واشنطن بوست: معركة جديدة في العراق تعطي لإيران السيطرة



طيلة أشهرٍ، كان هناك ثمّة تحذيراتٍ من أنّ هزيمة “الدولة الإسلامية” النهائية في العراق وسورية ستثير عددًا من الصراعات الأكثر تعقيدًا، والتي يمكن القول إنّها أكثرُ خطورةً. ربما نشهد الآن أولَّ هذه الصراعات التي اندلعت في شمال العراق، حيث بدأ حليفان أميركيان وثيقان القتالَ حول مستقبل البلد.

إضافةً الى المزيج الخطير، هناك التدخل المزعوم للميليشيات المدعومة من إيران في المعارك التي تأتي بعد أيامٍ من إعلان الرئيس ترامب عن نشاطاتٍ “مزعزعة للاستقرار” تقوم بها طهران في الشرق الأوسط، حيث أعلن عن خططه لسحب الثقة بالاتفاق النووي مع إيران. أيّ قراراتٍ متهورة من جانب ترامب، يمكن أنْ تكون نعمةً تمامًا للأنشطة الإيرانية التي ندّد بها.

يتركز النزاع حول كركوك، وهي مدينةٌ مختلطة عرقيًا ودينيًا في شمال البلاد، حيث تمتد على خطوطٍ طائفية عراقية، وتقع قرب حقول النفط الرئيسة. ظلَّتْ المدينة تحت سيطرة القوات الكردية منذ عام 2014، عندما انهار الجيش الوطني العراقي منسحبًا أمام “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش). وفي وقتٍ مبكر من يوم الإثنين 16 تشرين الأول/ أكتوبر، اقتحمتها القوات العراقية. وأفادت لوفيداي موريس ومصطفى سليم، في صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، أنَّ القوات المتحالفة مع بغداد قالت إنها استولت على قاعدةٍ عسكرية، وعلى حقلٍ نفطي، وبنيةٍ تحتية رئيسة أخرى من القوات الكردية.

بين عشيةٍ وضحاها، وبينما اقتربت تلك القوات، كانت هناك مخاوف واسعة النطاق من إراقة الدماء الكبيرة. كركوك هي موطن عددٍ كبير من السكان الأكراد، والعرب، والتركمان، حيث كانت العلاقات بين الجماعات منذ فترةٍ طويلة غير مستقرة. في نهاية المطاف، كانت المناوشات قليلةً، ولكنها ما تزال مثيرةً للقلق؛ إذ أظهر مقطع فيديو مشترك على الإنترنت عددًا من الجثث بلباس جنود البيشمركة الكردية. وقال المقاتل العراقي الذي كان يصوّر، في إشارةٍ الى زعيم كردستان العراق: “هذا نتيجةٌ لعصيان مسعود البارزاني”.

ولكن هناك مخاوفَ من أنْ تكون المعارك مقدمةً لمزيدٍ من العنف؛ إذا لم يخفف الجانبان من حدة التصعيد، وهو وضعٌ سيجبر الولايات المتحدة على اتخاذ بعض الخيارات المحرجة حول من ينبغي لها أنْ تدعمه، عندما لا تنفعُ الوسائل السلمية بمنع الحملة العسكرية.

إنّه لأمرٌ مدهش مدى السرعة التي تدهورت فيها الأمور. قبل بضعة أشهرٍ فقط، قالت وزارة الدفاع: إنَّ مستوى التعاون بين الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كردستان كان “غير مسبوقًا”، حيث وصفت البيشمركة بأنّها “شريكٌ أساس في العمليات ضد (داعش)”.

ثم جاء استفتاء الاستقلال الذي أقامه برزاني في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث صوَّتَ نحو 93 في المئة من الأكراد العراقيين على الانفصال. ولم يحظ َالاستفتاء بدعم بغداد، ومعظم المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة -وهي عادة حليف قوي للأكراد- حيث عارضت الاستفتاء على أساس أنَّه يقوّضُ استقلال وسيادة الدولة العراقية. كان جيران العراق غاضبين حيال التصويت الذي بدا وكأنّه يشجّع أقلياتهم الكردية على إقامة دولة. ويبدو أنَّ إيران على وجه الخصوص كانت ساخطةً، نظرًا إلى العلاقات الوثيقة بين الأكراد العراقيين والإيرانيين.

لكنَّ حلم الاستقلال ظلَّ منذ فترةٍ طويلة يراود الأقلية الكردية العراقية التي عانت بشدةٍ، في عهد نظام صدام حسين. المكاسب في الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية، بعد عام 2014 ولا سيما كركوك التي وصفت بأنَّها “القدس الكردية“، جعلت هذا الحلم يبدو أكثرَ إلحاحًا، وممكنًا من الناحية الاقتصادية.

تظهر السهولة التي استعاد بها العراقُ كركوك، يوم الإثنين، أنَّ مقامرة الاكراد لم تكنْ من دون ثمن. والأهم من ذلك أنَّ المقاومة الضعيفة التي أبدتها القوى الكردية تشير إلى الانقسامات السياسية داخل المجتمع الكردي. وردًّا على تقارير تفيد بأنَّ بعض الجنود قد أُمروا بالانسحاب، اتهمت القيادة العامة للبيشمركة، التي تصطف مع برزاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، مسؤولين من حزب (الاتحاد الوطني الكردستاني) المنافس بالمساعدة في “المؤامرة ضد شعب كردستان”، وفقًا لتقارير (بي بي سي)”.

كما انتقد أيضًا عددٌ من المراقبين رئيسَ الوزراء العراقي حيدر العبادي، لتسرّعه في اللجوء الى القوة، وربما بناءً على طلبٍ من إيران، التي هي حليفٌ للحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد. وقال المحلل نبراس كاظمي على (تويتر) في إشارةٍ إلى اللواء قاسم سليماني، قائد قوة (القدس) المعروفة بنخبة الحرس الثوري: إنَّ “بغداد، التي تم التلاعب بها بإيقاعات طبول حرب سليماني، قررّت عبور الحدود لتحقيق مكاسب على المدى القصير”.

قائد الحرس الثوري قاسم سليماني في محافظة صلاح الدين العراقية خلال عمليات مكافحة (داعش) عام 2015. (رويترز)

هناك العديد من الطرق التي تستفيد بها إيران من الوضع الحالي. فالصراع لا يقوّض الوحدة الكردية فحسب، بل يعزز أيضًا دور الميليشيات الموالية لإيران في العراق، ويجعلها تبدو كحُماةٍ للوحدة الوطنية بدلًا من الطائفية. كما أنَّه يضع الولايات المتحدة في موقفٍ محرج، فهي تخاطر إما بتقويض العبادي، إنْ انتقدت الحكومةَ العراقية أيضًا بشكل علني، أو تعتبر أنَّها تخون الأكراد، وتنحاز إلى طهران، إنْ لم تفعل ذلك.

وعلى الرغم من كلِّ الكلمات القاسية التي وجهها ترامب إلى إيران، وإلى الحرس الثوري بشكلٍ خاص، يوم الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أنَّه تجنَّب اتخاذ موقفٍ علنيّ بشأن الوضع في كركوك. وقال ترامب خلال مؤتمرٍ صحافي عقده يوم الإثنين 16 تشرين الأول/ أكتوبر: “إنّنا لا نحب حقيقة أن يتصادموا”. وأضاف: “أبدًا، ما كان يتوجب علينا أنْ نكون هناك”، مشيرًا إلى الغزو الأميركي عام 2003، “لكننا لن نقفَ إلى جانب طرفٍ ضد آخر”.

هذه الاستجابة الحذرة ليست عادةً ترامبية، ولكنَّها ليست بالضرورة أمرًا سيئًا. ومن المؤكّد أنّ المصلحة الأميركية تكمن في تخفيف حدّة الموقف. إنَّ القيام بذلك يتطلب تحفيز بغداد وأربيل على إجراء المفاوضات، فضلًا عن معالجة المنافسات المتنامية بين الأكراد. ويبدو أنَّ شيئًا من هذا يحدث بالفعل: إذ تدرس واشنطن وقف برنامجها لتدريب وتجهيز القوات العراقية، إذا استمر الهجوم على الأكراد العراقيين، وفقًا لما ذكرته وكالة (ديفينس نيوز) Defense News.

لكنْ إذا تغيّر ترامب، وقرّر الوقوف إلى جانب طرفٍ -كما قالت بعض الأسماء البارزة-  فمن المؤكّد، أنّه سيعرض للخطر علاقةً أساسيةً واحدة على الأقل بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويصبح ألعوبةً بيد الإيرانيين من دون أنْ يدري. قد يحتاج الرئيس إلى “فن الصفقة” بدلًا من حاجته إلى القيام بشيء ليس من مقاربته الطبيعية، إنه يحتاج إلى صفقةٍ ترضي جميع الأطراف.

اسم المقالة الأصلي A new battle in Iraq gives Iran the upper hand
الكاتب آدم تايلور، Adam Taylor مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 17/10 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/10/17/a-new-battle-in-iraq-gives-iran-the-upper-hand/?utm_term=.61b63d6f1294 عدد الكلمات 909 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون