نيو يورك تايمز: كيفية إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا



القنصلية العامة للولايات المتحدة في إسطنبول. وقد علقت الولايات المتحدة إجراءات التأشيرات للأتراك غير المهاجرين، فبادلتها تركيا الشيء نفسه بالنسبة للأميركيين. صورة إردم شاهين/ وكالة الصحافة الأوروبية

أدى احتجاز موظفٍ تركيّ في القنصلية الأميركية في إسطنبول، والقرار اللاحق الذي اتخذته الولايات المتحدة بتعليق إعطاء تأشيراتٍ للأتراك غير المهاجرين، والذي قابلته تركيا بالمثل بالنسبة للأميركيين، إلى وصول العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى أسوأ لحظةٍ في ما بينهما.

من المهم أنْ يتساءل الأتراك والأميركيون، عمن سيستفيد من المزيد من التدهور في شراكتهم الاستراتيجية. ولضمان عدم استغلال الأزمة الحالية من قبل المنافسين الجيوسياسيين، ولكي لا تتأثر المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وتركيا، لا بدَّ من استخدام الدبلوماسية، وإخراج العلاقات الأميركية التركية من مأزقها الحالي.

ينبغي أنْ تكون الخطوة الأولى هي عزل الشعبَين الأميركي والتركي عن الأزمة. فمن خلال رفض منح التأشيرات للأتراك، اتخذت الولايات المتحدة -لأول مرة- تدابير تؤثر على الأتراك العاديين؛ حيث يزيد القرار من حدّة الاستياء القائم تجاه تركيا في الولايات المتحدة، ويؤجج معاداة الأمركة (1) في تركيا.

يجب على كلتا الدولتين أنْ تبديان قدرًا أكبر من الحساسية تجاه ما يقلق كلًا منهما: تركيا بحاجةٍ إلى الولايات المتحدة لإبداء اهتمامٍ أكثر دقةً لهواجسها الأمنية؛ والولايات المتحدة تحتاج إلى تركيا لإظهار التزامٍ صارم بسيادة القانون.

يعود التحالف بين تركيا والولايات المتحدة إلى سبعة عقود. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا، وهي عضوٌ في الناتو منذ عام 1952، كانت حليفًا قويًا للغرب خلال الحرب الباردة. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ ساهمت تركيا في جهود حفظ السلام لتحقيق الاستقرار في يوغوسلافيا السابقة، والمساعدة في وقتٍ لاحق في إصلاح الكنائس، والمساجد، والجسور، وبناء المدارس في البوسنة، كما ساعدت في بناء الطرق، والمدارس للفتيات في أفغانستان، بعد تدخل الولايات المتحدة.

في العقد الأول من بداية القرن الحالي، اتخذت تركيا خطواتٍ حاسمة لتحسين ديمقراطيتها، واقتصادها؛ ما جعلها قريبةً من عضوية الاتحاد الأوروبي. وأُشيد على نطاقٍ واسع بـ “النموذج التركي”، باعتباره الطريق لتقدم البلدان الإسلامية التي تطمح إلى الإصلاح. وشاركت الولايات المتحدة بصورةٍ بناءة في هذه العملية، واعتُبرت تركيا ركنًا أساسيًا في النظام الليبرالي الدولي. وقد استمرت هذه السياسة في إدارات كلٍّ من كلينتون، وجورج دبليو بوش، ولفترةٍ جيدة من عهد أوباما.

مع ذلك، فالعلاقة بين الولايات المتحدة، وتركيا مرّت بفتراتٍ من الصعود والهبوط. بعد التدخل التركي في قبرص في عام 1974، فرضت الولايات المتحدة حظرًا على توريد الأسلحة إلى تركيا، حيث استغرق الأمر خمس سنواتٍ لإصلاح العلاقة. وفي عام 2003 لم تسمح تركيا للقوات الأميركية بالمرور عبر تركيا إلى العراق لفتح جبهةٍ شمالية ضد صدام حسين، حيث لم توافق تركيا على غزو الولايات المتحدة للعراق. هذا الخلاف أوصل العلاقات إلى مستوى متدنٍ آخر.

وتتبع الأزمة الحالية عدَّة توتراتٍ مكثفة تدفع الجانبين عميقًا نحو دوامةٍ من انعدام الثقة المتبادلة. وقد راوحت هذه الأمور بين خيبة أمل الرئيس باراك أوباما العميقة من حملة رجب طيب أردوغان على احتجاجات (غيزي بارك) في حزيران/ يونيو 2013، إلى استياء تركيا من فشل إدارة أوباما في دعم “خطوطها الحمراء”، ضد نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية.

اتسعت الخلافات حول سورية، عندما اتُّهمت تركيا بالفشل في وقف تدفق المقاتلين المتطرفين الأجانب، وعزّزت الولايات المتحدة التعاونَ العسكري مع (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردستاني السوري (ب ي د) ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش). حيث تَعدّ تركيا (حزب الاتحاد الديمقراطي) امتدادًا لـ (حزب العمال الكردستاني) الذي يقود تمردًا ضد تركيا منذ الثمانينيات.

تبددَ أملُ الأتراك في أن تتحسن العلاقات الثنائية مع وصول إدارة ترامب، بعد الصدامات العنيفة خارج مقر السفير التركي في واشنطن في أيار/ مايو، بين حراس الرئيس أردوغان، والمتظاهرين.

بعد محاولة الانقلاب في تموز/ يوليو 2016 ضد الحكومة التركية، وما خلفته من آثارٍ مؤلمة؛ تفاقمت الأزمة الحالية. في تركيا، هناك إجماع قوي على أنَّ حركةَ (فتح الله غولن)، الداعية الإسلامي في بنسلفانيا، خططَت، وقامت بالانقلاب بعد انهيار تحالفها مع الحكومة.

إنَّ استمرار فرض حالة الطوارئ منذ محاولة الانقلاب، وعمليات التطهير والاحتجاز الواسعة النطاق يصعب التوفيق بينها وبين سيادة القانون. كما أنّ الممارسة المتنامية لاحتجاز الأجانب واتخاذهم كـ “أوراق مساومة” للضغط على الحكومات الأجنبية، لتسليم المواطنين الأتراك المتهمين بالتورط في مؤامرة الانقلاب، تؤكّد فقط صورة تركيا القمعية والاستبدادية.

كما تتحمل الولايات المتحدة المسؤوليةَ في هذه الأزمة، حيث فشل الأميركيون في التعاطف مع ما مرَّتْ به تركيا خلال محاولة الانقلاب؛ ما سبب أذًى للعلاقة، بل غذى اتهاماتٍ للولايات المتحدة بالتواطؤ. وقد رأتْ تركيا قرار الولايات المتحدة بتسليح وحداتٍ عسكرية تابعة لـ (حزب الاتحاد الديمقراطي) على أنَّه يتجاهل قلقها المتعلق بأمنها القومي.

الأتراك قلقون من أنَّ الأسلحة المقدّمة للوحدات العسكرية الكردية من قبل الأميركيين، ستتحول في نهاية المطاف ضدهم. إذ كانت التطمينات حول مراقبة هذه الأسلحة من خلال أرقامها التسلسلية غير مقنعةٍ، بل ساعدتْ بإذكاء مشاعرٍ معادية للولايات المتحدة في تركيا.

إنَّ استمرار غياب رؤيةٍ واستراتيجيةٍ للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بشأن الوضع في العراق وسورية، يثير المخاوف في تركيا حول حكمة الاعتماد على واشنطن. تركيا لديها حصصٌ اقتصادية وسياسية هائلة في استقرار أكبر في الشرق الأوسط، وتتوقع مشاركةً أكثر فاعلية من الولايات المتحدة. ما يزال كلا الجانبين بحاجةٍ إلى بعضهما البعض.

يمكن أنْ تساعد تركيا الولايات المتحدة في إدارة الانبعاث الروسي والإيراني، وإصلاح الصراعات التي لم تُحَل في جنوب القوقاز، والمساعدة في الحرب ضد “الدولة الإسلامية” (داعش)، والمساهمة في إيجاد قدرٍ من الاستقرار في العراق وسورية. لكن عدم وجود استراتيجيةٍ واضحة للولايات المتحدة يدفع تركيا إلى إقامة علاقةٍ أوثق مع كلٍّ من روسيا، وإيران للدفاع عن مصالحها.

على الرغم من توتراتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، ما تزال تركيا متوافقةً بشكلٍ عميق مع الغرب، حيث تكمن المصالح التركية. إذ يأتي أكثر من نصف تجارتها، وثلثي استثماراتها الأجنبية المباشرة التي هي بأمسِّ الحاجة إليها من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة. وعلى عكس إيران وروسيا، فإنَّ تركيا ليست مصدّرًا للنفط والغاز الطبيعي، فإنَّ سلامتها الاقتصادية مرتبطةً باقتصاد سوقٍ فعال.. اقتصاد يعتمد على الاستقرار، وسيادة القانون، والأسواق المستقرة في كلٍّ من الغرب، والشرق الأوسط.

يتعين على الدبلوماسيين الأميركيين والأتراك، حلُّ هذه الأزمة حتى يتمكن الناس العاديون من السفر. إنَّ المشاركة الدبلوماسية الجديدة يمكن أنْ توفر المجال للولايات المتحدة، لكي تؤكّد مجددًا عدم قبول اضمحلال سيادة القانون، وأيّ علاماتٍ لاحتجاز الأجانب في تركيا كأوراقٍ للمساومة.

ويمكن للولايات المتحدة أنْ تكون أكثر انفتاحًا على المساعي -من خلال ما يسمّى بالدبلوماسية التي تتبعها شخصياتٌ مؤثرة خارج الحكومة- من أجل فهمٍ أفضل للضرر الذي يُلحقه (غولن) بالمؤسسات، والسياسة التركية.

وعلاوةً على ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة أنْ تؤكّد لتركيا أنَّ الأسلحة المسلَّمة إلى الأكراد من (حزب الاتحاد الديمقراطي) لنْ تتحوّل ضد أهدافٍ تركية. ويتعيّن على القادة الأتراك، من جانبهم، تجنب السياسة الشعبوية، ورفع حكم الطوارئ، والتركيز على إعادة بناء الديمقراطية في تركيا.

(1) – الأمركة: هي مجموعة العقائد والممارسات السياسية والثقافية الأميركية، إضافة إلى التقاليد السائدة، وبمعنى آخر: نمط الحياة الأميركي.

اسم المقالة الأصلي How to Fix U.S.-Turkey Relations الكاتب كمال كيريسجي، Kemal Kirisci مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 19/10 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/10/19/opinion/how-to-fix-us-turkey-relations.html عدد الكلمات 1010 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون