النظام يتاجر بكهرباء الساحل لتسويق “انتصاراته”



كل شيء في سورية “انتصار”! إذ فجأة يكاد المواطن السوري في الساحل (اللاذقية وطرطوس) يُصاب بسكتة قلبية من شدة الفرح بعدم انقطاع الكهرباء أبدًا، بعد أن كان تقنين الكهرباء 3 بـ 3 أي ثلاث ساعات متوفرة وثلاث ساعات مقطوعة، وقد برمج المواطن السوري في الساحل حياته على هذا الأساس، بخاصة في ما يتعلق بتشغيل الأدوات الكهربائية، وفجأة تهبط نعمة الكهرباء المتوفرة 24 ساعة، ويظهر “مسؤول سوري” رفيع المنصب على شاشة الفضائية، ليقول: “إن الجيش السوري حرر حقول النفط في دير الزور من سيطرة (داعش)، وحقق انتصارات مُذهلة، وهذا سبب عودة الكهرباء بلا انقطاع إلى المواطن السوري الغالي جدًا على الدولة”، ولا أعرف لمن أتوجه بسؤالي، ترى هل تحرير آبار النفط في دير الزور يجعل الكهرباء تأتي للتو في الساحل! ألا تحتاج عودة الكهرباء إلى فترة زمنية، ولو عدة أيام! مرت ثلاثة أسابيع، ونحن في الساحل ننعم إلى حد الذهول من عدم انقطاع الكهرباء البتة، ولكنها عادت للانقطاع، ولا أعرف كيف سيفسر ذلك المسؤول؟ ترى هل عادت (داعش) وسيطرت على بعض حقول النفط في دير الزور؟ أم حدث عطل ما؟ أم ماذا؟

“انتصار” دير الزور سبقه الاحتفال بانتصار حلب التي دُمّر نحو 80 بالمئة منها، والمذيع الأبله -في أوج القصف على حلب- يقول: “ابتسم أنت في حلب”، في الوقت الذي تنهمر فيه القذائف الصاروخية والبراميل المتفجرة على المشافي وعلى الأحياء السكنية. يُذكرني هذا المذيع الأبله بعبارة: “ابتسم أنت في دير عطية”، ولا أعرف لمَ علي أن أبتسم، هل لأنني في طريقي إلى دمشق أمر بـ (دير عطية) التي لا أعرف بم تتميز! ولماذا علي أن أبتسم عند مروري بـ (دير عطية) التي لا أعرف عنها سوى أن المسؤول في القصر الرئاسي الذي كان ينظم المواعيد لمقابلة الرئيس أصله من دير عطية. ألهذا السبب تطلب منا “الدولة” أن نبتسم حين نمرّ بدير عطية!

إذًا كل شيء في سورية انتصارات، وللأسف، المواطن المُروّع من ذل العيش والذي يعامل من قبل مؤسسات الدولة، وفق قانون (بافلوف)؛ يتحول إلى كائن تتحكم الحكومة بردّات أفعاله ومنعكساته، إذ يوهم نفسه أنه يُصدق مسؤولي الدولة المرتشين والمنافقين ويبرر لهم ما يقولونه، فمثلًا يبرر للصرّافات تعطلها فجأة بأن شبكة الإنترنيت من دمشق تعطلت! أو أن الموظف في المصرف يحتاج إلى ساعة كي يضع المال في الصراف الآلي، ويبرر انتظاره في الشارع تحت الشمس الحارقة أو البرد القارس بأن الموظف يضع مبلغًا كبيرًا في الصراف، ويحتاج ذلك إلى زمن طويل، بينما وضع عدة ملايين في جيوب المسؤولين المُرتشين لا يحتاج إلى أكثر من دقائق.

المواطن حين يجبر نفسه على أن يبرر ذل عيشه، وعلى أن يُصدق المسؤولين اللصوص،  هو في الواقع يحاول أن يخفف هول مصيبة العيش وقساوتها في سورية على جهازه العصبي، كي لا ينفجر أو يجن، لأن الجنون هو ردة الفعل الطبيعية على تحمل نفاق الحكومة وذل العيش.

من يتابع الفضائية السورية أو الإخبارية السورية؛ ينصعق من كمية التفاؤل فيهما! ويشعر بأن سورية أحسن بلد في العالم، وفي الوقت الذي يموت فيه المئات على طول مساحة الأرض السورية كل يوم، فإن “الإخبارية السورية” تكون منشغلة بالحوار مع عدة محللين سياسيين حول مأساة اليمن! والأطفال اليمنيين الذين يموتون بالمئات والآلاف من الكوليرا، وغيرها من الأمراض.

سبحان الله! أليست سورية وأطفالها وشبابها أولى بإعداد برامج تناقش، بصدق وشفافية وجرأة، أوضاعهم المأسوية من موت ونزوح.. إلخ، من مناقشة مأساة اليمن أو غيرها من الدول! وأذكر جيدًا أن التلفزيون السوري، بعد كل مجزرة في سورية (مثل مجزرة أطفال الحولة المُروعة وغيرها من المجازر)، كان يبث لساعات الموسيقى الكلاسيكية! هذا هو إعلام النظام الذي يتهم غيره من الإعلام بفبركة أفلام عن سورية وسجونها، ويتهمها بأنها أفلام مُفبركة وكاذبة، بينما الإعلام السوري لم يتوقف يومًا واحدًا عن إعداد برامج وثائقية، لأمهات ثكالى فُجِعن بأولادهن، ولآباء مات أولادهم موتًا عبثيًا في “الجيش السوري”، والأمهات يزغردن فرحًا بموت أولادهن الشبان في سبيل الوطن! ويتمنين أن يلتحق كل أولادهن في “الجيش السوري”، وأن يحظوا بشرف الشهادة في سبيل الوطن! من يصدق هذه البرامج! هل يُعقَل أن تفرح أمٌّ بموت ابنها! وأن تزغرد فرحًا! أو أن ينتشي أبٌ بموت ابنه الشاب “فداء للوطن”، ويتعهّد بأن يُرسل ابنًا آخر ليستشهد! ويظهر أحد المسؤولين المتنفذين في الدولة، ليعلق على هذه البرامج المُفبركة، وهو الذي هرّب أولاده إلى الخارج، يظهر ذلك المسؤول على الشاشة؛ ليحيّي تلك الأمهات الثكالى اللاتي ربّين أولادَهن تربية صالحة، وأعدوهن للموت؛ ليحققوا الانتصارات!

“انتصار” تلو “انتصار” في إعلام النظام، وعلينا أن نبتسم في حلب وحمص ودير عطية، وربما في كل شبر مُدمر من سورية. على المواطن السوري أن يبتسم ببلاهة، لأن الانتصارات تحفّ به، بينما على الأرض، لا نرى سوى مواطن مسحوق فقير مذلول، لكنه مُجبر على أن يكون مبتسمًا.


هيفاء بيطار


المصدر
جيرون