدرسة، ويقتصر طعامهم على البرغل أو بعض المساعدات البسيطة المقدّمة من قِبل (فاعلي الخير).

تتفاقم معاناة النازحين في الشمال السوري، بسبب التهجير القسري الذي فرضه النظام على عشرات المدن والبلدات من مناطق ريف دمشق وحمص إلى أرياف إدلب؛ ما شكّل عبئًا على هذه المناطق التي تفتقر في الأصل إلى الخدمات الأساسية، وسط تخوّف كبير من وقوع كوارث إنسانية، مع اقتراب فصل الشتاء.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون