هزات كركوك تضرب البيت الكردي العراقي




تصاعدت حدّة الأزمة الداخلية في إقليم كردستان العراق، لليوم الثاني على التوالي، إثر ما اصطلح عليه في الشارع السياسي والشعبي الكردي بعبارة (كارساتى كه ركوك)، أي “فاجعة كركوك” بين مختلف القوى والكتل السياسية الكردية، وسط تبادل الاتهامات وعبارات التخوين بين الفرقاء. كذلك تزايدت الدعوات لمحاكمة المتورطين بالاتفاق مع رئيس فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وبغداد في سحب البشمركة من محيط المدينة، وبين دعوات إقالة مسعود البارزاني من رئاسة الإقليم، وتشكيل حكومة إنقاذ للتفاوض مع بغداد.

وأعادت تلك الأجواء المتشنجة أكراد العراق إلى أجواء الحرب الأهلية التي اندلعت في مايو/أيار 1994، واستمرت سنوات عدة قبل أن تنتهي بوساطة أميركية، تكلّلت بتوقيع اتفاقية سلام في واشنطن عام 1998 بين جلال الطالباني ومسعود البارزاني. مع العلم أن مناطق النفوذ في الإقليم موزعة بين الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني في أربيل ودهوك وأجزاء من حلبجة، بمساحة نحو 65 في المائة من مساحة الإقليم الرسمية، مع حلفاء لهم كـ”الاتحاد الإسلامي”، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين الكردية. أما السليمانية والجزءان الغربي والشرقي من حلبجة والجزء الكردي من كركوك فخاضعة للاتحاد الوطني الكردستاني، والذي لم يسمّ حتى الآن زعيماً له خلفاً للراحل جلال الطالباني. كما أن حزب التغيير بزعامة عمر علي، وتحالف من أجل الديمقراطية بزعامة برهم صالح، والجماعة الإسلامية بزعامة علي بابير، وهي جماعة إسلامية سياسية معروفة بقربها من حركات المعارضة للبارزاني، موجودون في الإقليم.

وانتشرت أخيراً دعوات إقالة رئيس الإقليم مسعود البارزاني، وتشكيل حكومة إنقاذ، من قبل أطراف محدودة داخل الاتحاد الوطني، والذي بات أسير الخلافات الحادة المُنذرة بانشقاقات جديدة في صفوف قياداته، مع اتهام جناح كوسرت رسول، أبرز قياديي الحزب سياسياً وعسكرياً أمس الأربعاء، من وصفهم بـ”عدد من شخصيات الاتحاد دخلت بوابة العار عبر اتفاقيات لمكاسب رخيصة”، في إشارة إلى بافل الطالباني (نجل جلال) وهيرو الطالباني (والدته) وقيادات أخرى وقّعت على اتفاق الانسحاب من كركوك مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني والقيادي بالحشد الشعبي هادي العامري، تضمن الانسحاب من مواقعها في كركوك، وتمهيد الطريق لاقتحام الجيش و”الحشد الشعبي” مدينة كركوك. فضلاً عن قيادات في حزب التغيير، وتحالف جديد شكله القيادي السابق بالاتحاد الوطني برهم صالح بعد انشقاقه عن حزب الاتحاد.

في المقابل، برزت أزمة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الداخلية لإقليم كردستان، والتي كان موعدها مقرراً بعد نحو أسبوعين، إلا أنه جرى تعليقها أمس، إثر مطالبة كتل عدة تأجيلها أبرزها جناح البارزاني، بينما دعا آخرون لإجرائها، كحزب الاتحاد والتغيير من دون أي تمديد في فترة رئاسة البارزاني أو عمر البرلمان. خطوة التعليق تعددت التفسيرات بشأنها، بين من اعتبر أن الهدف من التأجيل قد يكون رغبة البارزاني بتفادي مواجهة الناخب الكردي في هذه الظروف، ومن رأى أن قيادة الإقليم تحاول تفادي مواجهة شعبية حالياً نظراً إلى حدة الانقسام العامودي. غير أن الإعلان الرسمي للإلغاء من قبل مفوضية الانتخابات في كردستان العراق برر التأجيل بعدم وجود مرشحين وبـ”تداعيات الوضع” بعد استعادة الحكومة المركزية المناطق المتنازع عليها.

وقال القيادي البارز في الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني، النائب شاخوان عبد الله لـ”العربي الجديد”، إن “دعوات تشكيل حكومة إنقاذ وما إلى ذلك من تنحي رئيس الإقليم وحل المؤسسات الحكومية وغيرها، سنوافق عليها مقابل إحالة الخونة إلى محكمة عليا لمحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، وهم كل من جلس مع سليماني ووقع على منح كركوك وبيع دماء البشمركة، والتسبب بهذا الكارثة، ومن ثم يعدمون علناً ونوافق على كل المطالب”.

وأضاف “اليوم المكتب السياسي في الاتحاد الوطني منع عدداً من الخونة في صفوفه من دخول المكاتب وطردهم، وجزء كبير من الاتحاد الوطني رافض الخيانة التي خرجت من بين قادته. وهذا انقلاب إيجابي على الأشخاص الذين باعوا كركوك لإيران واتفقوا مع سليماني”. ورأى أن “موقف القيادي بالاتحاد الوطني كوسرت رسول كان واضحاً، وهو ليس موقف الشارع الكردي عندما اعتبر الخونة في الاتحاد الموقعين مع سليماني بأنهم دخلوا بوابة العار”. وحول موقف برهم صالح القيادي السابق بالاتحاد الوطني، قال عبد الله، إن “مواقفه نابعة من الانتخابات المقبلة وهو يقود حملة مبكرة بذلك مع قيادات أخرى بالاتحاد الوطني، كانت طيلة الفترة الماضية مشغولة بسرقة وتهريب النفط”.

من جانبه، أفاد الخبير بالشأن الكردي العراقي بابكر محمود بيارة، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، بأن “الصراع الحالي سياسي ولن يتجاوز ذلك كما حصل في التسعينيات، لأسباب عدة، منها أن مؤسسات الأمن والاستخبارات والشرطة والبشمركة تدين غالبيتها بالولاء للبارزاني بنسبة تتجاوز 75 في المائة، وأن معسكر السليمانية حالياً في أضعف حالته العسكرية كون غالبية المساعدات العسكرية الغربية من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ذهبت إلى أربيل وتحت تصرف وزارة البشمركة. كما نجح البارزاني في تطويع أكثر من 40 ألف عنصر جديد بالبشمركة، جميعهم من سكان أربيل ودهوك”.

وتابع قائلاً “الولايات المتحدة لن تسمح بأي صراع أو صدام مسلح بين الجانبين، لأسباب معروفة للجميع، فرغم تخلي واشنطن عن الأكراد بالاستفتاء، إلا أنها ما زالت تعتبرهم حليفاً جيداً لها. ولن تسمح بأي صراع في الإقليم يؤدي إلى تغلغل إيراني وتركي فيه، خصوصاً أن السليمانية قريبة جداً من إيران”.

وبيّن عبد الله أن “البارزاني ورغم انكساره السياسي الظاهر بعد كركوك وما تلاها، لكنه ما زال قوياً بالشارع الكردي كونه قاد مشروع حلم الأكراد، والذي أُفشل بتحالف تركي إيراني عراقي، وانقلاب جزء من السليمانية عليه. وهذا يداعب مشاعر الأكراد ويستحضر قصة دولة مهاباد الأولى”.

وختم بالقول إن “زوال حكم عائلة البارزاني من الإقليم يجب أن يقابله زوال حكم عائلة الطالباني، لذا من غير المرجح الإطاحة البارزاني، بل على العكس نتوقع أن يتفكك الاتحاد الوطني الذي بات يطلق بعضهم عليه عبارة (هوزاوي) وهو شخصية تاريخية كردية تعاونت مع الفرس في القرن السابع عشر مقابل امتيازات مالية”.

مصادر كردية رفيعة في إقليم كردستان أكدت لـ”العربي الجديد” أن “الحزب الديمقراطي ومن أجل امتصاص موجة الهجوم الحالية عليه من المعارضة سيذهب إلى إجراء الانتخابات، وسيتم طرح اسم نجيرفان إدريس البارزاني ابن شقيق مسعود البارزاني ورئيس الوزراء الحالي، في الإقليم كمرشح رئاسيً خلفاً لعمّه، خصوصاً أنه يحظى بقبول واسع ونجح كرجل اقتصاد في الفترة التي تسلّم بها الحكومة، ويمكن أن يكون مزعجاً لمعسكر السليمانية في مراكز يعتبرونها أنها مقفلة الأصوات لهم”.

من جانبها، ذكرت سروى عبد الواحد عن حزب التغيير لـ”العربي الجديد”، أن “التوقعات كانت تشير إلى أن البارزاني سيستقيل”، مستغربة من تمسكه بالسلطة وهو غير شرعي. والآن أقل خدمة يقدمها اليوم للشعب الكردي هي استقالته وتشكيل حكومة إنقاذ”. وأضافت “نتمنى أن نأتي برئيس جديد لكنه عليه أولاً الموافقة على التنحي”.

أما العضو في الاتحاد الوطني الكردستاني شوان داوود، فرأى أن “البارزاني فرض نفسه بالقوة، ولا يمكن لأحد تنحيته إلا بقرار من البارزاني نفسه”. وأشار في حديثٍ لـ”العربي الجديد” إلى أنه “لو كان الأمر بيد الشارع الكردي لتم تغييره منذ سنوات”.

وحول ذلك قال الخبير بالشأن العراقي، لقاء مكي، إن “الأزمة الحالية سيتم استيعابها بالتأكيد، وإن كانت هناك أضرار لها ستكون في السليمانية، وليست على أربيل”. واعتبر أنه “حالياً لا يمكن الحديث إلا عن ارتدادات أو هزات سياسية في الإقليم لا أكثر مع استبعاد تام لأي نزاع مسلح جديد، وقبل أن تتوحّد السليمانية في موقفها المنقسم. ولا يمكن القول أبداً إن هناك تغييراً سياسياً جذرياً قد يزيح البارزاني من السلطة”.




المصدر