يديعوت أحرنوت: بعد الحرب … إسرائيل تفضل سوريا روسية على سوريا إيرانية




على الرغم من العداء في الماضي فإن العلاقات بين روسيا وإيران تكثفت خلال تعاونهما في الحرب الأهلية السورية. ولكن موسكو وإسرائيل سوف تفضلان، على المدى الطويل، نظام الأسد العلماني على النظام الإسلامي الشيعي، وبكلمات أخرى فإن إسرائيل تفضل الهيمنة الروسية في سوريا على الهيمنة الإيرانية.

تغيرت خريطة الحرب الأهلية في سوريا تغيراً كبيراً في الأشهر الأخيرة، وقد أتاح انهيار “الدولة الإسلامية” (داعش) فرصة لجميع الأطراف: الجيش السوري والأتراك والأكراد، للاستيلاء على المناطق الخاضعة لسيطرة المنظمة الإرهابية السنية. ويسيطر جيش بشار الأسد الآن على ثلثي سوريا تقريباً، بعد عامين من القتال جنباً إلى جنب مع القوات التابعة لروسيا وإيران. ولكن مع اقتراب الحسم بشأن القضية السورية، فإن السؤال هو هل  أهداف روسيا وإيران متداخلة؟ وما هو موقف إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشأن هذه القضية؟

على عكس العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليس لدى روسيا وإيران قيم مشتركة على الإطلاق، فروسيا هي نوع من الدكتاتورية العلمانية، وإيران دولة دينية إسلامية. ولا يمكن التنبؤ بمستقبل تعاونهما في سوريا على أساس المصالح، إذ شهدت العلاقات بين إيران وروسيا العديد من التقلبات فى السنوات الأخيرة. بعد الثورة الإسلامية (1979) قطعت إيران علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي، بل أطلقت عليه اسم “الشيطان الصغير”، كما ساعدت روسيا العراق في الحرب ضد إيران (1980-1988). وحدثت الثورة بعد انحلال الاتحاد السوفيتي، عندما قامت روسيا ببناء مفاعل بوشهر النووي في إيران عام 1992.

قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بتطوير العلاقات بين الدولتين، ووقع العديد من الاتفاقيات مع إيران فى مجالات الجيش والطاقة. إن العداء والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب على البلدين قامت بدورها بالتقريب بينهما، بالإضافة إلى الأزمة في سوريا التي أدت  للمرة الأولى إلى تحالف عسكري بين البلدين، وبين الجيش السوري ومليشيات شيعية مختلفة.

النزاعات حول سوريا على المديين القصير والطويل:

نشأ تضارب المصالح بين روسيا وإيران في بداية التدخل الروسي المباشر في سوريا (صيف 2015)، وتم  انتهاك وقف إطلاق النار الذي أعلنته روسيا من قبل الميليشيات الشيعية التي تدعمها طهران مراراً وتكراراً. وقد أدركت روسيا أن شريكها الإيراني ليس مهتماً بإعادة الأمن والسلام للمنطقة، بل يهتم أكثر بالاستيلاء العسكري، مع استغلال الميزة التي خلقها “محور المقاومة” (المعارضة) ضد المعارضة السنية لأول مرة منذ عام 2015. وروسيا، من ناحية أخرى، راضية عن الترتيب الذي سينهي الحرب. وسيمكن ذلك من استمرار وجود قواعد موسكو الجوية والبحرية في شمال غربي سوريا مع مرور الوقت.

إن تضارب المصالح على المدى الطويل بين روسيا وإيران أكثر أهمية، ويرتبط بتعريف طبيعة الدولة السورية المستقبلية بعد الحرب. فروسيا مهتمة باستمرار نظام الأسد العلماني وليس لديها أي مشكلة مع طابعه الديكتاتوري، ما دام سيستمر في ولائه المطلق للروس سياسياً، وسيواصل حيازة أسلحة روسية كما كان قبل الحرب.

إيران، من ناحية أخرى، لديها طموحات بعيدة المدى لسوريا، وهي غير راضية عن إعادة الوضع إلى حالته السابقة. ففيما يتعلق بطهران، فإن سوريا جزء من “المشروع الشيعي” الذي ستصبح فيه جميع المناطق الجنوبية من سوريا، بما في ذلك أجزاء من العاصمة دمشق، قاعدة لحزب الله والميليشيات الأفغانية والعراقية تحت إشراف الحرس الثوري.

إيران معنية بإقامة ممر أرضي من أراضيها إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل فى مرتفعات الجولان. ستخضع سوريا في المستقبل، في نظر إيران، للتأثير الديني للشيعة الذين سيخضعون لأوامر من الشيوخ العلويين. وفي دمشق، التي كانت قلب العالم السني، أقيمت الاحتفالات الشيعية لأول مرة في العامين الماضيين.

من الأفضل لروسيا أن لا تكتشف أن الحرب التي  شنتها ضد الإرهاب الاسلامي السني فتحت المجال لكيان إسلامي جديد ذي طابع شيعي. وتدرك روسيا حقيقة أن إيران استخدمت تدخلها لمصلحة النظام السوري لتسوية الحسابات مع المنظمات السنية، على أساس الانتقام الديني الشيعي.

من الذي سيسيطر على المنطقة؟

روسيا ليست مهتمة باستمرار مشاركة حزب الله، المدعوم  بشكل رئيسي من قبل إيران، في جميع الحروب في سوريا، وترغب في تعزيز ذراع الجيش السوري تحت جناحها وتحت قيادتها. ولذلك تحاول روسيا تفكيك الميليشيات الموالية لنظام الأسد وضمها للجيش السوري. وتأمل روسيا، من خلال ذلك، ضمان سيطرتها على المناطق التي تحتلها المعارضة المعتدلة، ومنع إيران من الاستيلاء على هذه المناطق. وأنشأت روسيا لهذا الغرض لواءين جديدين للجيش السوري في العامين الماضيين، وقامت بتزويدهما بالسلاح والتدريب وحتى بميداليات للتميز.

على الرغم من عدم اعتراف روسيا بذلك، فإنها تتابع بقلق استيلاء حزب الله على أحياء بأكملها في مدينتي حلب ودمشق، بعد إنشاء قواعد حزب الله الدائمة على طول الحدود مع لبنان على الأراضي السورية. وهناك تقارير تفيد أنه حتى داخل الجيش السوري هناك وحدات تحت سيطرة روسيا، وغيرها تحت سيطرة الحرس الثوري،  ويمكن أن تتحول هذه السيطرة  إلى منافسات في نهاية الحرب.

في الواقع، فقدت المساعدات الإيرانية التي أنقذت النظام بين عامي 2012 و2014 فاعليتها منذ صيف عام 2015، عندما تدخلت روسيا مباشرة في الحرب الأهلية السورية. والآن بعد أن أصبح الجيش السوري ينمو والروس يقودونه إلى إعادة السيطرة والانتصار في معظم سوريا، فإن التدخل الإيراني أصبح عبئاً. والسبب هو أن إيران مهتمة بالمقابل بكل ما قدمته من تضحية واستثمار اقتصادي هائل للنظام السوري منذ بداية الأزمة، وكما نعرف لا توجد هدايا مجانية.

لا تزال هناك حاجة للتعاون الروسي مع إيران:

ولأن الحرب لم تنته فإن روسيا تظهر ولاءها لحليفتها إيران؛ إذ لم يتم القضاء على داعش تماماً، كما أن هناك مشاكل خطيرة أخرى في شمالي سوريا تتطلب استمرار التعاون الروسي الإيراني. فقد حقق الأكراد، في الساحة الشمالية الشرقية، الآن إنجازاً عظيماً، مع الاستيلاء على مدينة الرقة، العاصمة السورية للمنظمة الإرهابية السنية، وهم على وشك الانتقال إلى دير الزور، مركز النفط السوري. وفي هذه القضية أيضاً، هناك صراع بين موقف روسيا المستعدة للنظر في حل وسط مع الأكراد، والإيرانيين الذين يعتبرون الأكراد “عملاء للعدو الصهيوني”، وخطراً على تحقيق “المشروع الشيعي”.

اما في الساحة الشمالية الغربية، فقد أخذت تركيا بعد محادثات أستانة (كازاخستان) مسؤولية الحفاظ على منطقة إدلب، بالقرب من منطقة هاتاي في تركيا، “منطقة لمنع نشوب الصراعات”. ومع ذلك فقد استغلت تركيا الآن هذا الأمر لإرسال قواتها وقوات المعارضة السورية من الجيش السوري الحر. ورد النظام السوري بغضب ونشر يوم السبت 14 أكتوبر بياناً اتهم فيه تركيا بغزو سوريا. وبحسب النظام في دمشق، فإن تركيا لا تحارب الإرهاب، ولكنها تغزو المنطقة بالتنسيق الكامل مع الجهاديين “فتح الشام” (النصرة سابقاً) الذين يحكمون معظم المنطقة.

علاقات روسيا مع أعداء إيران:

يمكن القول أيضاً إن روسيا تضر بشكل غير مباشر بالقوات الموالية لإيران. وأوضح مثال على ذلك هو التنسيق الكامل مع إسرائيل، والروابط الأخيرة مع المملكة العربية السعودية.

إن غض الطرف الروسي عن القصف الإسرائيلي لمواقع حزب الله في سوريا مثير للدهشة تماماً؛ نظراً للعلاقات الجيدة بين روسيا وإيران. كما يظهر التقارب مع السعودية أن روسيا تدرس خيارات جديدة في اليوم التالي لانتهاء الحرب في سوريا. وقد زار الملك السعودي روسيا قبل أسبوعين، وكان هذا التحرك مفاجئاً لأن السعودية تدعم المعارضة في سوريا.

تدرك روسيا جيداً أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لا إيران، هي البلدان القادرة مالياً على المساعدة في إعادة تأهيل سوريا بعد الحرب. المملكة العربية السعودية، من جانبها، تريد عزل إيران وتطهير سوريا منها. وأثارت المحادثات بين روسيا والمملكة العربية السعودية، التي وقعت فيها اتفاقات اقتصادية واتفاقيات أسلحة، قلقاً إيرانياً. وكان وزير الداخلية السعودي ثامر السبهان أعلن قبل أسبوع أن التحالف الدولي ضد حزب الله لم يحصل على موافقة روسيا.

إن المواجهة مع السلطة الكردية، التي تحافظ على الحكم الذاتي في شمالي سوريا وتدعمها القوات الأمريكية، تتطلب التعاون الروسي مع واشنطن. وستفضل روسيا، على المدى الطويل، الولايات المتحدة على إيران كشريك لتقسيم السيطرة على سوريا. ليس لدى الولايات المتحدة أي طلب على الأراضي الواقعة خارج السيطرة الكردية، كما أن التنسيق الروسي الأمريكي سيحول دون نشوب حرب صعبة بين التنظيم السوري الكردستاني (قوات سوريا الديمقراطية) والجيش السوري. ولأن إيران تدرك هذا الخيار فقد قامت باستخدام حق النقض في مؤتمر أستانة على مشاركة الولايات المتحدة في المحادثات، وهي خطوة انتقدتها روسيا.

إحدى نقاط الخلاف بشكل خاص بين روسيا وإيران هي رغبة روسيا في التفاوض مع المعارضين المعتدلين لقبول فكرة إجلاء الميليشيات الأجنبية من سوريا. وأفادت صحيفة روسية، في آذار/مارس، أن الروس عرضوا في مؤتمر أستانة، الذي قامت فيه روسيا وإيران وتركيا ببحث مستقبل سوريا، الإشراف على إجلاء حزب الله من سوريا. ووفقاً للاقتراح ستخصص لحزب الله في المرحلة الأولى منطقة تتركز فيها قواته، وفي المرحلة الثانية سيعود المقاتلون إلى لبنان.

“خلط البطاقات”:

إن سقوط حلب، عاصمة المعارضة في بداية هذا العام، كان رمزاً لنهاية الثورة في سوريا التي بدأت في آذار/مارس 2011. جميع الأطراف في سوريا تقبلت الحقيقة المرة بشأن الفشل التام للمعارضين. لم يتم الإطاحة بالنظام السوري، ولم يعد هناك خيار لاستبدال النظام. وسوريا بعد الحرب لن تكون ديمقراطية ولن تكون إمارة إسلامية.

يستخدم المحللون في الصحافة العربية الآن عبارة “خلط الأوراق أو البطاقات”، من أجل تحديد الوضع غير المتوقع الذي يتشكل مؤخراً في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سوريا على وجه الخصوص.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا والمعارضة المعتدلة تلتزمان بوقف إطلاق النار لأول مرة منذ اندلاع الحرب، وتتم مقابلات بين أعداء الماضي: السعودية وروسيا وتركيا وإيران. إلى أين ستؤدي الاتصالات الجديدة؟ هل يتفكك التحالف الروسي الإيراني عند انتهاء القتال في سوريا؟ لا يوجد أي إجابة عن هذه الأسئلة بعد. لكن السعودية وإسرائيل قد ألمحتا إلى أن الروس يفضلون رؤية سوريا تحت رعاية روسية بدلاً من سوريا الإيرانية.

المصدر: يديعوت أحرنوت

الكاتب: يارون فريدمان

الرابط: http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5030929,00.html

Share this:


المصدر