القلم والقدم



كم كاتبًا عربيًّا نحتاج أن نُحصي كي يتحصَّل لدينا، من دخولهم الماليّة لقاء كتاباتهم، ما يعادل الرقم الماليّ الذي دُفع لنادي برشلونة لقاءَ انتقال اللاعب “نيمار” إلى نادي باريس سان جيرمان، وقدره 222 مليون يورو؟

على الفور، سيتمُّ الاعتراض على السؤال، لأنَّه يُقارن مع الكتَّاب العرب، وأحوال هؤلاء -كما هو معروف- لا تخرج عن أحوال كتّاب العالم الثالث، أي عن دائرة ذوي الدخل المحدود، ويمكن أن نضيف: “جدًا” براحة بال.

طيب. لنذهب إلى الدول المتقدّمة والتي تُقدّر النشاط الفكري والأدبي المبدع، وتفي أصحابه ماليًّا ما يستحقّونه، احترامًا لهم وتكريمًا لجهودهم ومواهبهم ودورهم… إلخ. كم كاتبًا أوروبيًّا، أو أميركيًّا، أو يابانيًّا، أو أجنبيًّا بعامَّة، نحتاج إلى جمع دخولهم الماليّة، ومن مختلف أجناس وموضوعات كتاباتهم، كي نحصل على ما يوازي مبلغ “نيمار” العتيد السابق؟

مرة أخرى، يمكن أن نجد مَنْ يعترض على المقارنة بين نجم كبير معروف جدًا مثل نيمار، وكتّابٍ من الغرب ليس لهم ولا لأسمائهم -على شهرتهم النسبيّة- ما لنيمار ولاسمه من الذيوع والانتشار في العالم أجمع. وهذا منطقيّ. فلنذهب -إذن- إلى أشهر كتَّاب الأرض، وأبرزهم صيتًا وانتشارًا إعلاميًّا، ممن لا خلاف حول نجوميتهم وذيوع أسمائهم وأعمالهم وشهرتهم في أربع جهات الأرض، أي أولئك الذين فازوا بجائزة نوبل للآداب.

إذا نحن أحصينا ليس دخلَ كاتبٍ أو كاتبين أو عشرة كتَّاب من الفائزين بـ (نوبل)، بل المكافآت الماليّة الممنوحة من الأكاديميّة السويديّة لجميع مَنْ نالوا الجائزة (وعددهم 114 كاتبًا، بمن فيهم باسترناك وسارتر اللذين رفضا الجائزة) منذ انطلاقها العام 1901 إلى عامنا الحالي؛ لما تحصَّل لدينا نصف المبلغ -أين منَّا المبلغ كلّه!- الذي دُفع كُرمى لانتقال اللاعب نيمار دا سيلف.

بل أقدّر (إذ ليس ثمَّة إحصاء بالطبع) أننا لو أضفنا المبالغ المتفرّقة التي حصل عليها جميع كتّاب (نوبل) السابقين مما كتبوه خلال حيواتهم هنا وهناك؛ لما وصل المبلغ إلى الرقم الفلكي 222 مليون يورو النيماريّ.

فتأمَّلوا! تأمَّلوا المردود المالي لنشاط الذهن البشري إبداعيًّا في حقل الأدب والفكر، ولنشاط الذهن البشري إبداعيًّا، أيضًا، في حقل الرياضة. وإذا ما ذهبنا مذهب المساواة والتوازي في القيمة والفائدة للبشر بين نشاطين للعقل، واتّفقنا على حاجة حقلي النشاطين إلى الجهد والمهارة والفن والإبداع من المشتغلين فيهما؛ فإننا لن نستطيع -بحالٍ- أن نساوي أو نقارب، ولا حتى أن نُقارن بين المردودين الماليين الناتجين عن النشاطين والمتعلّقين بأصحابهما.

هذا كلّه، من دون حساب عدد السنوات المحدودة لنشاط الرياضي، مع أعداد نظيرتها من السنوات التي يواصل خلالها الكاتب نشاطه إلى أن يشيخ ويهرم. وهذا كلّه، من دون المقارنة بين أعداد جمهور الحاضرين المشجّعين في الملاعب والبطولات الرياضيّة (فضلًا عن ملايين الملايين من المشاهدين المتابعين عبر المحطّات الفضائيّة التلفزيونيّة)، وبين عدد الحاضرين في الأمسيات والندوات والمهرجانات الثقافية التي تُقام للكتّاب، بمن فيهم عدد قرائهم الافتراضي، هنا وهناك.

ولكنْ، ما الذي دفعني إلى إجراء مقارنات بين نتاج الذهن بواسطة القلم، ونتاجه بواسطة القدم؟ وما الذي أسعى للوصول إليه؟ لا شيء. كلّ ما في الأمر هو أن تقارب الزمنين بين مبلغين خُصّصا حديثًا، أحدهما لانتقال الرياضي نيمار، وثانيهما لفوز الكاتب إيشيغيرو بأشهر جائزة أدبية فكريّة ثقافيّة في عالمنا؛ قد حرَّك لديَّ بعض الشجون والمشاعر والتساؤلات، فرغبتُ في أن أعرض بعضها في مقالي هذا، ليس إلاّ.


إبراهيم صموئيل


المصدر
جيرون